العزاء الحسيني في مسرح (التشابيه)

37

طهران / منى السراج/
العراق أرض تنوع الثقافات، أرض تلاقي الحضارات، أرض الكثرة والوحدة. أحدى هذه العناصر الثقافية القيمة هي مواكب العزاء ومسرح (التشابيه)، التي بقيت محتفظة بمكانتها في الثقافة العراقية على مر السنين.

تمثل (التشابيه) الحسينية جزءاً من التراجيديا الشعبية لطقوس الشعائر الحسينية خلال محرم الحرام لدى أهل العراق، التي تجاوزت امتداداتها لتشمل معظم البلدان الإسلامية، والجاليات الإسلامية في البلدان الأوربية.
(التشابيه) مفردة اقترنت مع عاشوراء الإمام الحسين (ع)، وهي عبارة عن نوع من التمثيل يحاول الممثلون من خلاله تجسيد واقعة (الطف) التاريخية، بإطلاله شعبية تتجاوز الصناعة السينمانية، وأبجدية الكتب وأثير المحاضرات الدينية.
معنى العزاء
العزاء في اللغة مفردة تعني ذكر الفقيد ومواساة ذويه ومشاركتهم أحزانهم، إنها مجالس الترحم على الأموات. ومن البديهي أن العزاء الذي أخذ شكل مسرح (التشابيه) اليوم، إنما احتل مكانته وموقعه الاجتماعي تدريجياً وعلى مرّ السنين ضمن ضوابط وشروط تدرجت طوال هذه السنين.
النظام المباد والشعائر الحسينية
تعرضت مراسم التعازي مراراً للمنع من قبل السلطات لأسباب دينية وأخرى سياسية. في فترة النظام المباد منعت مجالس العزاء و(التشابيه) رسميا، وبقيت منحصرة على نطاق ضيق، لما كان يكنه النظام من حقد دفين على العقائد والشعائر الدينية، لكن بعد سقوط هذا النظام جرى إحياء هذه الشعائر، وبقوة.
البداية
بدأت (التشابيه) على شكل مجاميع ضئيلة تمر بهدوء أمام الحاضرين، تتزامن مع اللطم واستعمال (الزنجيل)، وأحياناً يرافقها قرع الطبول وماشابه ذلك، أو حمل رايات ولافتات، وهي لا تبتعد كثيراً عن مثيلاتها في الحروب، مصحوبة بقراءة المراثي والمَقاتل وذكر وقائع كربلاء ومصاب الإمام الحسين (ع) بشكل جماعي، بتمثيل العرض والأداء الفردي في سرد الواقعة للحاضرين، يرافقها ضرب الطبول والأبواق.
بعد ذلك تطورت لتؤدى على شكل عرض مسرحي، مع تناسب اللباس لتقريب المفهوم للمشاهدين الحاضرين، بأزياء تاريخية متناسبة والحدث، فيتعدد الأشخاص ليؤدي كل منهم دور الشخصية المعنية ويجسد ما حل بها من مصاب. ثم تأتي بعد ذلك مرحلة المحاورة بين ممثلي الأدوار، ما دعا إلى أن تتطور لاختيار الممثل الأكفأ والأبرع لأداء الدور بشكل فني.
تجسيد الملحمة
كانت مجالس العزاء و(التشابيه) بشكل عام تبرمج حسب ذكرى أحداث الطف، فلكل يوم تهيأ المواضيع والنصوص الخاصة به لإجرائها، إذ يأخذ كل مؤدٍ نصوصه ليعرضها في أدائه. وتأتي النصوص في غالب الأحيان بشكل حواري متداخل يستخرج من واقعة الطف، ولا تبتعد عن حقيقة الواقعة وضروراتها.
