الشرقية.. درابين ضيقة وشعائر قائمة

229

واسط – نزار عبد الجبار/
تعد منطقة الشرقية السكنية من أقدم محلات مدينة الكوت وسمّيت محلة الشرقية بهذا الاسم لوقوعها في الجنوب الشرقي لمدينة الكوت، وتمتد حدودها من الساحة الحسينية الى بستان الحاج حسن الشبوط وهي منطقة مطلة على نهر دجلة.
ومدينة الكوت نشأت على أنقاض مدينة واسط التاريخيَّة عام 702، واُختُلِفَ في معنى كلمة “كوت” فالبعض يعتقد أنّها من كلمة Coast اللاتينية التي تعني الساحل، ومعنى الكوت في العراق المأوى أو المسكن الذي يُبنى من القصب والبواري (حُصُر القصب) أو من الطين واللبن لجماعة من الفلاحين على حافة نهر أو ساحل بحر، وقد يُبنى وحده أو تُبنى حوله بعض الأكواخ، ويُمكن تعريف الكوت بالميناء أو المجمع البحري أو مخزن الذخائر الحربية.
قدم المنطقة
يعود تأريخ المنطقة لأواخر العهد العثماني وبداية الاحتلال البريطاني، إذ ما زالت آثار البيت الذي شغله القائد البريطاني (تاوزند) أو كما يسميه كهول المنطقة الذين عاصروا الاحداث (طاوزن) الذي تهاوى قريباً رغم المناشدات بترميمه باعتباره شاهداً مهماً على تاريخ العراق والمحافظة التي لم تلقَ آذاناً صاغية.
ما يميّز المدينة أنّها ما زالت تحتفظ بدفء الماضي حيث البيوتات المتلاصقة والابواب المفتوحة على مدار الساعة كأنّها بيت واحد وعائلة واحدة من خلال أزقتها الضيقة، يقول محمد علي عباس وهو من أبناء المنطقة: هنا الكل يعرف بعضه بعضاً جيداً فالكل يشارك في أحزان وأفراح الكل بدون أن يطلب منهم أحد تجدهم أول الحضور وكأنّهم أصحاب المناسبة وفي رمضان تجد أن كل المنطقة تتشارك في طعام الافطار، فتجد المائدة متعددة الانواع كل يوم، ويضيف محمد أنّه سنحت له فرصة للخروج من المنطقة الى منطقة أخرى أحدث لكنّه رفض وبقي في بيته وتزوّج فيها وأنجب أولاداً والان هو جد ويأمل أن يبقى أحفاده في نفس المنطقة بعد أن يكبروا.
تجمع المواكب الحسينية
منطقة الشرقية تعدّ المكان الاول الذي ما زال أكبر تجمّع للمواكب الحسينية في العشرة الاوائل من شهر محرم الحرام حتى نهار العاشر حيث تجتمع مواكب العزاء في مرقد السيد نور العلاق.
ففي الايام العشرة الأولى تنتشر المواكب الحسينية في هذه المنطقة وتقام مآتم العزاء والمجالس الحسينية إضافة الى كافة أنواع الاطعمة والشاي وكل ما يحتاجه مرتادو المجالس الحسينية، إذ تستعرض المواكب من جميع مناطق مركز مدينة الكوت في منطقة الشرقية كل مساء، كلّ حسب ما يقوم به، فبعض المواكب تستعرض بالزنجيل وأخرى بقصائد حسينية يقرأها رادود وتردّدها بعده الجموع المعزية، إذ يؤكد الحاج رياض العبودي بقوله: على الرغم من صغر منطقة الشرقية وضيق (درابينها) بحسب تعبيره وتعني الأزقة الا أنك لا تشعر بذلك لا سيما أيام عاشوراء، إذ تكتظ المنطقة بالحضور الهائل وانتشار مواكب العزاء في كل شبر منها.
وتنتشر القوات الامنية في محيط المنطقة وتمنع دخول السيارات لفسح المجال أمام المواكب الحسينية والحضور لتأدية الشعائر.
معاناة أيام النظام السابق
عانت المنطقة من التهميش والضغط على ساكنيها أيام النظام السابق بسبب دورها وشهرتها في إظهار القضية الحسينية على مدى عقود، إذ إن في كل باب من أبوابها تجد موكباً حسينياً.
ولا تنتهي أجواء محرم في الشرقية بظهيرة العاشر من محرم بل إنّها وفي ليلة الحادي عشر تنطلق فيها مسيرة الشموع او كما تسمّى ليلة الوحشة التي من طقوسها إطفاء المصابيح الخارجية للبيوت وتخرج النسوة حاملات الشموع، تعبيراً عن المواساة للسيدة زينب عليها السلام.
والمنطقة عبارة عن خليط مجتمعي من جميع أطياف الشعب العراقي ما جعل منها فسيفساء تضفي نكهة وأصالة على حاضرها وإشعاعاً يشقّ طريق مستقبلها بجدارة.