الجفاف يهدد دجلة والفرات والتصحُّر يقضم سلّة الغذاء

361

ريا عاصي /

بحسب تقرير (خطة التنمية الوطنية العراقية الصادر في عام 2018 للفترة من عام 2018 إلى 2022)، كان يُفترض أن يبلغ معدل استهلاك الفرد العراقي من المياه الصالحة للشرب في اليوم الواحد 450 لتراً في اليوم، لكن التقديرات تشير الى أن النصيب الفعلي اليوم يبلغ 397 لتراً في اليوم بفارق 53 لتراً أقل من المخطط.
تصبح هذه المعدلات العالية من الاحتياج الى الماء أزمة حقيقية تستلزم جهوداً حثيثة وفعلية، ليس من الحكومات فحسب، بل من المواطن الذي ينبغي أن يدرك أهمية وفاعلية دوره في الحفاظ على المياه لإعادة الحياة إلى دجلة والفرات.
نحتاج لـ (غريتا تونبرغ) عراقية!
يشرح الناشط البيئي (أحمد صالح نعمة) تقارير اللجنة الدولية للمناخ البيئي الأخيرة، التي تحذر من أن العراق مقبل على كارثة بيئية حقيقية، فتوقعات الخبراء تقول إنه “في عام 2045 سيجف نهرا دجلة والفرات، ما يعني العطش والانهيار الاقتصادي لأننا مقبلون على جفاف الأراضي وانعدام الزراعة وانقراض الثروة السمكية والمحاصيل الزراعية، وزيادة مساحات الأراضي المتصحّرة بفعل شح المياه.”
ولفت نعمة الى الخطر الذي يهدد الأهوار المعرضة مرة ثانية للجفاف، ونحن قد شهدنا كيف هجرها سكانها بسبب الجفاف وكيف هلكت قرى كاملة تعتاش على الهور وزراعة الحبوب ورعي الجاموس وصيد الأسماك.
ويعتقد نعمة أن عدم اهتمام الحكومات المتعاقبة بالمشكلة الكبيرة التي تواجهنا وعدم إلمام الناس بالمعرفة وإدراك قيمة الأنهار والثروات المائية يجعلنا بحاجة ماسة إلى شخص كـ (غريتا تونبرغ)، هذه الطفلة التي وقفت أمام العالم والسياسيين لتسلط الضوء على حجم الكوارث البيئية التي يقدم عليها العالم بعدم اهتمامه بالعلم، نحن نحتاج وقفة كبيرة أمام أنفسنا: ماذا فعلنا ليهرب دجلة من بين مدننا؟
تغيّر المناخ
يؤكد الخبير العراقي في شؤون المياه (الدكتور نظير الأنصاري) أستاذ هندسة الموارد المائية في إحدى الجامعات السويدية: “أن العراق من أكبر الدول المتضررة من ارتفاع درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعد الكويت وقبل السعودية والسودان وتسع عشرة دولة أخرى، سيؤدي ارتفاع درجات حرارتها الى شحة كبيرة في المياه الصالحة للشرب والسقي.”
وأضاف في دراسة نشرها مؤخراً: “كان الخزين المائي في العراق في عام 2013 يبلغ 157 مليار متر مكعب، في حين أن الخزين المائي عام 2015 انخفض الى 50 مليار متر مكعب، كما أن القطاع الزراعي انخفض ناتجه المحلي من 4.2% عام 2013 الى 3.1 في عام 2016، ولم تستفد السلطات والمزارعين من ارتفاع مناسيب المياه في عامي 2017 و2018 التي أهدرت بذهابها الى شط العرب دون الحفاظ عليها لأن الأنهار لم تُكرَ ولم تجهز.”
وأضاف: “سيكون هناك انخفاض مستمر في هطول الأمطار وزيادة في درجات الحرارة، وسيؤدي الأمران إلى انخفاض السعة التخزينية للخزانات الإنتاجية والزراعية، كما ستستنزف موارد المياه الجوفية بسبب قلة إمدادات المياه.”
السدود هي السبب
أما خبير المياه والسدود والري (سعد السام) فيعزو نقص المياه إلى كثرة إنشاء السدود وعدم اتخاذ الإجراءات الصحيحة في تصريف مياه السدود، يقول: “المصدر الوحيد للمياه العذبة هو المطر، وفي المناطق المرتفعة والباردة يسقط على شكل ثلج، الساقط المطري على الأرض العراقية لا يكفي كي تجري أنهار على ارض العراق. النهر الوحيد الذي ينبع من أرض العراق هو نهر العظيم وهو يسيل في موسم الأمطار فقط. أما الخابور فإن 58% من مياهه تأتي من خارج العراق وكذلك 42% من مياه الزاب الكبير، و36% من مياه الزاب الصغير، و59% من مياه نهر ديالى، أما الفرات وعمود دجلة الرئيس فمياههما تأتي من تركيا بنسبة 100%. وبذلك تكون مصادر المياه في العراق على النحو الآتي: 56% من تركيا، و12% من إيران، و32% من الأراضي العراقية.”
وأضاف السام “ما فات السادة المسؤولين أن المياه التي تصل إلى العراق اليوم من تركيا ومن إيران مسيطر عليها بالكامل بواسطة السدود، وكما قلت فإن مياه عمود دجلة والفرات كلها من تركيا ومعنى ذلك أنْ لا وجود لتأثير التغيرات المناخية على نقص مياه الأنهر الحاصل هذه الأيام أي أن النقص سببه حجب المياه بالسدود.”
ويكمل أن “نقص المياه الذي حصل في هذه الأيام لم يتم تجنَّبه بسبب تفريغ الاحتياطي الستراتيجي البالغ 54 مليار متر مكعب الذي هو بحدود خمسة أضعاف خزين سد اليسو والبالغ 11 مليار متر مكعب في حال ملئ كلياً بعد عامين.”
وأشار الى أن “السلطة نصحت الناس بتخزين المياه في خزانات المنازل، ولنحسب مع بعضنا البعض كيف كان بالإمكان الاستفادة من الاحتياطي الستراتيجي البالغ 54 مليار متر مكعب الذي تم تفريغه من سد الموصل وسد حديثة وبحيرة الثرثار وعلى طريقة تقسيمه الى خزانات في كل بيت عراقي كي تكون الصورة واضحة للجميع.
عدد سكان العراق في الشتاء عندما تم التفريغ هو 39 مليون إنسان ومعدل أفراد الأسرة العراقية هو 5.7 إنسان، فلو قسمنا عدد السكان على معدل الأسرة يكون الناتج 6842105 بيت، ولو قسمنا المياه التي جرى تفريغها على عدد البيوت فسيكون الناتج 7892 متراً مكعباً لكل بيت عراقي.”
عند سفح دجلة
وبينما تزداد مساحة الجفاف في نهر دجلة يقف صيادو الأسماك على سفح النهر في حيرة وهم يبحثون عن رزرقهم فيرمون شباكهم لعلها تأتي بصيد يكفي لسد متطلبات عائلاتهم، يقول الصيادون إن كثيراً من أقرانهم هجروا مهنة الصيد في دجلة وباتوا يعملون في مهن أخرى.
يقول أحدهم وهو يرمي ببصره الى أفق النهر الذي يشكو العطش: سأبحث أيضاً عن مصدر رزق آخر فأنا من عائلة عاشت على النهر، والدي سمّاك يبيع السمك في الشواكة وإخوتي يصطادونه وأمي وأخواتي يمتهنَّ صناعة الشباك وإصلاحها، النهر والماء مصدرا معيشتنا وها هو الماء يشح والنهر يجف.