التوهم بالمرض.. اضطراب جسدي وإحباط نفسي

953

وليد خالد الزيدي /

لا تكاد تخلو عيادة طبيب من مراجعة أشخاص يشكون أمراضاً غير موجودة, في الواقع, بيد أن مثل تلك الحالات انتشرت بشكل واسع وأصبحت تؤرق كثيراً من الأطباء في عياداتهم, فضلاً عن الوحدات الطبية في المستشفيات الحكومية, حيث يشكو بعض المراجعين من أعراض في أبدانهم وآلام بسيطة يأخذون بتأويلها على أنها تمهد إلى آلام أخطر بل يجتهدون بتسميتها أيضاً ويعتبرونها علامات بدائية لإصابات خطيرة كأمراض القلب أو التدرن أو السكري أو الإصابة بالسرطان, الأمر الذي يشكل هاجساً مخيفاً لهم ولذويهم أيضاً.
كشف مجاني ووصفة وهمية
تقول أم رامي (42 عاماً) من بعقوبة: عمتي أم زوجي في عقدها السبعين كانت في منطقة نائية بأطراف المدينة, أما حالياً فهي تعيش معنا في البيت منذ ستة أعوام, تشكو بين حين وآخر من تحسس في الجلد وتدّعي بأن جلدها ممزق رغم عدم وجود علامات لذلك, ما جعلنا نضطر لمراجعة طبيب جلدية وحين الكشف عليها وإخضاعها لتحليلات مختبرية, تبين أنها سليمة وخالية من أية إصابة جلدية أو حساسية. وأضافت أم رامي: عمتي كانت تشكو قبل مجيئها لنا من وجود حشرات قارصة كالبعوض والبق في المنزل التي كانت تسكنه, أما حالياً فهي في بيئة صحية ومكان نظيف, وبرغم الفترة الطويلة معنا, ما زالت تعتقد أن الحشرات بقيت تدب على جسدها وهي تحرك يديها يميناً وشمالاً وتمسك المناديل الورقية لتمسح بها أطرافها متوهمة أنها تزيحها عن جلدها, وتطالبنا بين فترة وأخرى بعرضها على الطبيب المختص ونحن نفعل ذلك, حتى تفهّم الطبيب حالتها وتعاطف معنا وأخذ يفحصها مجاناً, ويكتب لها وصفة غير حقيقية لمجرد إرضائها وطمأنتها.
الفحص الشعاعي يبرهن سلامته
يقول علي حامد (36 عاماً) من حي الشعب: يشكو والدي بين فترة وأخرى آلاماً في صدره ويكثر من السعال على مدار اليوم, لكننا لا نرى وجود عوارض مرضيّة عليه, فهو يمارس نشاطه اليومي بشكل اعتيادي, كالحركة والمشي, فضلا عن تناوله وجبات الطعام بشكل منتظم, وتكررت شكواه حتى اخذ يستيقظ في ساعات الليل المتأخرة, وهو يشكو من ضيق التنفس, ويقول تلك نهاية حياتي, ما اضطرني إلى عرضه على طبيب اختصاص أمراض صدرية, وكشف عليه بشكل أولي وأخبره بعدم وجود أي مرض لديه, فطلبت منه التأكد من حالته بواسطة الفحص الشعاعي, وفعل ذلك وتبين انه خال من أية إصابة مرضية سوى انه يعاني من حالة قلق تنتابه بين فترة وأخرى. وأضاف أن الطبيب نصحنا بالكف عن مراجعة الأطباء لفحصه, بينما أخبرنا أحد أقاربنا إثناء زيارته لنا أن الوالد يخشى المرض ودائما ما يفكر في الأمراض المستعصية التي تصيب كبار السن, لاسيما وانه كان يحرص على زيارة المرضى من أقارب وأصدقاء أثناء رقودهم في المستشفيات أو في منازلهم, ويتأثر نفسياً بهم.
