الشبابُ العراقيون يهزمون البطالة ويواجهون التحدّيات

767

ريا عاصي /

يعدّ العراق من البلدان الفتية ديموغرافياً بحسب الإحصائية التي قام بها الجهاز المركزي للإحصاء عام 2018 بالتعاون مع منظمات دولية، وذلك ضمن خطة عمل تضطلع بها وزارة التخطيط للاستعداد للتعداد السكاني المزمع إنجازه عام 2020 المقبل.
وبحسب النتائج، تبين أن عديد سكان العراق بلغ 38 مليوناً و124 ألفاً و182 نسمة بحسب الإسقاطات السكانية لعام 2018 وأن عديد السكان الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة بلغ 45 في المئة من مجموع السكان ذكوراً وإناثاً، بواقع 15 مليوناً و428 ألف نسمة. وبحسب نفس الإحصائية، فإن نسبة الذكور 51%مقابل 49% للإناث، وبذلك يعدّ العراق فتياً ديموغرافياً وغنياً بالطاقات البشرية.
شبابنا اليوم
الشاب عامر يوسف، 24 سنة، يعمل في صناعة الحلويات يقول: تخلفت عن الدراسة بسبب هجرتي إلى سوريا مع أهلي أيام الطائفية ولم أتمكن من العودة الى مقاعد الدراسة حين عدنا، ففضلت العمل في أسواق الكاظمية بدل تضييع الوقت في الدراسة، كنت أحمل أكياس السكر وعلب السّمن، ثم تدربت أثناء العمل على تعلّم صناعة الحلويات وهو ما أتقنه اليوم وسأبقى أعمل فيها، وعند سؤالي له: هل ستكمل تعليمك لاحقاً؟ قال: ماذا أصنع بالشهادة؟ الخريجون اليوم يصطفون طوابير من أجل التعيين ولا من مجيب.
الشابة منى نجيب، 20 عاماً، تعمل في محل لبيع الآيس كريم في بغداد تقول: أنا أدرس في جامعة بغداد/ تربية بنات، أرغب في أن أعمل مدرِّسة، لكني مساءً أعمل في هذا المحل لأعين أسرتي إذ استشهد والدي في انفجار إرهابي قبل عشرة أعوام، أتمنى أن أحصل على تعيين لكني أعلم أن الطريق طويل، لذا سأعمل في مدارس أهليه حال حصولي على الشهادة، وإن لم يحالفني الحظ فسأبقى في عملي هذا.
الشاب محمود حسين، 19 سنة، يعمل في محطة لغسل السيارات يقول: بعد استشهاد أبي في الموصل قدمت مع والدتي وإخوتي الى بغداد حيث منزل جدّي لأمي، أعمل هنا في غسل السيارات وتعمل والدتي معلمة خصوصية للطلاب من الجيران، وأختي تعمل في المنزل بصناعة الحلي وتبيع عن طريق الفيسبوك، وأنا ادرس “خارجي” لأكمل تعليمي الذي أجبرت على تركه بسبب ظروفنا الصعبة.
السيدة فاتن علي، أربعينية، تربوية ومتطوعة في إحدى المنظمات تقول: أعمل على إقامة دورات تعليمية للشباب لتطوير مهاراتهم وخبراتهم الذاتية ولفتح مشاريعهم الصغيرة عن طريق دورات لتطوير المهارات القيادية، إيماناً مني بطاقاتهم ولأنني أعرف أن سوق العمل صعب لكنه ليس بالمستحيل.
الشابة طيبة، عشرينية، خريجة كلية وصاحبة مشروع اسمه “وسط” تقول: عملت أثناء دراستي في العديد من المنظمات النسوية ودخلت دورات كثيرة لتطوير المهارات وتعلمت كيفية البدء بمشروع صغير، لا أحب العمل مع رؤساء، لذلك اقترضت من أحد البنوك بعد أن قدمت لهم مشروعي مصحوباً بدراسة الجدوى وخطة العمل، وبعد أن كفلني أبي افتتحت المقهى الصغير الذي ترينه، وأنا أقدم فيه أنواعاً صحية من البسكويت والمعجنات الصحية التي لا تزيد السعرات الحرارية، وتحافظ على الإنسان من مرض السمنة.
