الداخلية تتصدى لظاهرة التحرش وتطالب بالإبلاغ عن أية إساءة

815

إيفان حكمت/

رجال يسهرون كي ننام في بيوتنا آمنين، يضحّون بعطلهم وبساعات نومهم كي نمارس طقوسنا الدينية وأعيادنا ومناسباتنا الوطنية، كان لهم الدور العظيم بتحرير الأرض والعرض من دنس الإرهاب، قدموا الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على وحدة تراب الوطن، وكرامة المواطن.. نعم، إنهم رجال الداخلية بمختلف صنوفهم، من شرطة اتحادية أو حماية المنشآت، أو الدفاع المدني، أو المرور..

ولكن، للأسف هناك من يسيء لهذه الصورة ويخدش سمعة رجال الشرطة بتصرفات شخصية غير مسؤولة بل ومدانة، ونقصد بها التحرش بالنساء، في الشارع، متخذين من السلطة -الممنوحة لهم لحماية المواطن- ستاراً لهذه التصرفات المشينة.

هنا استطلاع يكشف لنا عن هذه الظاهرة التي أصبحت تقض مضاجع النساء وتشعرهن بالضيق والانزعاج، نضعها أمام المسؤولين في الوزارة.
شرطة متحرشون!

هدى، امرأة ثلاثينية تبوح لـ”الشبكة”، بحزن، “أقطع مشواري اليومي بين وظيفتي ومحل روضة ابنتي صباحاً من المنزل إلى المكانين المذكورين، وظهراً بعد انتهاء الدوام رجوعاً للمنزل، وأحياناً مشاوير متفرقة لغرض العمل أو ضرورة التسوق، بتّ لا أنجو أبداً من تحرش بعض رجال المرور أو الشرطة أو نقاط التفتيش بمختلف الأحاديث والكلمات والنظرات، الكارثة حين نعوّل نحن، كنساء، على منتسبي الشرطة لحمايتنا من تحرش سائقي التكسي أو بعض ضعاف النفوس من المارة أو أصحاب السيارات، نفاجأ بأن من يتحرش هو المكلّف بحمايتنا من هذه الحالات المريضة والشاذة.”

تضيف هدى “بت أمشي بسرعة وبقلق وتوجس, أحبس أنفاسي حين أمرّ في الشارع هروباً من التقاطعات والسيطرات أنا وابنتي، أحمل حقيبتينا، وأجري صوب السيارات لأوقف سيارة أجرة هرباً من فوضى نظراتهم وكلماتهم وأصواتهم التي تلسعني عبر أشعة الشمس القاسية”، لافتة إلى “أن هذه الحالات تشكل جهداً جسدياً ونفسياً عليّ أن اتحمله وأن أتأقلم معه لأضمن تعليم ابنتي ولا أخسر وظيفتي.”

حين يسيء الشرطيّ للشرطة

زينب، موظفة في إحدى الدوائر الحكومية في الـ25 من عمرها، تقول لـ”لشبكة” إن “عناصر الشرطة الذين يتحرشون بالنساء يسيئون للشرفاء والمضحين من رجال الداخلية، نحن النساء نعاني الأمرّين بسبب التحرش في الشوارع، واليوم لا نستطيع أن نشكو التحرش لعناصر الشرطة خشية أن يكون هذا العنصر متحرشاً آخر.”

وتضيف أن “أغلب السيطرات تتعمد تسهيل أمر السيارات التي تنقل النساء وتحول دون أن تمر للتفتيش بغية الحفاظ على خصوصية واحترام المرأة، وقد فهمت بأن هذا توجيه من أغلب مسؤولي الوزارة، إلا أن البعض يتعمد إيقاف السائقات ليسألها أسئلة غبية وبليدة لا تمتّ لأمن الوطن والمواطن بأي شيء، بل أن بعضهم يتحرش بشكل شبه علني”، موضحة أن “هذه الحالات تسيء للشرفاء، وما أكثرهم، من رجال الداخلية قبل غيرهم.”

