العملات الممزقة من يحدّد صلاحيتها للتداول؟

1٬311

 وائل حمد/

ينقل صاحب «الكيا» نظره بين الشارع وبين ورقة الـ 250 دينارا، يتفحصها جيداً ويتلمس سطحها خوفاً من كونها ملصوقة بشريط شفاف. مدّ يده إلى الوراء ليرجعها إلى صاحبها الشرعي: «ممكن تغيرها»؟ يطلب السائق الشابّ من الرجل العجوز، فيرد الأخير :»ليش هو آني طابعها؟»!

حينها تبدأ تعليقات الركاب المحشورين في السيارة الصينية الصغيرة بين مؤيد ورافض لتداول العملات الممزقة والتالفة، ويخرج أحدهم خمسمائة دينار، صبغت بلون أسود. امرأة أخرى تشير بورقة نقدية إلى أن السائق أرجع لها (1000) دينار مكتوباً عليه بيت شعر!

انتشار العملة الورقية التالفة أصبح مشكلة يومية ومجالاً للنقاش وربما للشجار أحيانا بين سائقي الأجرة والحافلات مع ركابهم، وبين أصحاب البسطيات وزبائنهم وحتى المخابز والأفران صارت تعاني هذه المشكلة. لكن أغرب ما في الأمر أن بعض المتسولين باتوا يرفضون تسلم العملة الممزقة من المحسنين.

ربما لا يدرك الكثير منا مدى رمزية الأوراق النقدية، التي تزداد نحوها الممارسات الخاطئة من قبيل الكتابة عليها من قبل بعض العشاق والباحثين على التعارف، وهم يحولون الورقة إلى جدار حر من خلال كتابة أرقام وأبيات شعر وأبوذيات.
العملة.. دفتر ملاحظات!

يقوم بعض المحاسبين وأمناء الصناديق في المصارف بتحويل النقود إلى «دفاتر ملاحظات» فهم يسجلون رقم «الشَدّة» عليها، وصولاً إلى التخزين الخاطئ لدى بعضهم في أماكن غير صالحة للعملة الورقية، في الوقت الذي يتراجع فيه استخدام المحفظة لتتعرض النقود للدعك المتكرر في الجيوب، فمعظم الفئات النقدية، خاصة ذات قيمة الـ 250 و500 و1000 دينار، فقدت جزءاً من مواصفاتها جرّاء الاستعمال المتكرر، وفُقدت تماسكها وأصبحت متهالكة ومتهرئة، أو تعرضت للقطع أو القص أو الحرق من زواياها.
يقول صاحب «الكيا «: «لا يمرّ يوم واحد من دون أن تكون هناك مشكلة أو أكثر مع الركاب بسبب الأوراق النقدية الممزقة»، ويضيف علي كرم (33 )عاما لـ (الشبكة): « حينما أعطي الراكب باقي الأجرة، وهو عادة ما يتكون من فئات صغيرة؛ يرفض أخذها لأنها ممزقة، وبالتالي أصبح مضطراً إلى أن أرفضها أنا أيضا».

إلى ذلك يشير عادل حسن ـ كاسب يتنقل يومياً بين بغداد الجديدة وشارع فلسطين – إلى أن أجرة الباص هي 750 ديناراً، لذلك دائماً تكون هناك مشكلة مع باقي الألف دينار.

ويضيف حسن لـ (الشبكة) «إن وجود العملة الورقية التالفة يسبب لنا الكثير من المشاكل، فعندما نذهب لشراء احتياجاتنا يعيد البائع لنا أوراقاً نقدية ممزقة وموصولة إلا أننا نواجه مشاكل كثيرة وصعبة في تصريفها، سواء من قبل أصحاب المحال التجارية أم سائقي الكيا».

أُسلّم ولا أتسلّم!

أصحاب شركات الصيرفة، الذين يغيرون لك العملة الأجنبية الى عراقية ممزقة، يرفضون بالمقابل تسلم الورقة النقدية المحلّية إذا كانت على هذه الحال.

قصي سعد، صاحب محل صيرفة في المنصور، يؤكد أن «معظم شركات الصيرفة وتحويل الأموال يرفضون تسلّم عملة عراقية ممزقة». بالمقابل يقول بانه «يرفض تسلم الأوراق النقدية التالفة من الزبائن».

