الحملات الانتخابية.. عزائم وولائم وبينهما مهوال

1٬130

 ايفان حكمت -ريا عاصي/

احتدمت منافسات دعايات المرشحين للانتخابات البرلمانية المزمع اجراؤها في الثاني عشر من أيار المقبل. ومثل الدورات الانتخابية السابقة، سخرت للدعاية الانتخابية في هذه الدورة أموال كبيرة وبسخاء لطباعة أكبر عدد ممكن من الملصقات والقطع الدعائية المرفقة بشعارات ولغة تكررت كثيرا أمام أنظارنا ووعود انهكت مسامعنا.

وزرعت تلك الدعايات في كل مكان وبشكل عشوائي لتغطي مساحات كبيرة من الأبنية والجزرات الوسطية وجدران المدن أجمع، دون أي حساب لجمالية المدينة وشوارعها.

ومثل كل الانتخابات الماضية أيضا، تفنن بعض المرشحين بـ (رشوة) الناخبين سواء عبر الولائم العامرة أو تقديم الهدايا العينية، وغيرها الكثير، لكن الظاهرة التي طغت خلال هذا الموسم الانتخابي هي فرش الشوارع غير المعبدة بمادة السبيس، على حساب المرشح!.

عزائم وولائم وما بينهما…مهوال

بعض المرشحين للانتخابات يدفع مبالغ مالية لبعض شيوخ العشائر من أجل إقامة السرادقات ودعوة أبناء عشائرهم على مآدب باذخة تذبح فيها الأغنام والأبقار، من أجل الاستماع الى المرشح واستمالة الناخبين والاستحواذ على أصواتهم في صناديق الاقتراع. وشهد المارثون الدعائي للانتخابات المقبلة زيادة واضحة في منسوب طقوس تلك المآدب، حيث المغالاة في إحضار أكثر من مهوال يتسابقون على مديح المرشح، وإسباغ الصفات عليه شعرا، يرافق هذا الطقس توزيع الاموال على المهوال من قبل الشيخ في ظاهرة تسيء الى العشيرة والى المرشح في آن واحد.

السبيس والمطر..وخداع الناخبين

ظاهرة السبيس كانت أكثر الظواهر حضورا في دعايات المرشحين ورِشاهم للناس. حيث عمد بعضهم الى إحضار السبيس وفرشه على الطرق غير المعبدة أو المتآكلة نتيجة غياب الصيانة، مستغلين ضعف أداء الأجهزة الخدمية وفي مقدمتها أمانة بغداد، ووزارة البلديات، وحاجة الناس الى طرق نظيفة معبدة للتنقل بمركباتهم وسيرهم الى أعمالهم.

والسبيس مادة هي خليط من الرمل والحصى والتراب، كما يصفها المهندس المدني مصطفى عباس في حديثه لـ”الشبكة”، مضيفا: انها تفرش في الشوارع قبل صب الإسفلت، ويؤكد عباس: ان ما يقوم به المرشحون من فرش هذه المادة في بعض المناطق هو للدعاية الانتخابية فقط، دون الالتفات الى المعايير العلمية التي تستوجب فحص التربة ومدى تماسكها ومن ثم حدلها قبل فرشها بمادة السبيس تمهيدا لصب الإسمنت بدرجة حرارة معينة تؤدي الى التماسك بين طبقات السبيس وطبقة الاسفلت. وتأكيدا لما قاله المهندس عباس، يقول فالح رسن وهو كاسب من منطقة المعامل في أطراف بغداد، ان المطر الذي هطل على بغداد في الايام الماضية فضح مرشحي السبيس، حيث جرفت سيول المطر البسيطة هذه المادة وتبين بشكل واضح انها غير قابلة للصمود في الشوارع إلا لأسابيع قليلة، وهي الفترة التي يحتاجها المرشح لخداع الناخبين.

لافتات الانتخابات حق مشروع و..لكن!!

