العـقال.. رمز الأصالة العربية!
ذوالفقار يوسف /
تتباين الروايات حول أصل تسمية العقال، لكن أشهرها ترجع تسميته الى الحبل الذي تعقل به الناقة. ويرتبط “العقال” ارتباطاً وثيقاً بلباس آخر هو (اليشماغ)، وهو قطعة من القماش يغطى بها الرأس.
يختلف شكل العقال ونوعه ولونه وأحجامه حسب البيئة المحيطة، فقد تراه مربعاً أودائرياً، وقد يكون رفيعاً أوغليظاً، وأحياناً مرصعاً بالذهب وآخر لونه أبيض او رمادياً، إلا أن المتعارف عليه في أيامنا هذه هو العقال الدائري الأسود.
سوق الاستربادي
يقول كاظم جواد (55 عاماً)، أحد أقدم الحرفيين في صناعة العقال في الكاظمية: “تعلمت هذه الحرفة قبل أكثر من 35 عاماً من أحد روّاد صناعة العقال، ومازلت أعمل فيها بالرغم من اكتساح أغطية الرأس المتنوعة، فالمستورد لا يرحم بعض الصناعات المحلية، خصوصاً الحرف اليدوية التي تحمل تراث العراق وعراقته.
يضيف جواد: أن صناعة العقال دقيقة جداً، حيث تعتمد جودتها على المواد الأولية التي يصنع منها، إلا أن التطور الذي شمل صناعة المنسوجات جعل الحرفيين في صناعته يتوجهون نحو المستورد، فأغلب الخيوط التي تدخل في صناعته هي خيوط رديئة وغير طبيعية، بعد أن كانت تصنع من صوف ووبر الحيوانات، اضافة الى المكائن التي تدخل في لفّ العقال حالياً، والتي لم تكن موجودة أيام الحرفيين الأوائل امثال: علي اللامي وعبد الأمير أبو العقل، وحجي سليم وابراهيم، فهم خيرة صناع العقال في تلك الأيام في مدينة الكاظمية.
مراحل نسج العقال
أطلق كاظم جواد حسراته على انحسار حرفته واضمحلالها، مؤكداً أن صناعة العقال تستغرق مراحل عدّة، تبدأ بجلب خيوط الماعز التي تسمى بـ(المرعز) التي تنتج عن طريق غزل جز صوف الماعز، حيث يغزل ويحول الى خيوط بواسطة (المبرم) الذي يستخدم لبرم الخيوط، أما (البطانة) فتصنع بواسطة (التساءة)، التي هي عبارة عن خشبة بطول150 سم بمسندين لصنع البطانة ولف وجه العقال، بحيث تستعمل هذه الخيوط لتغليف بطانة العقال، التي تتكون من خيوط الصوف او القطن، بعدها يتم صبغ خيوط شعر الماعز باللون الأسود، بعد أن يتم وضع العقال حول مايمسى بـ(القالب)، لضبط قطر العقال، ومن ثم تعديله وإحكام استدارته بواسطة (المدقة) المصنوعة من الخشب، ولفّه عن طريق ربط جهتيه، وأخيراً نستخدم الفرشاة لتمشيط العقال وترتيبه، بعد نثر عدة قطرات من الماء لإبراز القليل من الشعرات بصورة جميلة، وهذه العملية تستغرق أكثر من ساعة كاملة لإنتاج عقال واحد.
العقال والأندلس
يحكى أن العقال كان أبيض اللون في العصر العباسي، لكنه تحول الى اللون الأسود بعد سقوط الاندلس، تعبيراً عن الحزن، وكعهد وتذكير بهذه الحادثة.
وقد عرف لبس العقال في الجزيرة العربية والشام والعراق والأردن وبادية سيناء بمصر، خصوصاً في المناطق الصحراوية التي يكثر فيها البدو آنذاك، وكل دولة عربية تشتهر بنوع من العقال الخاص بها، لكن سكان الخليج هم الأوائل في صناعته وارتدائه كموروث لهم يذكرهم بعروبتهم.
وتحدد نوعية العقال وخامته التي صنع منها بأصول مرتديه، أما المقاسات فقد تختلف ايضاً، لكن الأغلب أن يكون محيط دائرته بمقدار110 سم عند لفّه على شكل رقم 8 بالانكليزي حيث تنقسم الدائرة الى اثنتين متساويتين في المحيط، وبهذا يأخذ شكله النهائي.
(الطمس) و(المقصب)
يرتدي الرجال العقال كل حسب احتياجه ورغبته، فالبعض يرتديه كحلّة في المناسبات كالزواج وعقد القران، وآخرون يرتدونه كعنوان للوجاهة والنفوذ، إلا أن هناك شكلاً لكل نوع، نستطيع من خلاله معرفة انتماء مرتديه، والمدينة او الدولة او القبيلة التي ينتسب اليها.
