الجمعيةُ الوطنية لرعايةِ المكفوفين.. نورٌ ممهدٌ في طريق الظلام

1٬341

ذوالفقار يوسف /

تمنع أغلب المتاحف العالمية زائريها من لمس اللوحات العالمية، إلا أن متحف “برادو” في مدريد، أجاز لضعاف البصر والمكفوفين لمس أشهر وأغلى اللوحات في أحد المعارض التي أقيمت هناك، حيث ضمّ أفضل ست لوحات عالمية، شكلت بطبع نسخ ثلاثية الأبعاد عن اللوحات الأصل الموجودة في المتحف، وكل ذلك كان هدفه إعطاء الفرصة للمكفوفين للإحساس وتكوين صورة في خيالهم من خلال حاسة اللمس.
إلا أننا في العراق بات ذوو الإعاقة من المكفوفين وضعاف البصر من أكثر الفئات البشرية المعرّضة لخطر الهلاك، بسبب الإهمال من قبل الجهات المعنية التي من واجبها رعاية هذه الشريحة، ومثل القائمين على المتحف هناك عدة دول ابتكرت أنظمة إلكترونية، ونظارات تساعد عديمي البصر على عيش حياة خالية من المخاطر، وتسهل لهم ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وتجعلهم يندمجون بالمجتمع لأنهم فاقدو بصر وليسوا فاقدي بصيرة.
لؤي وهيلين كيلر
من الشخصيات العبقرية الفذّة الإنجليزية هيلين كيلر 1880 – 1968 التي ولدت صماء وكفيفة وهي تعد بالفعل أحد الرموز المهمة للإرادة الإنسانية، فقد حصلت على دكتوراه في العلوم ودكتوراه في الفلسفة، وعلى غرار هذه الشخصية قامت مجموعة من الأكاديميين والتدريسيين من فاقدي وضعيفي البصر، بإنشاء جمعية تعنى بشريحة المكفوفين في العراق، تقوم بتعليمهم وتوجيههم وتسهيل حياتهم، واندماجهم بالمجتمع. وبسبب حروب النظام البائد، زادت هذه الانتكاسات من هموم المكفوفين، وانتهاء آمالهم برؤية خيط أمل لمستقبل غير مظلم، وهذه الآمال أضحت مهملة من قبل الحكومات المتعاقبة التي غضّت النظر عن الاهتمام بهذه الفئة التي هي أكثر فئة تحتاج الى الرعاية والاهتمام.
الأستاذ (لؤي السعداوي) المسؤول الإعلامي للجمعية الوطنية لرعاية المكفوفين في العراق التي تأسست عام 1987، وأحد أعضاء الهيئة التدريسية فيها التي يترأسها الأستاذ جمعة طاهر الكناني، أكد لنا أن المكفوفين هم اكثر الفئات التي تواجه خطورة الهلاك كل يوم، حيث يقول: “كانت جمعيتنا سابقاً تحت رعاية الدولة، حيث كان لنا مقر خاص في بغداد وهو منحة من الدولة لهذه الجمعية، بعدها تم تحويل مكان الجمعية من قبل الدولة بسبب أن المكان كان تابعاً لإحدى العوائل الكردية المهجرة، ومن عام 2005 الى اليوم نسكن إحدى الشقق المؤجرة المتهالكة في منطقة باب المعظم.”
وعودٌ مؤجلة
تضم الجمعية سبعة تدريسيين يقومون بإدراة الجمعية مادياً ومعنوياً، حيث انعدم دعم الدولة لهذه الجمعية التي اعتدمت كلياً على تبرعات أفرادها، او من قبل بعض المتبرعين الخارجيين، حيث كانت هناك تبرعات من قبل وزارة الأوقاف، قبل أن تنقسم الى قسمين، وهناك بعض المؤسسات التي تكون وساطة بين الجمعية وبين المتبرعين، أما بدل إيجار مقر الجمعية فنقوم بجمعه من قبل الكادر التدريسي المتمثل بأعضاء الهيئة الإدارية للجمعية، وهناك بعض العروض من قبل بعض المرشحين لدعم الجمعية إلا أنها جاءت ضمن خطة انتخاب هذا المرشح، إلا أننا قابلناها بالرفض، لكون التبرع جاء على شكل مصالح، وليس من أجل رعاية المكفوفين فقط، أما السفرات التي نقوم بها وكان آخرها السفر الى دولة تركيا فقد كانت ممولة من قبل الدولة المنظمة للندوات والمهرجات التي تختص برعاية المكفوفين، وحتى لا نظلم حق أحداً، فإن هناك قانوناً ينص على أن تكون هناك خصومات من قبل الخطوط الجوية العراقية للمكفوفين المتمثلة بخصم 50% من رسوم السفر، وباقي المبلغ نقوم بتحمله كهيئة ادارية.