(كرار علي) الثلاثيني صاحب محل لبيع زيوت السيارات وكمالياتها يرى ان من حق المرشحين طباعة وتوزيع الملصقات الخاصة بالدعاية لحملاتهم الانتخابية، ويقول “للشبكة” ان “من حق المرشحين توزيع بوستراتهم الاعلانية في مناطق بغداد وباقي المدن والمحافظات، اذ انه مشروع للبعض منهم كأي مشروع تجاري آخر، فنحن التجار نبذخ على الإعلانات للترويج عن منتجاتنا لأننا نعلم انها في النهاية ستعود علينا بأرباح إضافية، لكن كرار يستدرك بقوله: ان الجهات المعنية تستوفي منا سنويا مبالغ عن اللوحات التي تتصدر محالنا حسب المساحات، ولو استوفت ذات الجهات من المرشحين مبالغ بذات المعايير عن لافتاتهم الانتخابية، لتحصلت على مبالغ كبيرة تساعد كثيرا في تقديم الخدمات للمواطنين.

غابة من اللافتات..بدل الورود والنخيل

ومثل كل الحملات الانتخابية الماضية، تحولت شوارع المدن وساحاتها وأبنيتها الى غابة من اللافتات مختلفة الاحجام والألوان، تحمل صور وشعارات المرشحين وقوائمهم.

(ابو محمد)، في الخمسين من عمره، يسكن منطقة بسيطة في بغداد، يقول “للشبكة”: “احب ان اعتني بجمال جزرة وسطية بسيطة أمام منزلي، منذ سنوات وانا اشتري بعض الشتلات والورود كل موسم، واتابعها واسقيها بشكل دائم”، ويضيف، “لا اعتقد اني أخالف اي قانون لأمانة بغداد او أية جهة أخرى لأني لم استغل هذه المساحة في شيء شخصي لي ولم أبنِ عليها أية منشآت، كنت اعتني بجمالها وازرعها ورودا لتجمل الشارع ومنزلي”، ويؤكد ان “عددا من الرجال نزلوا من سيارة حمل وانبتوا أعمدة حديدية متينة وسط هذه الجزرة الجميلة ودمروا الورود ثم الصقوا بوسترا لأحد المرشحين، وعند سؤالي بغضب وحزن شديدين على ما دمروا، أخبروني بلهجة حادة “ان الحملة الانتخابية قد بدأت”، ويختم ابو محمد بحزن “لم أعد أسقي تلك الجزرة من وقتها ولم أعد أجلس أمام منزلي لأتبادل الأحاديث مع جاري مستمتعين بمنظرها، لأن وجها لا أعرفه قد سكن محل الشجيرات الخضراء والورد”.

ويتمنى ابو محمد الذي يبكي زهوره ونباتاته التي دمرتها لافتة أحد المرشحين التي انتصبت مكانها، نشر إقتراحه باجبار المرشحين على زرع نخلة أو شجرة أو شتلة ورد مقابل كل لافتة انتخابية تنتصب في المدن العراقية.

مواسم القدّاح

زهور ابو محمد التي بكاها بحزن تحيلنا الى مواسم قدّاح العراق الذي خسر قدّاح حدائقه وقدّاح العوائل العراقية من الشهداء الذين هبّوا لتلبية نداء العلم وحماية الوطن من غدر داعش، فازدانت شوارع بغداد بصور شهداء خسرناهم إما في معركة ضد تنظيم داعش الارهابي أو في تفجير دامٍ داخل شوارع الحبيبة بغداد. لكن صورا أخرى بدأت تتصدر المشهد، صور شوهت المنظر العام وأعاقت عمل تقديم الخدمات وحركة المرور والسابلة.

