الخرّاص في المبنى والمعنى !

167

“الخوالف” نماذج من تفكير وسلوك، ورد ذكرهم في القرآن الكريم، وهم قوم ذمّهم البارئ عزّ وجل، لأنهم اختاروا – عن قناعة ودراية – الكذب على أنفسهم، وعلى قبيلهم، وعلى جيرانهم، وعلى الذين يناصرونهم.

“حين تكون لك كلمة، واجه الدنيا بكلمتك”.
(خالد محمد خالد).

هم قوم يعرفون الحق لكنّهم يزلفون عن دربه، ويدركون مواضع الألم فيتجنّبون معالجته، ويعرفون الداء ويسكتون عن التصريح باسمه، إنّهم خرس حيال الحقيقة، لكنّهم يركبون داخل كل زورق ويجذّفون عن حافة كل مركب، ما دام هذا الركوب وذاك التجذيف، يعطيهم بعض مرامهم أو كله، وهو في الغالب سُحْت حرام زائل، وهم خرّاصون أيضاً، والعياذ بالله.
يقول غريب المتروك: عندما صدرت “الرواية” المعنونة: “زبيبة والملك” لمؤلفها الذي يعرفها نفسه، تبارى الخوالف والخرّاصون لمسرحتها أو لعب أدوار فيها، أو للكتابة في فرادتها وتفرداتها، وهؤلاء من “نخبة” الشعراء والنقاد والمسرحيين والموسيقيين والمصورين، وغيرهم (…).
ويقول المتروك: لن أذكر أسماءً، مخافة أن يشعر بالحرقة أولئك الذين لم يفدهم تدافعهم لنيل مرتبة الشرف في الانضمام إلى تلك الجوقة، التي أغدق عليها “صاحبها” مالاً وهبات وترقيات وظيفية (…).
ويقول راشد الواسطي: أعرف اثنين من النخبة المثقّفة في بلد عربي، رجلاً وامرأة، كان الرجل يكدح لكي يجد له ظلاً يقيه الزمهرير، وتأوي إليه زوجه وقت تعبها. أما الزوجه فكانت تلح عليه، وتقرص شحمتي أذنيه، او تقبل براطمه، أو تلسع باطن كفيه، وتقول: تحرك، يا “بوفلان” فالربع سبقونا، وحصلوا على ما حصلوا عليه، وأنت ساكت في زاويتك، تقرأ الشعر، وتنظم القريض، وتتحدث في مشكلات الوطن.
وتقول الزوج: ما فاز بالبيت والسيارة والسفرات والعطايا و المسدس، إلا الجسور، وما خاب إلا أمثالك الذين يهتمون بالأوطان ومصائر البلدان، وينسون الأطيان والرزق من الدولارات الحسان. وكان أن انضم الزوج المسكين، والزوجة الطموح، إلى نخبة الخوالف والخرّاصين، فاستبدلوا الشقة بفيلا كبيرة، وحصلوا على السيارة الحديثة بدلاً من تلك التي عاصرت فاقتهم وعوزهم.
وتراصف هؤلاء مع “خوالف” و “خرّاصي” المسرح والشعر والقصة والرواية والنقد والرسم والنحت والتصوير، فنسوا أن بلدانهم يحتلها أجنبي، أو يتحكّم في مصيرها غازٍ مستهتر، أو يسرق ثرواتها أولئك الذين نسوا الله، فأنساهم الله أنفسهم.
أما نحن البشر المظاليم، الذين صارت “النخبة” في المصطلح “نخبة، لأنَّها خانتنا وتاجرت بآلامنا، فسنظل نحدّق في وجوههم ليل نهار”، يقول المتروك.