العاطفة أم القانون؟ عقوبة صارمة بإعفاء مدرّسين بسبب “”فيديو””
بغداد /علي غني/
أراد أحد المدرسين أن يصنع جميلا للطلبة الموجودين في قاعة الامتحان الوزاري بعد أن أخذ منهم الحرّ مأخذاً بسبب انقطاع الكهرباء بالتزامن مع وقت الامتحان؛ فهرع مأخوذاً بعاطفته البيضاء ليحرك الهواء الرطب المحيط بهم بقطعة من الكارتون المقوّى، كان هذا المدرس يعدّهم مثل أولاده يحنو عليهم ويرأف بهم ولعلّ تلك الحركة غير المجدية تطفئ بعض اللهيب المحيط بهم،
قام زميل آخر له بتصوير حال الطلبة داخل القاعة الامتحانية وعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي لكنَّ وزارة التربية غضبت ولم توافق على سلوك المدرسين ووجهت عقوبة صارمة لجميع المدرسين المراقبين في هذه القاعة.
تساؤلات عديدة برزت بعد هذه الحادثة، لماذا لجأت الوزارة الى العقوبة وأهملت الشكر، أين الجزء المفقود بهذه القضية وما ردّ فعل القانونيين والباحثين الاجتماعيين وزملاء المهنة على سلوك عفوي قد ينتهي بعقوبات شديدة؟
المدرس المعاقب ظهر في فيديو مدافعاً عن نفسه ومُحمِّلاً وزارة التربية مسؤولية الظروف القاسية التي أجرى فيها الطلبة الامتحانات، ومستغرباً في الوقت نفسه من تركيز القانون على ما فعله وتركه لملايين الطلبة يقاسون من انقطاع الكهرباء من دون محاسبة المسؤولين.
الأب الثاني
وصفت الحالة الدكتورة إيمان حسن الاستاذة المتخصصة في الارشاد النفسي والتوجيه التربوي في كلية التربية ابن رشد/ جامعة بغداد المدرس بالاب الثاني والروحي لطلبته، وربّما كان الحب والخوف على الطلبة هو ما دفع هذا المدرس لمحاولة تخفيف أجواء الحر داخل القاعة الامتحانية، لكن تصرفه هذا انقلب ضدّه .
أما مسألة تصوير الحالة ونشرها فبحسب د. إيمان أن هذا الأمر لا يجوز ويفترض بمسؤول المركز الامتحاني نقل حالة الخلل داخل المركز الامتحاني للجان المسؤولة؛ سواء أكان خللاً في الكهرباء أم عدم توفر قاعات تصلح لأداء الامتحانات الوزارية لكي تعالج بأسرع وقت .
بينما ترى وهي تحث على اللجوء للقوانين النافذة في مثل هكذا حالات أن إمضاء العقوبة على القاعة الامتحانية وشمول بقية الملاك التدريسي ظلم فادح، رغم أنها ترى أن سلوك المدرسين باللجوء لمواقع التواصل لفضح بعض السلبيات سلوك غير صحيح وغير متزن.
مرض العصر
د. منى حيدر عبد الرزاق رئيسة قسم الاجتماع في /كلية التربية للبنات في جامعة بغداد ترهن الأمر بهوس مخيف يجعل من هذه السلوكيات محط نقاش، كما تستغرب من جهل المدرسين الذين يراقبون الطلبة بالشروط والقوانين التي يجب الالتزام بها.
