السيادة‭ ‬النقدية‭ ‬بين‭ ‬النظرية‭ ‬والتطبيق إدارة‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬لأزمة‭ ‬ازدواجية‭ ‬سعر‭ ‬الدينار‭ ‬مقابل‭ ‬الدولار‭ ‬

156

ضرغام‭ ‬محمد‭ ‬علي/

تشكل‭ ‬السياسة‭ ‬النقدية،‭ ‬ممثلة‭ ‬بالبنك‭ ‬المركزي‭ ‬العراقي،‭ ‬عنصر‭ ‬رسم‭ ‬المسار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬النقدي‭ ‬وعلاقته‭ ‬ببقية‭ ‬الفعاليات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬لمواجهة‭ ‬أزمة‭ ‬وجود‭ ‬السوق‭ ‬الموازي‭ ‬لسعر‭ ‬الصرف‭ ‬وضعف‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬إيقاعه،

إن‭ ‬تبني‭ ‬منصة‭ ‬الحوالات‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬حجمت‭ ‬الحوالات‭ ‬وأضعفت‭ ‬ميزان‭ ‬المدفوعات،‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭ ‬ازمة‭ ‬في‭ ‬المعروض‭ ‬النقدي‭ ‬الأجنبي‭ ‬في‭ ‬الحوالات‭ ‬النقدية،‭ ‬وضعف‭ ‬المبيعات‭ ‬النقدية‭ ‬للدولار،‭ ‬دفع‭ ‬بالبنك‭ ‬المركزي‭ ‬الى‭ ‬اتخاذ‭ ‬سلسلة‭ ‬إجراءات‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الحكومة،‭ ‬وكانت‭ ‬الحلول‭ ‬متعددة‭.‬

حلول‭ ‬أمنية

تتمثل‭ ‬بضرب‭ ‬شبكات‭ ‬تهريب‭ ‬العملة‭ ‬الأجنبية‭ ‬والاتجار‭ ‬بها‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مشروع‭ ‬خارج‭ ‬الضوابط‭. ‬وقد‭ ‬أسهم‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬بخفض‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬سعر‭ ‬الصرف‭ ‬الرسمي‭ ‬والموازي‭ ‬لفترة‭ ‬وجيزة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬عادت‭ ‬للاتساع‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬هذه‭ ‬الحلول‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬التلاعب‭ ‬بالسوق‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الاستيراد‭ ‬بسبب‭ ‬ضعف‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭.‬

حلول‭ ‬إجرائية‭ ‬

عمل‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬نوافذ‭ ‬لبيع‭ ‬العملة‭ ‬الأجنبية‭ ‬للمسافرين‭ ‬بالسعر‭ ‬الرسمي،‭ ‬وبكميات‭ ‬محددة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬شبكات‭ ‬التجارة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬استطاعت‭ ‬الهيمنة‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استغلال‭ ‬صور‭ ‬جوازات‭ ‬المواطنين،‭ ‬دون‭ ‬علمهم‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مشروع‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬حصصهم‭ ‬بانتظام،‭ ‬بتواطؤ‭ ‬بعض‭ ‬الشركات،‭ ‬لكن‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬عاد‭ ‬لتغيير‭ ‬قواعد‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المبالغ‭ ‬وحصرها‭ ‬بصالة‭ ‬المغادرين‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬لضمان‭ ‬عدم‭ ‬تسرب‭ ‬العملة‭ ‬المخصصة‭ ‬للمسافرين‭ ‬الى‭ ‬السوق‭ ‬الموازية‭.‬