تطرح إحدى الشخصيات الأكاديمية، في ملف تفصيلي عن أصل الطقوس الدينية المعروفة بالتعزية، عبر أطروحة علمية، أن “تلك الطقوس ما زالت تقام حتى اليوم من قبل المسلمين في العراق ولبنان والبحرين إيران، وتحظى بأهمية خاصة لأنها تقترب من مسرح الفرجة والعرض الشعبي، وعلى الرغم من طابعها الديني، إلا أن طبيعة العلاقة بين الجمهور والمؤدي تعتمد دائماً على تغريب الحدث والشخصية، مع إمكانية تجسيدها ملحمية الأحداث أيضاً.
كما يمكن دراسة التعزية في الوقت الحاضر على اعتبارها طقساً درامياً، سواء من ناحية الطاقة التصويرية الكامنة في لغة الطقس، أم من ناحية درامية الأحداث والحركة التعبيرية، التي يفجرها قطاع كبير من الجمهور المشارك في هذه الطقوس، الذي يتعدى دوره من المشاهدة إلى المشاركة الفعلية في هذه الشعائر، وذلك للوصول إلى حالة المناصرة للإمام الشهيد الحسين بن علي (ع) إبان ثورته.”
الأدوات الموسيقية
كذلك كان لأدوات الموسيقى والإيقاع دور بارز في هذه العروض، فقد دخلت في كثير من الأحيان لتعوض عن دور أو عن المقدمة التي كانت تقرأ، كما أنها كانت تحمل الدراما الخاصة بها.
وكانت بعض الآلات الموسيقية المناسبة تهيأ للتعزية، كالطبل الصغير والطبل الكبير، والأبواق، وبعض أنواع الدفوف الخاصة المناسبة، لتضفي جواً مناسباً للتفاعل مع المواكب والأداء.
خلال المشاهد التي تخلو من الحوار والخطب الطويلة، كانت الأدوات الموسيقية، ولاسيما الطبل، تملؤها، وكل آلة تؤدي حالة خاصة بها، فعند تحرك الأشخاص أو انطلاقة الحرب تقرع الطبول، وفي مواقف الحزن تخلق المزامير والأبواق جواً ملائماً يؤثر بشكل كبير على مشاعر الحاضرين.
التبرك بالمشاركة
يزداد سنوياً عدد الشباب، وحتى كبار السن، الذين يجسدون أحداث معركة الطف التاريخية، وكثير من النسوة يحملن أطفالهن الصغار للمشاركة، سعياً لإعطائهم دورساً غير مباشرة عن مصاب آل البيت الأطهار، وللتبرك بالمشاركة.
وعن أهم المعوقات التي تواجه تجربة (التشابيه) يقول أحد المشاركين إن “غالبية المشاركين يرغبون في تجسيد أدوار الصحابة وأتباع الإمام الحسين (ع)، والقليل منهم من يجسد أدوار جيش وأعوان ابن زياد، وأصعب الأدوار يقع على من يجسد شخصية (الشمر)، الذي غالباً ما يواجه النفور المجتمعي، بل حتى الاعتداء عليه، لتقمصه شخصية قاتل الإمام الحسين.”
وتشهد الأسواق المحلية العراقية رواجاً في بيع أدوات ومستلزمات التشابيه الحسينية، من سيوف ودروع و(زناجيل) المواكب، إضافة إلى الطبول.
رسالة توعوية
لا تقتصر (التشابيه) الحسينية في تجسيد الأدوار على صنف الرجال فقط، إذ إن دور المرأة لا يقل أهمية في تجسيد الشخصيات النسوية في معركة الطف، بدءاً من بنات الإمام الحسين (ع) وعياله، حتى السيدة زينب الكبرى وبقية نساء آل البيت الأطهار، وهنا تبرز مشاركة المرأة في تمثل الأدوار النسوية.
توضح ذلك السيدة أم علي، وهي مشاركة في مسرح حسيني فتقول إنها تشارك ضمن (التشابيه) منذ خمسة أعوام مع اطفالها الثلاثة. وتضيف أن “مشاركتي هدفها إيصال رسالة الإمام الحسين (ع)، ومشاركة أطفالي هي جزء من رسالة توعوية تثقيفية ومعرفية بالمذهب ومصائب آل بيت النبوة الأطهار.”