صور المرشحين وحوادث طرق

ليلة الثاني عشر من نيسان، كانت الأشد فرحا للمرشحين الذين صار من حقهم اعلان ارقام قوائهم وتسلسلهم ضمن هذه القوائم الانتخابية. شهدت بغداد ليلتها وعند تمام الساعة الحادية عشرة والنصف قبل منتصف الليل موجة صاخبة من سيارات حمل تجوب شوارع بغداد وهي تحمل لافتات ومولدات طاقة كهربائية ومنشاراً حديدياً وحداداً، وترافق سيارة الحمولة هذه بعض السيارات من ذوات الدفع الرباعي التي يترجل منها المرشحون والداعمون لهم ليشهدوا تعليق أول الصور وتثبيتها على جزرات وارصفة بغداد وبعضهم راح بعيدا فقام بتصويرها فيديويا وتم توزيع الحلوى على المارة ..

صبيحة بغداد يوم 12 نيسان كانت مزدحمة بالصور والحوادث المرورية التي حدثت عند تقاطعات بغداد المزدحمة، وعند الاستدارات لعدم وضوح الرؤيا بسبب كبر حجم اللافتات وعدم تنظيمها، ما اثار موجة غضب سريعة في الشارع العراقي استهجنت تخريب شوارع بغداد التي للتو بدأت تلبس ثوب الربيع.

المواطن والمرشحون

احد العاملين في قاطع مرور الكرخ يصف لـ (الشبكة) وضع لافتات المرشحين الانتخابية بالقول: ان تثبيت صور المرشحين ولافتاتهم الانتخابية الكبيرة في الجزرات الوسطية وعند التقاطعات زاد من حوادث المرور بشكل ملحوظ لأنها تؤثر على رؤية السائق، كما ان سيارات الحمل التي تحمل تلك اللافتات وتحمل معها ايضا مولد الكهرباء وعامل النصب والحداد تعيق سير المرور، وان ليلة الثاني عشر من نيسان شهدت حوادث عديدة اثناء نصب اللافتات.

وحين سؤالنا عن دورهم في منع او إعاقة عمل المثبتين قال: لا يمكننا ايقافهم عن العمل، كل ما يمكننا فعله هو الإلحاح عليهم بالاسراع لانهم سيعتبرونك معيقا للعمل الوطني، واحزابهم ذات نفوذ في كل المناطق.

بدورها، أكدت المهندسة الزراعية شذى محمود التابعة لأمانة عاصمة بغداد قاطع المنصور: ان البلدية تقوم بزراعة الورود والشجيرات على الجزرات الوسطية وتصرف مبالغ لإدامتها، ولكن المرشحين والعاملين على تثبيت لافتاتهم لا يعيرون انتباها ويقومون بدعس المزروعات وتقليب التربة دون الرجوع الينا ونحن بدورنا نلتقط الصور ونسلمها للأمانة عسى ان ينالوا جزاءهم بمخالفاتهم هذه.

الطريف ان احد بائعي الماء البارد الذي صادفناه عند احد تقاطعات منطقة الصالحية كان له رأي آخر مختلف تماما عما سمعناه، فهو يصف هذه اللافتات بالمفيدة جدا لانها حسب رأيه توفر له ملاذا يقيه من اشعة الشمس الحارقة، وظلالا يلوذ بها في فترة الاستراحة من عمله.

شائعة تمزيق الصور

انتشرت شائعة في بغداد بين الأهالي تفيد (بأن سيارات تجوب شوارع بغداد وتمزق صورا للمرشحين الذين اعلنوا عنها قبل بدء الحملة بيومين، ما اثار الشكوك حول امانة بغداد والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات.)

وحين سؤالنا للمتحدث الرسمي لأمانة العاصمة إن كانت الأمانة حقا من قامت بإزالة صور المرشحين للانتخابات قال:

“الإمانة وجهت كوادرها بالتقاط الصور للافتات المرشحين المتجاوزة على الجزرات الوسطية والأرصفة وبما يعرقل سير الناس عليها”. مضيفا: ان الأمانة وبالتعاون مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات اصدرت بيانا صحفيا بتاريخ يوم 17 نيسان 2018 دعت فيه الكيانات الى اتباع تعليماتها والالتزام بالضوابط المحددة للدعايات الانتخابية، محذرة في الوقت نفسه باتخاذ الاجراءات القانونية بحق المخالفين.

