التعديل الأول لقانون التقاعد الموحد… أفرغ المؤسسات من خبراتها وظلم شرائحَ واسعة
إياد عطية- تصوير : حسين طالب /
ولد التعديل الأول لقانون التقاعد الموحد في ظروف غير طبيعية تحت ضغط تظاهرات شعبية واسعة لكنه لم يحظ بدراسة جيدة، ولم يقدم أياً من الحلول التي أقر من أجلها، بل إنه تسبب بتخريب الجهاز الإداري للدولة، وزاد في أعبائها المادية. وبعد أكثر من ثلاثة أعوام على تطبيقه، أسهم القرار بتسريح الكفاءات والخبرات التي يعتمد عليها البلد، التي ليس بالإمكان تعويضها مالم نتمكن من نقل تجاربها الى الأجيال الشابة بشكل تلقائي.
وجاء هذا القرار كأحد الحلول (المعلّبة) لأزمة البطالة، لكنه في الواقع أسهم في تفاقمها. فقد شكا العديد من الشباب العاملين في القطاع الخاص من خسارة أعمالهم لصالح المتقاعدين الذين يحظون بالأولوية في التعيين لدى مؤسسات القطاع الخاص.
والحق أن هذا القرار، فضلاً عن تدميره للجهاز الاداري للدولة، قد ألحق الغبن بحق شرائح واسعة، وأسهم بارتفاع أعداد المتقاعدين الذين اقتربوا من الأربعة ملايين متقاعد.
وتسود قناعة واسعة لدى الحكومة وأعضاء مجلس النواب بوجود حاجة ملحّة لإعادة النظر بالقانون، بهدف وقف النزيف المستمر للخبرات والكفاءات في مؤسسات الدولة، وتعديل عدد من الفقرات في القانون بما يرفع الغبن عن كاهل عدد من الشرائح.
قانون مجحف
يقول العديد من المتقاعدين، ممن عينوا بعد سقوط النظام السابق في مؤسسات الدولة، إن “القانون كان مجحفاً بحقنا، ولم يراع مسألة أن تعييننا المتأخر في دوائر الدولة كان مرتبطاً بأسباب متعلقة بالنظام السابق، وهذا القرار حرم العديد منا من أي راتب تقاعدي، ولم نحظ بمعاملة عادلة من كاتبي هذا القانون الذين تجاهلوا الظلم الذي لحق بنا سابقا فأعادوا تكراره.”
واستغرب المتقاعد (علوان محسن) إصدار “هذا القانون الذي حوّل الكثير من المتقاعدين الى متسولين، ولم يمنحهم تقاعداً عادلاً بسبب عدم إكمالهم مدة خمس عشرة سنة في الوظيفة. وتساءل عن أسباب تجاهل هذا القانون لأبناء المتقاعدين دون سن 18 عاماً او ممن يكملون دراستهم، فهل يوجد بلد لا يهتم بأطفاله وشبابه؟ وكيف يمكن لمتقاعد أن يعيل أطفالاً وشباباً براتب متدنٍ؟ وهل يتساوى المتقاعد الذي يعيل نفسه مع المتقاعد الذي يعيل أطفالاً وقاصرين عن العمل؟ أسئلة أوجهها الى من كتب هذا القانون الذي حافظ على حقوق الأجانب ولم يحفظ حق أبنائه ولا حق أطفال العراق.”
وبينما يمنح قانون التقاعد لمواطن في نفس مجال قرينه راتبا تقاعدياً عالياً، فإنه يحاسب الآخر عن سنوات الخدمة ولا يمنحه ما يحفظ كرامته ويسد متطلبات عيشه، مع أن الاثنين أفنيا عمريهما في خدمة البلد. وفي الواقع فإن المتقاعدين يواجهون، فضلاً عن هذا القانون، مؤسسة توصف بأنها واحدة من أسوأ المؤسسات بالدولة في طريقة تعاملها وابتزازها للمتقاعدين، وتأخير مستحقاتهم.
وقد انتقد النائب (معين الكاظمي) أداء هيئة التقاعد وطريقة تعاملها مع المتقاعدين، وتأخير مستحقاتهم المتراكمة، كما لفت الى “سوء التعامل مع السجناء السياسيين وبعض الشرائح الأخرى.” ودعا الكاظمي الى “رفع الرواتب التقاعدية لتحفظ كرامة المتقاعدين، مشيراً الى ضرورة رفع الحد الأدنى للرواتب الى اكثر من 500 ألف دينار.”
تخريب الجهاز الإداري
من جهتهم، حذر عدد من المسؤولين في الدولة من أن استمرار تطبيق هذا القانون سيلحق ضرراً بالغاً بالدولة، ويؤدي الى إفراغ جهازها الحكومي من الكفاءات والخبرات العالية.
إذ قال الدكتور (هيثم السعدي)، مدير الإسعاف الفوري في دائرة الخدمات الصحية بوزارة الصحة، إن قسمه يعاني نقصاً فادحاً في عدد المسعفين المحترفين بسبب تقاعد غالبيتهم. مشيراً الى أن المسعف يحتاج الى خبرات تراكمية ليؤدي مهامه.