ترك واجبه وانشغل بي!

وتقول نورس في حديثها للشبكة “بعد قضاء مشواري مع صديقتي أوصلتني إلى نقطة تقاطع معينة في أحد شوارع بغداد، وقفت انتظر مجيء سيارة أجرة، لأفاجأ بمشهد غريب وهو أن رجل المرور ترك مكان عمله وترك التقاطع بين مد وجزر بزحام السيارات وتعالي الأصوات ووقف أمامي مع رجل شرطة آخر ينظران اليّ ويتحدثان عني.”

نورس تضيف مستغربة “سألتهما إنْ كانت هنالك مشكلة في مكان وقوفي فأجاباني متخبطين في حديثهما، تعالت أصواتنا وأبيت التحرك من مكاني حتى حضور الضابط المسؤول عن هذه المنطقة لأقدم فيهما شكوى.”

وتذكر نورس ان “الضابط المسؤول حضر إلى الموقع خلال دقائق، وقد تحفظ فوراً على الشرطيين وطلب مني تقديم شكوى ضدهما، ولكنني اكتفيت بتأنيبهما”، لافتة إلى أن “الضابط ومن معه من عناصر قدموا لي الاعتذار عن تصرف الشرطيين المشين، على الرغم من عدم وجود أية إساءة من قبل الضابط والعناصر، بل أنهم كانوا بمنتهى الشهامة في التعامل معي، وكأني أخت لهم.”

رجال شرطة نبلاء

في حالة أخرى تؤكدها سمر “كنت أقود سيارتي ذاهبة لقضاء مشوار مهم جداً في منطقة الأعظمية ببغداد وتعطلت سيارتي عند إشارة المرور, فإذا برجل المرور النبيل وبشهامة منه يوقف السير بغية مساعدتي وأوصلني لأقرب موقف سيارات كي يصلحوا سيارتي.”
تضيف سمر “كنت قد شهدت موقفاً آخر في أحد الأيام حين كنت أقود سيارتي ووصلت إلى نقطة تفتيش في منطقة زيونة, فأوقف السير أحد عناصر الداخلية بغية إيصال امرأة كبيرة في السن إلى الجهة المقابلة الأخرى من الشارع, حاملاً لها حقيبتها وكيس تسوقها.”

الداخلية لهم بالمرصاد

الباحث العميد “خالد المحنّة” مدير الشرطة المجتمعية في حديث لـ”الشبكة” يذكر أن “الحالات السلبية الشاذة لا يمكن نكرانها، ونحن عادة ما ندفع بالمواطنين للإبلاغ عن أية إساءة يتعرضون لها من قبل بعض العناصر”، مؤكداً أنه ” تم طرد عناصر كثيرة بالفعل وإنهاء خدماتهم من جهاز الشرطة ممن تم التأكد من أفعالهم المسيئة بحق المواطن”، موضحاً أن “الوزارة تقوم دوماً بدورات مكثفة لمختلف أجهزتها لتوعية وتثقيف العناصر في التعامل مع المواطنين بالإضافة إلى دورات تختص بالتعريف عن حقوق الإنسان، إضافة لعمل الأجهزة الرقابية والمجتمعية بالتوعية والتثقيف باتجاه محاربة هذه القضايا الشاذة.”

يضيف العميد المحنّة أن “هذه الحالات الشاذة لا تلغي الدور الكبير لرجال الداخلية في حماية أمن الوطن والمواطن، فرجال الشرطة يتغيبون عن عوائلهم، يبيتون في الشوارع ويتحملون الحر القاسي والبرد اللاسع بغية حماية المواطن، يحمون البلد وأرضه ضدّ كل مغتصب ويقدمون تضحيات كبيرة بأرواحهم”، لافتاً إلى أن “الوزارة خصصت الرقم 130 للاتصال بشأن أية شكوى أو حالة طارئة”.