العراقيون سينتصرون على الجائحة بالإيمان والإرادة والالتزام

450

فكرة الطائي /

بهجة العيد لها طعم خاص في نفوس الجميع على الرغم مما نعيشه من ظرف صحي قاس فرض علينا أن نغير نمط عاداتنا في رمضان بوصفه شهر الخير والرحمة والإيمان وانتظار فرحة العيد ولقاء الأحبة والأقارب والأصدقاء.
لكن “كورونا” حرَمنا من ممارسة هذه العادات، ولابد من ابتكار ما هو جديد في التواصل والتراحم فيما بيننا بعيداً عن الضرر والأذى الذي قد يأتي من جراء اللقاء المباشر.
ليالي رمضان
جائحة “كورونا” غيّرت كثيراً من عاداتنا اليومية، ولاسيما في الحياة الاجتماعية في السنتين الماضيتين، ولاشك في أنها ستترك آثاراً لا تُمحى في السنوات اللاحقة، وقد لمسنا تبدل علاقاتنا في أيام شهر رمضان المبارك جراء التزام الناس عامة بتعليمات خلية الأزمة للتخفيف من حدة خطورة انتشار هذا الوباء اللعين.
تستذكر (سلامة رضا)، 45سنة، ربة بيت، فتقول: بعض العادات الرمضانية لها وقع خاص في نفوسنا لما تشتمل عليه من قيم الرحمة والتواصل والإحساس بالآخرين، فقد كانت العائلات تتبادل أطباق الأطعمة فيما بينها وتفرح بمشاركة الجيران في مائدة الإفطار، وأجمل ما في تلك الذكريات حين كنا نذهب إلى الجيران قبل الفطور ونسألهم عمّا يعدّونه من الأكلات الجديدة حتى نشاركهم فيها.
فيما تقول السيدة (شيرين عباس، 40سنة، موظفة) عن المتغيرات الحالية: “كانت لنا عادات وتقاليد رمضانية قبل جائحة كورونا نفتخر بها، من أبرزها اجتماع العائلة في وقت الإفطار على المائدة الكبيرة في بيت الأب أو الجد أو الأخ الأكبر، نأتي من بيوتنا وكل عائلة تحمل معها ما لذ وطاب من الطعام لتكون المائدة الرئيسة عامرة بكل شيء، وأول هذه الأشياء المحبة والإيمان والتراحم والتواصل، لكنها اليوم انحسرت، إن لم نقل تلاشت، ولذلك أسباب كثيرة تتجاوز الظرف الصحي، أبرزها مشاغل الحياة الكثيرة مع التطور والتمدن الحضاري، اذ أصحبنا غير قادرين على اقتناص الوقت وتوظيفه في إحياء تلك العادات والتقاليد الجميلة التي تشدنا وتقربنا إلى بعضنا وتجعلنا أكثر فهماً لمشاكلنا ومتاعبنا اليومية.”
رمضان صمام الأمان من المفاسد
الدكتور (علاوي مزهر المسعودي)، تدريسي في كلية العلوم الإسلامية، جامعة كربلاء، يقول: “إن الصوم في شهر رمضان المبارك يساعد الإنسان المؤمن في تقوية نفسه وتدريبها على الصبر والإرادة، إذ يتخلى عن كل مغريات الدنيا، ويطلب مرضاة الله تعالى، كما يساعد أيضاً في الإحساس بالآخرين من بني البشر وأوجاعهم، ويحثُّ على صون المجتمع من المفاسد والشرور التي تؤدي إلى تدمير ذلك المجتمع ونكوصه، ويحث أيضاً على تنمية الشعور بالمودة والرحمة والرأفة بين الناس، ويقوي روح التعاون بين الأسر ضمن الرقعة الجغرافية الواحدة، ولاسيما في تبادل الأطباق الرمضانية المميزة، ولم تنقطع هذه العادات والتقاليد الجميلة حتى اليوم، بالرغم من كل شيء وبالرغم مما تترتب عليها من تكاليف مادية، لكن تجد الناس يتسابقون في فعل الخير والتكافل الاجتماعي بينهم.”