الشباب والأمم المتحدة
في عام 1965، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار إعلان إشراك الشباب في مُثل السلم والاحترام المتبادل والتفاهم بين الشعوب.
وفي الفترة من عام 1965 إلى عام 1975، ركزت الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي على ثلاثة مواضيع أساسية في ميدان الشباب، وهي المشاركة والتنمية والسلم. وجرى التأكيد كذلك على الحاجة إلى وجود سياسة دولية معنية بالشباب. وفي عام 1979 عيّنت الجمعية العامة سنة 1985 لتكون “السنة الدولية للشباب: المشاركة والتنمية والسلم”.
أقرت الجمعية العامة، في 2010، إعلان يوم 12 آب يوم الشباب الدولي، ودعت الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والأفراد والمجتمعات المحلية في كل أرجاء العالم إلى دعم أنشطة تُقام على الصعيدين المحلي والدولي بهذه المناسبة. وتزامنت تلك السنة مع الذكرى السنوية الـ25 لأول سنة دولية للشباب احتفل بها في عام 1985.
وركزت الجمعية العامة على أن تكون برامج عمل الشباب حسب الأولويات الآتية وهي:
•التعليم
•التشغيل
•الجوع والفقر
•الصحة
•البيئة
•تعاطي المخدرات
•جنوح الأحداث
•أنشطة شغل الفراغ
•الفتيات والشابات
•المشاركة
•العولمة
•تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
•فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز
•الشباب والنزاع
•العلاقات بين الأجيال
مراكز تأهيل الشباب
يمتد عمر مراكز الشباب العراقية الى عمر الدولة الحديثة، ويبلغ قرابة المئة عام، إذ شرعت المملكة العراقية في بداية تأسيس الدولة الحديثة بفتح مراكز تأهيل الشباب التي تحيل الشاب العاطل عن العمل الى رياضي محترف او عامل من الدرجة الاولى، وعند قيام الجمهورية شرعت هذه المراكز في العمل على وفق أحدث مناهج التربية والتدريب في حينها للاستفادة من أوقات فراغ الشباب وتأهيلهم وتطوير مهاراتهم، وبلغ مجموع هذه المراكز 487 مركزاً لتأهيل الشباب، كانت الغاية من هذه المراكز تطوير مهارات الشباب العلمية والعملية والبدنية، وفعلاً أقيمت في حينها معسكرات كشفية عديدة تميزت فعالياتها بالطابع الرياضي ومن ثم بالابتكارات العلمية والبحوث الاجتماعية نسبت لفرق من الشباب ومن فئات عمرية محددة امتدت بين طلاب المراحل المتوسطة والثانوية ثم طلبة الجامعات، كما أقيمت حملات لمحو الأمية والتوعية من الأمراض الوبائية وتوعية الفلاحين بطرق الزراعة الحديثة عن طريق مجموعات طلابية مدربة أثناء عطلاتهم الصيفية استثماراً للطاقات البشرية لهذه الفئات العمرية، فضلاً عن حملات لبناء أحياء سكنية شعبية وزراعة الطرقات وتشجيرها.
دخول الغول
في فترة الدكتاتورية تحولت هذه المراكز إلى مراكز قمع، إذ اقتيد طلبة الثانويات والجامعات الى مراكز تدريب عسكرية وسيق الطلبة في عطلاتهم إجبارياً إلى جبهات القتال ومن تخلّف عن هذه المعسكرات رُقن قيده وتم سوقه الى صفوف الجيش العراقي واقتيد لمطحنة الحرب حينها. وفي عام 1987 قام نجل الغول بحل وزارة الشباب والرياضة ودمجها باللجنة الأولمبية التي كان يترأسها هو، وبذلك فقد أحيلت هذه المراكز الى اللجنة الأولمبية.