وللامانة رأي

امانة بغداد لم تكن غائبة، فهي التي حاولت جاهدة اعادة البسمة لبغداد، بشوارعها واحيائها بالرغم من عدم رضا المواطن بشكل تام، لكن وللحقيقة، فالعتب لا يقع على الأمانة وحدها، فالمواطن مساهم رئيس وفعال في غياب البسمة عن بغداد.

عن ذلك يقول المتحدث الرسمي للأمانة حكيم عبد الزهرة متحدثا لـ (الشبكة) عن التجاوزات الحاصلة من قبل المواطنين عموما وليس تجاوزات المرشحين فقط، انه ( منذ اذار 2017 تقوم امانة بغداد بالتعاون مع مديريات الحراسات والأمن وبالتنسيق مع قيادة عمليات بغداد بازالة التجاوزات الحاصلة من قبل المواطنين والمحال التجارية على الأرصفة وطرق المارة بعد القيام بتوجيه ثلاثة انذارات متتالية برفعها خلال ثلاثة اشهر وان لم يتم رفعها من قبلهم تقوم الامانة برفعها.) مؤكدا: ان حملات الأمانة هذه بازالة التجاوزات قد لاقت استهجان البعض، خاصة من اصحاب المحال المتجاوزين على الأرصفة ومقتربات الشوارع، لكن في المقابل فرح العديد من السكان بإعادة الأرصفة لهم وعدم اشغالها بشكل غير قانوني.

واضاف عبد الزهرة ان امانة بغداد مستمرة بتنفيذ توجيهات مجلس الوزراء بإزالة جميع التجاوزات في العاصمة بغداد التي شوهت المنظر العام وأعاقت عمل تقديم الخدمات وحركة المرور والسابلة، أيا كانت طبيعة تلك التجاوزات.

الفيسبوك وغضب الناس

اثارت موجة تثبيت اللوحات داخل شوارع واحياء بغداد موجة غضب من قبل متصفحي الفيسبوك واثارت لقطات لرفع صور الشهداء واستبدالها بصور المرشحين موجة غضب شديدة طالب فيها العديد من المعلقين بمقاطعة الانتخابات كون المرشح لم يقم باحترام مشاعر المواطنين.

وفي الجانب الاخر نشر أحد المحامين على صفحته في الفيسبوك تحذيرا من تخريب صور المتجاوزين من المرشحين باليد المجردة دون اللجوء للسلطات المحلية، كون القضاء العراقي يجرم من يعتدي على صور المرشحين بحسب المادة الخامسة من القسم الرابع لنظام الجرائم والعقوبات المتعلقة بالانتخابات والاستفتاءات رقم ١٤ لسنة ٢٠٠٨ تنص على:

5- يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن شهر ولاتزيد على سنة كل من تعمد الاعتداء علـى صور المرشحين أو برامجهم الملصقة في الأماكن المخصصة لها لحـساب آخر أو جهة معينة بقصد الاضرار بهذا المرشـح أو التـأثير علـى سـيرالعملية الانتخابية.

في نهاية تحقيقنا هذا بقي علينا القول: إن وعي المواطن وتنامي حس الانتماء لمدينته هما اللذان سيعيقان تخريب شوارعها، وعليه أن يحمي مدينته لا بإزالة ما يخرب وجهها بيده، بل بارشاد السلطات والتعاون معها مادام للسلطة موقف قانوني يمنع تخريب المدن وتضييق الخناق على المارة والمشاة في شوارع المدن. فالمرشح الذي يتيح لنفسه ان تكون لافتته الانتخابية تتسبب بالضرر للمواطن العراقي، أيا كان هذا الضرر، فهو بالتأكيد ليس أهلا لتمثيل هذا المواطن ..فالمواطنة حق وواجب.