تقول د. عبد الرزاق في تفسير أكاديمي للحالة: “كان تصرف الاستاذ في الفيديو من وجهة نظر سوسيولوجية غير لائق بالمرة، وباعتبارات مجتمعية قد يكون يبحث عن “الطشة” وهذا الموضوع مرض العصر، إذ إن بعضاً من الذين يلجؤون للتصوير يعانون من نقص في الذات، ويعتقدون أن هذا الفعل سوف يجلب لهم الإشادة والرضا وكماً هائلاً من الإعجابات والمشاهدات، وربما يمنحه جرعات تجعله يشعر بقيمته وأهميته”، بينما تشدّد د. عبد الرزاق على أن هذا الاستاذ وقع في المحظور وخالف إجراءات وزارة التربية في الامتحانات التي تمنع إدخال أجهزة النقال الى القاعات وبدا سلوكه في تصوير الطلبة بحثا عن العدالة والمساواة مخالفة قانونية صريحة، فالقانون فوق الجميع.
لكن د. ميادة محمد التدريسية في جامعة بغداد رأت أن المدرس لا يستحق العقوبة لأنّه أراد بدافع إنساني مساعدة الطلبة وإبعاد القلق الذي ينتابهم وقت الامتحان بأي طريقة، مؤكدةً أنه أراد إيصال الرسائل الى الجهات المسؤولة وقال لهم بصيغة واضحة: انظروا كيف يؤدي الطلبة الامتحانات في هذا الحر.
معاناة أزلية
تنظر م.م سبأ حميد التدريسية في قسم الاجتماع في/ جامعة بغداد /الى المشكلة من زاوية أخرى وترجع السبب الى مشكلات مزمنة تحاصر مجتمعات العالم الثالث، فبينما يعاني الفرد من مشكلات اجتماعية تمس حياته وضروراته الأساسية من ماء وكهرباء وتعليم وغيرها الا أن الاعتراف بها وتسليط الضوء عليها يعدّ جريمة يعاقب عليها القانون .
ولم يكن رأي الدكتور أساور عبد الحسين بعيدا عن هذ الاتجاه، فهو يؤكد أن إدخال النقال الى قاعات الامتحان ممنوع لكن بالوقت نفسه عرض الفيديو في وسائل التواصل الاجتماعي كان لبيان الجانب الإنساني ولم يكن الغرض بالنظر لرسالة المدرس الإنسانية التسقيط أو التشهير.
وبنفس المنطق الذي يهيب بوزارة التربية الانتباه الى الصعوبات التي ترافق العملية الامتحانية يقول المدرس المتقاعد نصير أحمد الشعرباف: إن إصدار اللجنة الدائمة للامتحانات قرارها بإعفاء المدرسين من مهامهم الامتحانية، وما رافقه ذلك من (إهانة) لهم وبكلمات نابية مثل (مخربطين)، لا يجوز من وجهة نظري ما لم يتم التحقيق معهم من قبل لجنة تحقيقية، الشعر باف يضيف أن “إدانة الاستاذ بسبب التصوير جاءت لأنّه فضح تقصير وزارة التربية وتقاعسها عن أداء واجبها”.
لماذا العقوبة؟
الإجراء القانوني الذي طال المدرسين كان من وجهة نظر المدير العام لتربية الكرخ الثالثة الدكتور سعد الربيعي طبيعيا، ولكي تتجنب الإدارات المساءلة الإدارية والقانونية يرى أن على إدارات المدارس الانشغال باداء واجبها ضمن الضوابط والتعليمات التي تحميها وتحمي ملاكاتها التعليمية والتدريسية، محدّدا في هذا الجانب الخطأ القانوني الذي وقع به المدرس وإدخاله الهاتف النقال الى القاعة وتصوير الطلبة أثناء أداء الامتحانات وكان المبرر الكافي للمديرية لمعاقبته وزملائه.
وكانت العقوبة التي فرضت على المدرسين بحسب الدكتور إسامة الجعفري الاستاذ في جامعة الإمام الكاظم قد جاءت لسببين واستنادا لمادتين في قانون انضباط موظفي الدولة: “أولها انشغاله بالتصوير مما يتعارض مع التعليمات التي تمنع الانشغال بالهاتف ويعدّ نوعاً من الإهمال، وثانيهما نشر أعمال وظيفته دون موافقة وهذا التزام قانوني حتمي”.