السيادة‭ ‬النقدية

كذلك‭ ‬بدأ‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬بتطبيق‭ ‬مبدأ‭ ‬سيادة‭ ‬النقد‭ ‬الوطني‭ ‬على‭ ‬التعاملات‭ ‬المحلية‭ ‬الرسمية‭ ‬وغير‭ ‬الرسمية،‭ ‬واتجه‭ ‬الى‭ ‬التضييق‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬الداخلي‭ ‬بالعملات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬فعالة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سوق‭ ‬يعتمد‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬‮٨٠‬‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬احتياجاته‭ ‬على‭ ‬الاستيراد‭ ‬الخارجي،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ضعف‭ ‬الناتج‭ ‬الوطني‭ ‬وعدم‭ ‬تغطيته‭ ‬الحاجة‭ ‬المحلية‭ ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬لتطبيق‭ ‬سيادة‭ ‬العملة‭ ‬الوطنية‭ ‬بشكل‭ ‬عملي‭ ‬وليس‭ ‬نظرياً،‭ ‬أو‭ ‬بفرض‭ ‬الحلول‭ ‬القانونية‭ ‬فقط،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الحاجة‭ ‬ستظل‭ ‬قائمة‭ ‬بشكل‭ ‬حقيقي‭ ‬للنقد‭ ‬الأجنبي،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬المعاقبة‭ ‬من‭ ‬الفيدرالي‭ ‬الأمريكي،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الامريكية‭ ‬بحصولها‭ ‬على‭ ‬الدولار‭.‬

يضاف‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬سيقلل‭ ‬الشمول‭ ‬المالي‭ ‬عبر‭ ‬امتناع‭ ‬المودعين‭ ‬عن‭ ‬إيداع‭ ‬ودائعهم‭ ‬بالدولار‭ ‬لدى‭ ‬المصارف‭ ‬العراقية،‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬ثقتهم‭ ‬بالسياسات‭ ‬النقدية‭ ‬لضمان‭ ‬أموالهم‭ ‬المودعة‭ ‬بنفس‭ ‬عملة‭ ‬الإيداع‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التعليمات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تمنع‭ ‬حصولهم‭ ‬على‭ ‬ودائعهم‭ ‬بالدولار،‭ ‬بنفس‭ ‬العملة‭ ‬المودعة‭ ‬بها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬يؤدي‭ ‬الى‭ ‬خسائر‭ ‬كبيرة‭ ‬للمودعين‭.‬

تبني‭ ‬سلة‭ ‬العملات

توجه‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الى‭ ‬تبني‭ ‬سلة‭ ‬عملات‭ ‬لتغطية‭ ‬الاستيرادات‭ ‬لتكون‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬الدولار‭ ‬في‭ ‬تغطية‭ ‬حاجة‭ ‬السوق‭ ‬من‭ ‬الحوالات‭ ‬النقدية،‭ ‬إذ‭ ‬جرى‭ ‬الاتفاق‭ ‬مع‭ ‬بنك‭ ‬التنمية‭ ‬السنغافوري‭ ‬لتوفير‭ ‬عملة‭ ‬اليوان‭ ‬الصيني‭ ‬لتغطية‭ ‬قيمة‭ ‬الصادرات‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬الاتفاق‭ ‬مع‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الإماراتي‭ ‬لتوفير‭ ‬الدرهم‭ ‬الإماراتي‭ ‬لتغطية‭ ‬التجارة‭ ‬البينية‭ ‬مع‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭. ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬الاتفاق‭ ‬مع‭ ‬تركيا‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬لتغطية‭ ‬صادراتها‭ ‬للعراق‭ ‬بعملة‭ ‬اليورو،‭ ‬تجنباً‭ ‬للحوالات‭ ‬المرفوضة‭ ‬بالدولار،‭ ‬ولتقليل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النقد‭ ‬والحوالات‭ ‬الدولارية‭ ‬وتقليل‭ ‬الطلب‭ ‬عليه‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬التضخم‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬السعر‭ ‬الرسمي‭ ‬للصرف‭.‬

‭ ‬وتبقى‭ ‬السياسات‭ ‬التقليدية‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬وحدها‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬سوق‭ ‬العملة،‭ ‬وإنما‭ ‬التوجه‭ ‬الحكومي‭ ‬نحو‭ ‬خلق‭ ‬تنمية‭ ‬حقيقية‭ ‬بتشجيع‭ ‬الصناعة‭ ‬والزراعة‭ ‬المحليتين‭ ‬وتشجيع‭ ‬الاستثمار‭ ‬عبر‭ ‬خلق‭ ‬مناخات‭ ‬جاذبة،‭ ‬بدأ‭ ‬أولها‭ ‬بتطوير‭ ‬الجهاز‭ ‬المصرفي‭ ‬العراقي‭ ‬ومحاولة‭ ‬جعله‭ ‬مواكباً‭ ‬للصيرفة‭ ‬العالمية‭ ‬لتوفير‭ ‬متطلبات‭ ‬الاستثمار‭.‬