يضيف السعداوي “أن هناك دعماً حكومياً في جانب إكمال الدراسة، فقد تم الحصول على استثناء للمكفوفين من قبل وزارة التعليم العالي، وعدم الاشتراط على ذوي المعدلات التي لا تتماشى مع قوانين الكليات، حيث يتم قبولهم في كليات الشريعة والعلوم الإسلامية وأقسامها، وبالتحديد اثنا عشر مقعداً مهيئاً للمكفوفين وذوي الاعاقة، وكل ذلك بوساطة الجمعية، حتى الكليات الأخرى كانت تضم عدداً من الطلبة المكفوفين، إلا أنها في الآونة الأخيرة قد رفضت تواجدهم ضمن طلبتها لأسباب غير معروفة، هناك بعض الوعود من قبل النواب في مساعدة الجمعية، وما نتمناه أن لاتكون وعوداً مؤجلة للمواطن الكفيف.”
جمعيات ولكن!!
صار أغلب المهتمين في إنشاء جمعيات او منظمات مجتمع مدني في الآونة الاخيرة وبسبب القرار الحكومي بهذا الخصوص، حيث تتكون هذه المنظمات غير الحكومية من مجموعة من الأشخاص الطبيعية اوالمعنوية سجلت واكتسبت الشخصية المعنوية وفقا لأحكام هذا القانون، تسعى لتحقيق أغراض غير ربحية، إلا أن بعض الجمعيات والمنظمات باتت تهدف الى الربح المادي فقط من خلال استغلالهم شريحة معينة من شرائح الشعب، ومن ضمنهم ذوو الإعاقة كالمكفوفين وضعيفي البصر، فصارت تمتهن التلاعب بهم بواسطة مبالغ رمزية بسيطة وبالتالي تكون هي الرابحة من التبرعات او الدعم.
الأستاذ لؤي الذي مازال يعمل كمعاون لمدرسة متوسطة طلاب مبصرين يوضح لنا “ان هناك العديد من المؤسسات التي تفننت في الكسب غير المشروع بواسطة هذه الفئة إلا أننا كجمعية تعنى برعاية المكفوفين فقط، خالية من رسوم التسجيل ومتعاونة تماماً على قدر امكانياتها المحدودة مع هذه الشريحة، ولكوننا نحن ايضاً كأعضاء هيئة ادارية منا من هو ضعيف البصر ومنا من فقد البصر تماماً، نشعر بما يشعر به المكفوفون ومعاناتهم وخصوصاً في بلد قد انعدمت فيه كل مظاهر الإنسانية والرحمة، ودامت فيه العناية شبه معدومة من قبل الدولة.”
متقاعدون في الخدمة
أقامت الجمعية عدة ندوات تثقيفية ومهرجانات أغلبها يهتم بالتنمية وتوجيه المكفوفين، ودورات تعليمية لإدماج المكفوف مع المجتمع، وايضاً دورات لتعليم السير والحركة الإرشادية، ودورات بواسطة برامج الهاتف الجوال في الكتابة بواسطة البرامج الصوتية، ودورات برايل لتعليم القراءة، بواسطة لمس كتب طبعت بشكل يستطيع من خلالها المكفوف لمس الكتابة والإحساس بها وقراءتها، حيث يشرف كافة الأساتذة على هذه الدورات بالمجان، أما ورشات العمل فهناك ورشة عمل عن الدمج المجتمعي، وايضاً إقامة عدة ندوات من أهمها دعم المرأة الكفيفة التي أقيمت في دولة قطر، وهناك عدة بحوث بهذا الخصوص، أما المؤتمر الذي أقيم في تركيا المتمثل عن هاميروس، فقد كانت الجمعية هي الوفد العربي الوحيد الذي كان هناك.
أما المسرحيات الجادة، كما يقول الأستاذ لؤي، فقد كانت هناك ثلاث مسرحيات جادة إلا أن العراقيل التي واجهتنا بسبب انعدام الدعم كانت السبب في توقف العمل.
يضيف السعداوي “أن أعضاء الهيئة التدريسية من المدرسين المتقاعدين الذي تفرغوا تماماً لخدمة الجمعية ومرتاديها من المكفوفين، أما فروع الجمعية فبعدما كان هناك فرع للجمعية في كل محافظة، لكن بعد عام 2003 ماتبقى هو فرق محافظة الناصرية وواسط وميسان.”
كانت أمنية الأستاذ لؤي السعداوي والهيئة الإدارية للجمعية هي الاهتمام بالمكفوفين ورعايتهم من قبل حكومتهم، من خلال توفير سكن ملائم لهم، وتخصيص مبالغ تكفيهم للعيش الكريم، وعلى الرغم من أن آمالهم برؤية النور كانت أكبر من آمالهم برؤية حكومة تحميهم من مطبات الدنيا، إلا أنها تبقى أمنيات مؤجلة ما زالوا ينتظرونها لغيرهم من المكفوفين.