تلاشي المراكز
عقب عام 2003 وما تلاه من أعوام حاولت وزارة الشباب والرياضة إعادة هذه المراكز، لكن من 487 مركز شباب لا يوجد منها اليوم سوى 120 مركزاً. التقت “الشبكة” الخبير الدولي لشؤون الشباب والرياضة كريم جاسم البصري الذي حدثنا قائلاً: بعد إعادة تشكيل وزارة الشباب والرياضة حُلَّ أغلب المراكز، وأعادوا الملاكات ولم يعيدوا الأبنية، وللأسف فإن هذه المراكز اليوم أغلبها أُعطيت للاستثمار بطريقة خاطئة، إذ أن على الوزارة أن تحيلها للمستثمر إذا اضطرت لذلك على أن يستثمرها في عمل مماثل للهدف الذي أنشئت من أجله، كأن تقام مراكز صحية أو مراكز تقوية المهارات او أن تحول إلى مقارّ للمنظمات الإنسانية الدولية ويستفاد من بدل الإيجار والخدمة المجتمعية، لا أن تحال الى محال لتصليح سيارات وورش كما يحدث الآن في مركز شباب الحرية على سبيل المثال في حين أن مركز شباب النصر تديره نحّاته اسمها طلائع عملت على تطوير العديد من المهارات الشبابية لا الرياضية فقط.
أضاف البصري: إن حل وزارة الشباب والرياضة في زمن المقبور عدي ما زلنا ندفع ثمن تداعياته حتى اليوم، أذ أن مهمة اللجنة الأولمبية هي تطوير رياضة الإنجاز وتعزيزها، ومهمة وزارة الشباب لا تنحصر في الرياضة فقط بل عليها رعاية رياضة الهواية وتنظيم رياضة الاحتراف، بمعنى أن الدولة غير ملزمة بدفع رواتب لاعبي المنتخب بل هي ملزمة برعاية المنتخبات والمراكز الشبابية المحلية وعليها مثلاً أن تطلب من المنتخب الانسحاب من دورة إن كانت إسرائيل مشتركة مثلاً.
يكمل البصري: اليوم تدفع الدولة رواتب للاعبين بما يقارب 400 مليون دينار سنوياً بينما تطالب المراكز الشبابية باستحصال مبالغ بدل إيجار قاعات تابعة للمراكز، ويُردف قائلاً: الطاقة البشرية هي أهم وأغلى طاقة يمكن العمل عليها، فعلى وزارة الشباب أن تعمل لدعم الشباب وتطوير مهاراتهم السلمية وإنجاز المشاريع الكبرى لهم لأنهم ثروة وطنية لا يستهان بإبداعها الفكري ونتاجها، فرنسا على سبيل المثال لا الحصر حصلت على 39 مليون يورو من الرياضة عن طريق رعاية الشركات الكبرى للأندية الرياضية والمنتخبات لا العكس، ويختم بالقول: مؤسف أن هذه الطاقات الرياضية الفذة تتحول الى طاقات سلبية، فالرياضة هي وسيلة محبة لكنها تحولت إلى وسيلة للكراهية وذلك ما نشهده في عنف الملاعب والتنابز بالتسميات، هذه الطاقات لو أدمجت في العمل والعمال فإنها ستفجر طاقات كبيرة جدا يُنتفع بها، فبهذه الطاقات البشرية تحررت الأراضي التي احتلها داعش وهذه الطاقة البشرية نفسها عملت في الصناعات الحربية لتوفرللدولة مبلغ 11 مليار دولار من صناعة العتاد الحربي أثناء حربنا مع داعش، فتخيلي لو تم تطوير هذه الموارد البشرية وإشراكها في إعمار البلد وتطوير صناعته، علماً أن نصف سكان العراق هم من الشباب.يبقى حلمنا الأبدي أن يحصل شبابنا على فرص أفضل مما حصل عليه الآباء.. فهل سنشهد ذلك؟؟