وفي ذات السياق، كشف معاون مدير الطرق والجسور (ماهر وهيب) عن نقص كبير في الخبرات الفنية والإدارية في مؤسسات الدولة بعد أكثر من ثلاثة أعوام على تطبيق قانون التقاعد الموحد الذي أسهم في إفراغ هذه الدوائر من كفاءات لا يمكن تعويضها بوقت سريع.
فيما ذكرت عضو مجلس النواب (نورس العيسى) أن قانون التقاعد المعدل عام 2019 تسبب بما وصفته بتشريد الخبرات والكفاءات من دوائر الدولة، ودفع غالبيتهم الى العمل في دوائر القطاع الخاص. وأوضحت العيسى أن تعديل قانون التقاعد عام 2019 وخفض السن التقاعدية من 63 الى 60 عاماً لم يحقق أية جدوى أو مردود اقتصادي للدولة، بل كلف خزانتها أضعاف المبالغ التي كانت تدفع للمتقاعدين. وطالبت العيسى بـ “إعادة العمل بقانون التقاعد لسن 63 كعمر ثابت للتقاعد أسوة بغالبية الدول التي تعتمد هذا النظام الإداري”، مشيرة إلى أن “قانون التقاعد المعدل الذي شرع بظروف استثنائية لامتصاص غضب الاحتجاجات الجماهيرية عام 2019 تسبب في إفراغ غالبية مؤسسات الدولة من خبرات وكفاءات إدارية مهمة من الموظفين.”
ولفتت إلى أن “القانون المعدل دفع 75% من المتقاعدين ضمن القانون المعدل إلى العمل في دوائر القطاع الخاص لاستثمار خبراتهم في تأمين المتطلبات المعيشية الجسيمة”، مؤكدة “فشل القانون الجديد بتعويض المتقاعدين بموظفين جدد من فئات الخريجين بسبب المشكلات والإجراءات المالية والأزمات المستمرة في البلاد.”
من جهتها، أكدت النائبة عن دولة القانون عالية نصيف أن قانون التقاعد الجديد لم يدرس بشكل جيد، لافتة إلى أن مجلس النواب يناقش التعديل والتريث في تطبيقه. وقالت نصيف لـ (واع): إن “تشريع قانون التقاعد الجديد متخبط وغير مدروس كونه شُرع وسط ظروف سياسية مضطربة”، مشيرة إلى أن “النقاشات جارية بشأن ضرورة تعديل القانون والتريث في تطبيقه، ولاسيما أن تطبيقه يعني إفراغ الدولة من الجهاز الإداري الكفء.”
وأوضحت أن “وزارة التخطيط هي من تحدد حاجة الدولة للتعيينات الجديدة ،ولا بد من تحقيق الاستفادة الحقيقية للوزارات”، مبينة أن “التعيينات حسب الحاجة باتت أمراً غير معمول به في الوقت الحالي، ما تسبب بإرهاق الموازنة في سد رواتب تلك التعيينات.”
ودعت نصيف رئيس الوزراء المكلف الى أهمية إعادة بناء وترميم البنية البشرية للمؤسسات ووزارة الدولة وفتح الاستثمارات.
وحصلت (واع)، في وقت سابق، على كتاب صادر من ديوان الرقابة المالية الاتحادي موجه إلى رئيس مجلس النواب، حذر الديوان فيه من تعرضه إلى إفراغ واختلال في ملاكه المتقدم إثر التعديل الجديد لقانون التقاعد، مشيراً إلى أن الديوان لم يتعرض إلى مثل هذه الحالة منذ تأسيسه عام 1927.
وأشارت الوثيقة إلى أن الكتاب المذكور آنفاً ، صادر بتاريخ 11 كانون الأول 2019، مع نسخ منه إلى مكتب رئيس الجمهورية ومجلس القضاء الأعلى ورئاسة الادعاء العام.
حلول جذرية
الى ذلك، دعا الاقتصادي (خالد العضاض) الى البحث عن حلول جذرية لأزمة البطالة في البلاد، مشيراً الى أن الاعتماد على حل ترقيعي لإيجاد وظائف في الدولة لكل العاطلين هو حل غير منطقي ولا يمكن القبول به.
وأشار الى أن “القانون أظهر أن هذه الدوائر المتخمة بالموظفين، هي في الواقع متخمة بتخصصات لا تقدم عملاً مهماً، وهم في الغالب يعملون في اختصاصات لا تحتاج إليها مؤسساتهم، إذ ظهر أن هذه الاعداد غير قادرة على ملء الفراغ الذي تركه تقاعد أعداد كبيرة من المختصين والفاعلين في العمل.”
وأكد أن غالبية المؤسسات المهمة تعاني نقصاً كبيراً في التخصصات الفنية، بعد أن تسبب قانون التقاعد الموحد بإفراغ هذه المؤسسات من خبراتها، مشيراً الى أن القانون يعاني خللاً واضحاً، ويمارس ظلماً بحق شرائح واسعة لم يأخذها مشرعو القانون بنظر الاعتبار.