ضمن هذا الإطار يحدثنا الحرفي جميل ابراهيم (50 عاماً) فيقول “هناك عدة أنواع للعقال، وكل محافظة تمتاز بعقالها الخاص، فهناك العقال الفراتي الذي يمتاز بغلاظته وصغر حجمه، حيث يرتديه ساكنو الفرات الأوسط، أما العقال الحمزاوي الذي يكون أرفع من العقال الفراتي وأصغر حجماً فيتحدر مرتديه من منطقة الحمزة الشرقي، أما مايرتديه ساكنو المناطق الجنوبية من العراق، كالناصرية وسوق الشيوخ وميسان فهو العقال الجنوبي، الذي يمتاز بكبر قطره وغلاظته، وكذلك الحال بالنسبة لسكنة بغداد، فهناك العقال “الكظماوي” الذي يدخل في صناعته شعر الماعز العراقي، وايضاً العقال “الزبيري” والذي يعرف ايضاً بعقال” الطمس” وعقال (المقصب) المربع الشكل الذي سمي بهذا الاسم لأنه يقصب بخيوط من الذهب والحرير، وهذان النوعان يشتهران في مناطق الخليج العربي، حيث يكون على أشكال وألوان مختلفة، فمنها البني الفاتح والأبيض، الذي يرتديه الأمراء والوجهاء كعقال الإمارة، او أن يكون رمزاً لتمييز المسلمين القادمين من الحج، ولم يكن العقال من حصة الرجال فقط، فنساء الحمزة الشرقي قد ارتدين العقال، وأحيانا يتم ارتداؤه من قبلهن للتقليل من آلام الرأس فتسمى بـ(العصابة)، اما بالنسبة للدول المجاورة فقد تميزت ايضاً بنوع عقالها، فهناك العقال السعودي والعقال الفلسطيني الذي يزين بالكوفية، والعقال الأردني الذي يثبت به اليشماغ الأردني، وكل حسب تعريفهم له.
الذهب والنار
يضيف ابراهيم أن هناك العديد من الدخلاء على حرفة صناعة العقال، ما سبّب انتاجاً رديء الصنع والجودة، لأن أغلب التجار كانوا يستوردون الخيوط المستخدمة في صناعته من سوريا، إلا أن الازمة الأخيرة هي التي حالت بيننا وبين جودة الخيوط فأغلبها تكون رديئة، وإذا أردت معرفة نوع العقال وجودته، فيجب أن تقوم بحرق الشعر بواسطة النار، ومن خلال الرائحة المنبعثة منه تستطيع معرفة المادة المصنوع منها، حيث تفوح رائحة الشعر المحروق من الصوف الطبيعي، ورائحة القماش المحروق من المصنوع بالقطن، ورائحة البلاستيك المحروق من المصنوع من النايلون، وهناك ايضا من يحاول ان يغير شكل ونوع العقال، فبعضهم من يجعله صغير الحجم والآخر يبالغ في غلاظته.
يضيف ابراهيم أن أسعار العقال تختلف من عقال الى آخر، وكل حسب جودته والمادة الخام المصنوع منها، فقد تجد الرديء الذي لايتعدى سعره الـ(20) ألف دينار، وآخر ذا جودة ممتازة قد يصل سعره الى الـ(300) الف دينار، وهذا السعر بسبب بعض الإضافات التي تضاف الى العقال كخيوط الذهب والفضة والحرير.
“التفريعة”
بالرغم من أن العقال هو رمز الانتماء للرجل العربي، ولباس تقليدي لم يندثر رغم التطور في الأزياء والأذواق، إلا أنه لم يكن فقط كذلك.
الشيخ فالح الخليفاوي(50 عاماً) أحد وجهاء عشيرته يحدثنا وقد زيّن رأسه بالعقال الأسود فيقول: “إن الـ(الغترة) والعباءة والعقال، هي من أساسيات ما أرتديه خارج إطار عملي، وهي مايميز الشخص المتزن والذي يأخذ بكلامه في كافة المناسبات وخصوصاً في مناسبات العزاء واحياناً في النزاعات وحلها بواسطة وجهاء العشائر، فترى أغلب كبار السن يرتدون العقال ويقدسونه كرمز لكرامة مرتديه، وأن إزاحته عن الراس بشكل متعمد تعتبر إهانة لمرتديه، وتسمى بـ(التفريعة)، حيث يترتب على فاعلها حكم من قبل الوجهاء، وايضاً هناك (تنكيس) العقال، اي إمالته الى الأمام، حيث يعبر ذلك عن الحزن على شخص او حصول فاجعة كبيرة، أما من يرمي العقال فهو يعبر عن مطلب يجب أن ينفذ او يعمل به، خصوصاً من قبل شخص ذي وجاهه عند الناس.