قيم وسلوكيات
من جانبها، تشير الباحثة والأكاديمية في كلية الآداب بجامعة بغداد (هديل عبد الوهاب أحمد) إلى مجموعة من القيم والعادات والتقاليد المجتمعية التي تميز الأسرة العراقية في شهر رمضان المبارك، من طقوس التزاور والعبادات والولائم والتجمعات الأسرية التي تضم الأجداد والآباء والأبناء، لكن مع مرور السنوات، طرأت متغيرات عدة على تلك الممارسات الرمضانية، فقد كان رمضان المبارك هو الرمز والعلامة الواضحة لتجمع الأسر العراقية، أما اليوم فإنه لم يعد كذلك، من جراء الوضع الصحي الذي فرض علينا تغيير كثير من العادات والسلوكيات، كالخروج من البيت وتبادل الزيارات وأداء العبادات.
فلسفة العبادة والصيام
ويحدثنا الدكتور (ياسين حسين علوان)، أستاذ التصوف في جامعة بغداد، قائلاً: “لكل عمل عبادي فلسفة خاصة وجدت بموجب الحكمة الإلهية، لذا اقتضى على العبد التفكر بهذه الحكمة لتكون له فلسفة خاصة ومنهج خاص ينتهجه إزاء هذه العبادة أو تلك، والسؤال هو كيف يمكن للعبد أن يشكل فلسفته الخاصة تجاه الصيام، إذ أن لهذه العبادة صلة بالنظام الغذائي الذي يمكن أن ينظم حياة الإنسان ويعيد إليه الخلايا التي فقدها جراء تراكم الأطعمة التي واظب على تناولها عشوائياً، المفيد منها وغير المفيد، إذ تُجدد هذه الخلايا أثناء الصوم، فهي عبادة فردية من جهة واجتماعية من جهة، إذ ترتقي بالفرد إلى مستوى القرب من الله تعالى وتجعله يشعر بالجياع من أبناء جنسه وتكون فرصة للاجتماع والتآلف ومحو الخلافات والمحبة والتسامح والتعاطف والتواصل.”
بانتظار فرحة العيد
“العيد هو العيد”، بهذه العبارة بدأ الباحث التراثي (عادل العرداوي) حديثه عن طقوس العيد، ولاسيما ملابسه التراثية عند العائلات العراقية. وواصل حديثه بالقول: “العيد هو موسم الفرح، فالخياطون في محال الخياطة والخياطات في البيوت تراهم في حالة إنذار قصوى في النصف الثاني من شهر رمضان استعداداً للوفاء بالتزاماتهم مع العائلات قبل حلول العيد. وكانت نوعية الملابس وألوانها وتصميمها يتحكم فيها الوضع المادي للعائلة، فالعائلات الفقيرة أو المتوسطة الدخل تكون ملابس العيد قطعة أو قطعتين، مثل ثوب (نفنوف) ومعه ربطة أو حقيبة جلدية صغيرة، هذا بالنسبة للفتيات، أما ربات البيوت فيكتفين بثوب واحد أو فوطة أو عصابة رأس أو ما شابه، وذلك لاعتقادهن بأن العيد للأطفال أولاً، أما الاطفال فلهم قميص وبنطلون، ويمكن أن تشترى جاهزة أو تُفصل وتخاط عند الخياط، ويكتفي الشباب ببدلة وربطة عنق حسب ذوق الشخص وقدرته المادية، ويفضل الكبار الزي العربي (الدشداشة).”
ويعيش العراقيون أجواء الشهر الفضيل وبركاته ويؤدون فريضة الصيام وهم يتطلعون إلى عيد سعيد مبارك، داعين المولى أن يحفظ العراق واهله أجمعين وأن تزول غمّة الجائحة، بفضله تعالى، وتعود فرحة أيامنا السعيدة ونحن في أمان وسلام.