مسكِّنات لأمراض في الخيال
زيدان خلف (45 عاماً) من حي الخليج في بغداد الجديدة يقول: لدي صديق دائما ما يشكو من آلام في بطنه ويراجع أطباء قسم منهم يؤكد له سلامته الصحية وعدم وجود حاجة لمراجعتهم, بينما يصف القسم الآخر علاجاً له على شكل منشطات أو مسكنات للآلام برغم إن حالته لا تستوجب ذلك.
وأضاف: أنا مع مجموعة من الأصدقاء دائماً ما ننصحه بعدم مراجعة الطبيب لكوننا نعلم انه ليس مريضاً إنما متمارض, فكل ملامحه الجسدية لا توحي بأنه مريض، وذات مرة عرضنا الأدوية التي توصف له على احد الصيادلة, فأكد على إنها ليست علاجية إنما مقويات عامة أو مسكنات للآلام, مع ذلك لا يقتنع بما نقول له ولا يأخذ بنصائحنا, لكن العتب على الأطباء الذين يصفون له الدواء وهم يعرفون بأنه ليس مريضاً.
قلع وتحشيه لأسنان سليمة
يشير المواطن أحمد عبد الواحد، من محافظة واسط، إلى أن أحد أشقائه كان يدّعي أن هناك آلاماً في أسنانه وكان كثير المراجعة للأطباء الاختصاص لإيقاف هذا الألم, يقول عبد الواحد: حينما انظر إلى داخل فم أخي وأسنانه لا أرى سبباً للألم ولا حاجة لمراجعة طبيب, اذ لا وجود لحالة تسوس أو تآكل أو نخر في أسنانه, غير أن أحد الأطباء ادعى له بأن بعض أسنانه بحاجة إلى تحشية وبعضها بحاجة إلى قلع, مضيفاً: عند مراجعة طبيب متخصص آخر اتضح أنها سليمة وأن ما يعانيه من آلام هي جراء التهاب بسيط في اللثة, وليس في الأسنان بسبب تناوله وجبة ساخنة او تحتوي على عظام كالسمك وما يسبب بجرح او تقرح في الفم, فيشعر بآلام في اللثة, وهي بسيطة جدا وغير مؤثرة لا تستوجب مراجعة طبيب.
الشباب أكثر المتمارضين
الطبيب الجراح الدكتور فراس مجيد اللامي – الاختصاصي في الجراحة العامة يقول: كثير من حالات التمارض تعرض علينا في العيادة، فلا يكاد يمر أسبوع من دون مراجع متمارض من كلا الجنسين, يشكو آلاماً ولا يكون مريضاً أو مصاباً بحالة غير صحية, نسعى إلى إقناعه بأنه ليس مريضاً من دون جدوى وقسم قليل منهم يقتنع بشق الأنفس. ويضيف: معظم هؤلاء هم من الشباب وأسباب الظاهرة كثيرة منها الفراغ النفسي اذ يسعى بعضهم لإظهار نفسه كمريض ليجلب انتباه الأهل وأفراد المجتمع ومنهم من يشعر بنقص الحنان أو العاطفة أو قلة اهتمام أقربائه به, كذلك انعدام فرص العمل والاستخدام غير السليم لوسائل التواصل الاجتماعي, أما بالنسبة للنساء فأكثر أسبابها العلاقات الزوجية المعقدة وضغوطات الحياة والطلاق حيث تعاني المطلقة من حالات نفسية ومشاكل اجتماعية تؤولها الى حالات مرضية غير واقعية, ويشعر بعض الرجال بإجهاد أو تعب فيعتبر نفسه مريضاً, مشدداً على ضرورة معالجة هذه الحالات بالاستخدام الأمثل لمواقع الإنترنت والفيسبوك التي تضخم بعض الظواهر وتهولها ما يصعب على بعض الشباب تحملها فيصابون بحالات قلق وأرق وهواجس ومخاوف كثيرة.