العراقيون يحولون المولات الى ملتقيات للدردشة والمتعة

666

عواطف مدلول /

أغلب العراقيين الذين أتيحت لهم فرصة السفر خارج البلد كانوا حين يعودون يتحدثون بانبهار عن المجمعات التجارية الكبيرة (المولات) التي يزورونها في تلك البلدان، ويتمنون لو أن تلك المولات كانت في بغداد وسائر المحافظات، لما لمسوه من يسر وسهولة في التسوّق واحتوائها على أماكن مخصصة للترفيه والألعاب وغير ذلك مما يتوافق مع تطلعات العائلة العراقية.

في الآونة الأخيرة افتتح في العراق كثير من هذه المولات، فكيف ترى العائلة العراقية الخدمات التي تُقدّم فيها، وهل لبت طموحها؟

على الرغم من الهجمات الإرهابية التي طالت مول الجوهرة في بغداد الجديدة ومول النخيل بشارع فلسطين خلال هذه السنة، إلا أنها مازالت كغيرها من المولات المنتشرة في بغداد والمحافظات تشكل مكاناً أثيراً يحرص المواطن العراقي على ارتياده، ليس من أجل التبضع وحسب، بل لقضاء وقت ممتع بعيداً عن الاحتقان السياسيّ والأمنيّ، خصوصاً أن كثيراً من هذه المولات أصبح يتوافر على مقاهٍ وكافتريات وصالات ألعابٍ تجتذب العوائل، خصوصاً الأطفال ما يوفر مساحة مناسبة للترفيه.

تعامل حضاريّ

لعلّ تزايد تلك المولات كتجربة جديدة دخلت العراق مؤخراً يعدّ ظاهرة حضارية بدأت تستقطب المواطنين بجميع مستوياتهم الاقتصادية، وهو سبب ملحوظ لاستهدافها من قبل التنظيمات الإرهابية التي لا تريد الحياة لكلّ ملمح حضاري ولا ترغب في ازدياد مساحات الرفاهة والاطمئنان في البلد. غير أن ذلك الاستهداف لم ينلْ من عزيمة أصحاب هذه المولات الذين يصرّون على الاستمرار في عملهم، كما لم يمنع سائر المواطنين من ارتياد هذه الأسواق التي تمتاز بسهولة التبضع فيها وتنوّع الخيارات فضلا عن احتوائها على الجانب الترفيهي.

ترى السيدة أنوار منصور (مدرّسة) إن افتتاح تلك المولات كان أمراً مهماً وضرورياً للمجتمع، خاصة في ظلّ الظروف الصعبة التي يشهدها البلد منذ سنوات، تلك الظروف التي أسهمت في تفكيك أواصر العلاقات بين أفراد العائلة الواحدة وألاصدقاء والأقارب، وتسببت في إقحام مبادىء وقيم جديدة طارئة وبعيدة تماماً عن القيم السائدة في المجتمع. مضيفة أن تلك المولات نجحت الآن نوعاً ما في إعادة بناء أنماط راقية من التعامل بين المواطنين، وهو ما نلاحظه بين مرتادي المولات من سلوك مهذب.

السيدة منصور أشارت إلى ان هذا السلوك المتحضر يعود في جزء كبير منه إلى الضوابط التي وضعتها إدارة هذه المولات، فعلى سبيل المثال اشترط بعض المولات أن يكون هناك التزام بنوعية الملابس التي يجب أن تكون محترمة غير فاضحة، كما أن هناك التزاماً بأوقات معينة مخصصة للعوائل فقط بغية إبعاد المتطفلين من الشباب الطائشين الذين قد يعكّرون أوقات هذه العوائل.
كل ذلك، والكلام للسيدة منصور، أسهم في خلق أعراف التزم بها الجميع وأفرزت سلوكيات متحضرة، وأعطت مثالاً على أن الإنسان العراقيّ متحضر بطبعه ومستعدّ للالتزام بالقانون والسلوك المهذب.
جنة النساء

زهور ياسين (موظفة) رأت أن المولات توفر فرصة كبيرة للعوائل للالتقاء مع بعضها فهي حتى وإن لم تذهب لغرض شراء أحتياجاتها، تتواجد دوماً فيها لتستمتع بجلسات استرخاء واستجمام بغية كسر الروتين اليومي وضغوط الحياة المحيطة بها في المطاعم والمقاهي التي أصبح لا يخلو منها كل مول.

السيدة ياسين أوضحت أن هذا الأمر تستفيد منه المرأة بشكل أخص، لأن التسوّق في المول منح النساء خصوصية قد لا تتوافر في الأسواق، فهي غير مضطرة إلى التقيّد أو الخشية من الانتقاد وهي تتنقل مع أطفالها بين أروقة المول وأقسامه، من دون أن تتعرض للتحرش أو المضايقة كما قد يحصل في أماكن التسوق الأخرى. تضيف: كنا في الماضي نتحسر على رؤية مول في بغداد بعدما خرجنا وشاهدنا الكثير منها في دول عديدة عربية وأجنبية، إذ غالبا ما تكون أول مكان يثير انتباهنا واهتمامنا ونسعى لزيارته خلال السفر.

هناك انتقادات تتعلق بغلاء أسعار بضائع المولات العراقية، لكن السيدة ياسين تنفي ذلك قائلة: أظن أن العكس هو الصحيح، البضائع هنا أرخص ثمناً مقارنة بالبضائع في المولات الموجود في الدول المجاورة للعراق وبلدان أخرى.

