السيد الصدر.. محطِّم الطواغيت

296

ذوالفقار يوسف /

وقف ذلك الليث بشيبته الناصعة ليقول كلمته المطلقة، رافضاً بـ (كلا..كلا) كل متجبر طاغوت، كلا، فهذه الروح لن تموت. فمنذ أن اتحد مع عشق الثورات ارتدى الكفن، ومن إله الكون قد أخذ الإذن، هو الصارخ في وجه الظلام بلا تردد، لكنه في حضرة الحق قمراً يسجد، سيداً للحرية بلا منازع، محارباً ومقارعاً للظلام، في جنان الله حياً شهيداً، حينها كانت كل الجُمعات أعياداً.
تمر علينا ذكرى، كما في كل الأعوام، ألا وهي فاجعة استشهاد السيد محمد محمد صادق الصدر ونجليه (قدس) في يوم الجمعة الرابع من ذي القعدة، الموافق 19 شباط 1999، لنستذكر بين سطورها هذه الواقعة الأليمة التي فجع بها العراقيون أجمع، محاولين المضي على خطى هذا الشهيد المقدس عبر الالتزام بتعاليمه وإرشاداته لإصلاح المجتمع ومقارعة كل الأنظمة الفاسدة ومحاربة الطواغيت بكل أشكالهم.
أول القول
ولد السيد محمد بن محمد صادق بن محمد مهدي بن إسماعيل الصدر في مدينة الكاظمية المقدسة في 23 آذار عام 1943 لأسرة علمية دينية عربية عريقة. عرف منذ صغره بمقارعة الأنظمة الحاكمة، فقد ترعرع في أجواء حفظ القرآن والدراسة في حوزة النجف الأشرف، قارع (قدس) النظام البائد من خلال إقامة صلاة الجمعة في مسجد الكوفة، وقد قام بتوسيعها في بقية المحافظات العراقية.
لغة الخطاب
الشيخ (أسامة التميمي)، معاون مسؤول الإرشاد والتوجيه الديني في مكتب السيد الشهيد الصدر (قدس)، بيَّن أن اللغة التوعوية والإصلاحية جاءت من خلال خطاب الشهيد، قائلاً: “لقد استطاع السيد الشهيد الصدر أن يجسد أطروحة الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، في لغة خطاب الجماهير المباشر مع الأمة. في حين أننا لو استقرأنا التاريخ، ولاسيما تاريخ الغيبة الصغرى، فقد كادت لغة الخطاب المباشر مع الجماهير أن تختفي، حتى زمن بروز مرجعية السيد الصدر (رضوان الله عليه)، إذ استطاع السيد الصدر استثمار منبر الجمعة، وتأسيس جُمعات أخرى في محافظات العراق، لتجسيد الخطاب المباشر مع الجماهير، بل نستطيع أن نجزم أن حركة السيد الشهيد الصدر استطاعت رفع أهداف الأمة الإسلامية بكل تفاصيلها وأطيافها إلى مستوى الشريعة، وكذلك من خلال خطاب الجمعة، والدرس الحوزوي، والاستفتاءات الشرعية، من خلال تحقيق الأهداف العقائدية والسياسية والفكرية والوعي ونقلها إلى المجتمع المتعطش للحكمة، لذلك فإن المجتمع العراقي كان ينتظر خطاباته من جمعة إلى أخرى.”
منارة وحضارة
أما الخطيب الحسيني السيد (رسول الياسري)، فيوضح من خلال رؤيته أن “شخصية السيد الشهيد الصدر (قدس) كونت حركة اجتماعية دينية اشتملت على ثلاثة أبعاد، إذا أفتقد المتصدي للشأن الديني والقيادي أي واحد منها، فإنه لن يستطيع أن يحقق ما حققه الشهيد الصدر (قدس)، أولها البعد العلمي، وأقصد هنا الاجتهاد والمرجعية التي كان -على الأقل- فيها من محتملي الأعلمية، بل كان يصرح بأعلمية نفسه، مختصراً على المكلَّف البحث، وكان يعتبر هذه الصفة شرطاً في التصدي لإنجاز الإصلاح الاجتماعي، وكلماته في هذا الصدد كثيرة لا يسع المقام لذكرها.”
يضيف الياسري “أما البعد الأخلاقي فقد كان طاغياً حتى على خطاباته في منبر الجمعة، ولهذا كان المجتمع في حالة من الانضباط والمراقبة الأخلاقية في مختلف مجالات الحياة. أما البعد الحركي، فإن هذا البعد قد جعل منه شخصية قادرة على تغيير المعادلات في زمن كان يوصف بزمن الحديد والنار، إذ تمكن من مفاجأة الحاكم المتغطرس بإيجاد نهضة جماهيرية بطعم الإسلام، لم يتمكن من إخمادها مع شدة بطشه، بل تأثر بها حتى من كان منتمياً إلى أجهزة النظام او حتى بعض عائلاتهم، فسلام على الصدر حياً وميتاً وجعلنا الله على نهجه وفي ركبه ما بقينا.”
قلم مبارك
يحاول الخطيب الحسيني السيد (صلاح الأعرجي) أن يتكلم، ضمن محورين، عن حياة وفكر الولي الطاهر آية الله العظمى السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس)، إذ يبين أنه “زامن في بداية شبابه مجتمعه الذي كان يعاني -كما هو الحال اليوم- من الانحراف والفساد والمشكلات الاجتماعية، فأخذ على عاتقه أن يكون من أهل الإصلاح والهداية في ذلك المجتمع، لذا بادر إلى علاج جملة من المشكلات الاجتماعية بقلمه المبارك عن طريق كتاباته في المجلات النجفية في ذلك الوقت، كمجلات الأضواء والنجف والإيمان، بالإضافة إلى الكتب التي أصدرها، ككتب (الأسرة في الإسلام)، و(القانون الإسلامي)، و(أشعة مــن عقائد الإمام المهدي).”
عليك السلام
يتحدث الشيخ (محمد البهادلي) عن الشهيد فيقول: “إن العالم الرباني والمفكر الكبير والمرجع المجاهد، محيي الجمعة ومميت البدعة، شهيد الإصلاح السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس)، اختلف عن كثيرين، فقد سبق من هو قبله، وأتعب من جاء بعده من المفكرين، فكانت مرجعيته، ومازالت، مرجعية فكر أصيل متجدد، فريدة من نوعها خلال فترة زمن الغيبة الكبرى، إذ كانت دعوته دعوة الأنبياء، ومنهجه منهج الأولياء، وعبادته عبادة العرفاء، ونهضته نهضة الصلحاء. الصدر أحيا ذكر الحسين فأحيا الله ذكره، الصدر أحيا منبر الجمعة، فاصبح منبراً يتحدث عنه كل المحبين، الصدر أعلن الجهاد والتضحية والموت من أجل دين الله تعالى ومذهب أمير المؤمنين (ع)، فأحياه الله وأحيا به الأمة، فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يولد حياً.”