الهاجس الأمنيّ

يعتقد جودت ناظم (موظف) أن التطور الحاصل في المولات باستمرار يقابل بترحاب وإعجاب شديدين من قبل الناس، وقد استحدثت في بعضها قاعات للمناسبات الشخصية والعامة، ولتنظيم الندوات والأمسيات والملتقيات الاجتماعية والثقافية، وبذلك يمكن الاستفادة منها حتى بإنجاز مهمات العمل، كما إن من إيجابياتها التي ينبغي أن تذكر هي تقريب المسافات بين أهالي أحياء ومناطق بغداد للأطلاع على الميول والعادات والطبائع ما يردم الفجوة بين أبناء المدينة الواحدة، خصوصاً ان المجتمع العراقي ينهض الآن من تصدّع مجتمعيّ كبير بعد الاحتراب الطائفيّ الذي ذهب دون رجعة، ويمكن للقاءات كهذه أن تكون عوناً لتجاوز هذا الانقسام وتقريب وجهات النظر المختلفة.

لكنّ الأمن لم يزل هاجساً أساسياً، يشير السيد ناظم ويضيف: بعض المولات ينقصه الحماية الأمنية خصوصاً تلك المولات التي في المناطق الشعبية.

ماركات شهيرة

السيدة جنات حسين (ربّة بيت) شاركت الآخرين في ما تمثله المولات من أهمية للعائلة العراقية، مضيفة ان من أولى ميزاتها اختصار الزمن أمام الأسرة لانتقاء ما تريد من مستلزمات لجميع أفرادها. كما انها تنقذنا من الحرّ اللاهب، تقول مبتسمة: المول خلصنا من طقس العراق الجهنميّ وقت الصيف، فنحن نتجوّل في قاعات مكيّفة منذ الصباح حتى وقت متأخر من الليل ندور على محال ذات ماركات شهيرة كنا نسمع بها أو نراها في التلفزيون فقط أو ننبهر بها حين نزور دولاً أخرى.

أما الأسعار فهي معقولة، تؤكد السيدة جنات حسين، الأسعار متباينة تلبي رغبات المشتري بحسب إمكانيته، فهناك نوع منها ملائم لطبقة اجتماعية محددة ذات دخل مرتفع تقدم لها بضاعة بموديلات ترضي أذواقها ولا تتعامل معها إلا بالدولار، وهناك في المقابل نوع أخر مخصص لذوي الدخول المتوسطة والمحدودة.

بشرى خير

ماذا يقول أصحاب المحال في هذه المولات؟ وكيف يدافعون عن “التهم” الموجهة إليهم والمتعلقة بغلاء أسعار بضائعهم؟
خلدون عبد الرضا (صاحب محل بأحد المولات) لم ينفِ هذه التهمة، قال ان أسعار بعض الحاجيات مرتفعة جداً، والسبب يعود إلى ارتفاع اسعار إيجار المحال فيها. لكنْ مع ذلك، يرى السيد عبد الرضا أن الحركة الشرائية جيدة مقارنة بالمحالّ التي تقع خارج المول. أنا أتكلم عن دراية، يقول، فقد عملت سنوات طويلة في محال خارج المول وأعرف تماماً الفرق بين أسعار كلّ منهما.
ويرى أن تلك المولات بشرى خير للشباب وبالذات العاطلين عن العمل كونها وفرت لهم مصدر رزق ومجالاً للعمل، حتى الفتيات يعملن بها، خاصة المولات الكبيرة التي تقدم خدمات كثيرة لأنها تضم طوابق مليئة بالاقسام المتخصصة، كصالة ألعاب ترفيهية للأطفال ومطاعم ومقاهٍ ومحال الاكسسوارات والسينما وبيع الأثاث ومستلزمات البيت من غرف النوم وأدوات المطابخ فضلا عن الملابس النسائية والرجالية وملابس الأطفال وغيرها.

طموح

وفي قسم العطور ومساحيق التجميل تعمل زينب محمود التي تتمنى أن تكون صاحبة محلّ فيه وتسعى لذلك مستقبلاً لأن الإقبال على الشراء هنا ممتاز، تقول زينب التي ترى أن عليها التصرف بذكاء وأن تضع في نيتها القيام بمشروع خاص بها كمورد مادي مضمون، مضيفة: لقد تمكنت من بناء علاقات قوية مع عدة نساء من الزبائن خلال ممارستي العمل بهذا المجال، وتعرفت على أساليب جذب المزيد منهنّ من خلال عروض التخفيضات والمسابقات التي تجرى دوماً. مشيرة إلى أنها اكتسبت خبرة بمرور السنوات وأحبت هذا المهنة وأتقنتها جيداً فباتت تمتلك أسلوبها الخاص علاوة على اللباقة والأناقة في الحديث والصبر والتواضع. فاحترام رأي الزبونة أمر أساس، تقول زينب، أنا أوفّر الأحترام الكامل لاختيارات زبائني وقناعاتهن وأعطيهنّ اقتراحاتي التي أستطيع أن أؤثر بها عليهنّ لأنال ثقتهنّ التي هي رأسمال عملي، بهذا الأسلوب اكتسبت زبائني، وبه أنوي أن أفتتح مشروعي الخاصّ.