الموظفون هم أيضا يتسلمون ـ في رواتبهم ـ أوراقاً نقدية تالفة، ولا يجدون منفذاً تسويقيا لتصريفها ولا يحقّ لهم الاعتراض لدى أمناء صناديق دوائرهم على نوع العملة أو شكلها.

تقول علياء عبد الله ـ موظفة حكومية ـ بان «شُعب الحسابات « في دوائرنا الرسمية يمتلكون جواباً كلاسيكياً يستخدمونه دوماً في حالة الاحتجاج على تلف العملة الورقية: «هذه مسؤولية المصارف الحكومية التي تسلّمنا هذه الأوراق».
فيما يوضح موظف حكومي آخر انه يتسلم في كل شهر راتباً تُدسّ فيه أوراق ممزقة.

ويضيف محمد أياد قائلاً: «أتسلم أحياناً ما يقرب من خمسين إلى مئة ألف دينار من فئة الـ(1000) ومعظمها تالفة ولا أعرف أين أصرفها».

نقودنا ونقودهم

ويدفع الحديث عن العملات التالفة، لسؤال أحد المتقاعدين المنتظرين تحت الشمس تصحيح الخطاً الذي حصل في راتبه، قرب دائرة التقاعد وسط بغداد، حيث يقول: «هل الفئات الصغيرة والممزقة من حقّ المتقاعد فقط، أم المسؤول يتشارك معنا نفس الهم؟!».

أبو حيدر ـ مدرس متقاعد ـ كان قد تناقص مرتبه في آخر شهرين، بسبب ماقيل له بأنه استقطاع لدواعي التقشف، ثم اكتشف أنه خطأ حدث في دائرة التقاعد وجاء لتصحيحه، يضيف في حديث مع (الشبكة): «في حال ظلت عملتنا ممزقة وغير نظيفة وتنتشر عليها الكتابات والأرقام فسوف تفقد قيمتها النقدية ويصعب تداولها وربما نصل إلى رفض قبولها تماماً».

يشير خالد سلمان ـ خبير في الشأن المالي ـ إلى أنه لا يعلم ما الجهة التي ستكون مسؤولة عن توعية المواطن لرفع الحيف عن عملتنا. مضيفاً لـ (الشبكة): «ان البلدان المتقدمة تحترم عملتها النقدية، خاصة الورقية منها، فهي تحرص دائماً على إبقاء عملتها متداولة بشكل مستمر».

ويشير إلى أن السلطات المالية في دول العالم، تتبع سياسات منظمة في «مراقبة» عملتها وهناك إجراءات مستمرة في سحب العملات التالفة واستبدالها، لأن الاهتمام بالعملة الوطنية سلوك حضاري، وهو من مؤشرات سيادة الدول.

المصارف وشروطها

تشترط المصارف مقابل تسلم العملة التالفة أن لا تكون «ممزقة إلى ثلاث قطع»، ولا تكون عليها «آثار زيت أو دم» أو تكون «مطمورة بالتراب».

وتؤكد ليلى خضر ـ موظفة في مصرف الرافدين ـ إن «رفض المصارف تسلم أوراق نقدية ممزقة يخضع لضوابط من البنك المركزي التي ذكرناها آنفاً»، مضيفة:»إذا كانت لدى البعض كمية من العملة التالفة يمكن أن يغيرها في البنك المركزي، مقابل استقطاع مبلغ 10% من القيمة الكلية».

ويبين الخبير الاقتصادي ماجد الصوري أن «القيمة النقدية التالفة مهما كانت فئتها لها تأثير كبير على مستوى دخل الفرد بصورة عامة لأن استخدامها يؤثر على مستواه المعيشي».

ويضيف الصوري لـ(الشبكة) إن «التعامل بالعملات التالفة يعدّ إجراءً غير قانوني»، مشدداً بالقول:» على كل مصرف أن يستقبل كل عملة تالفة ويستبدلها بجديدة صادرة عن البنك المركزي».

وكان البنك المركزي قد أعلن في وقت سابق أنه يعمل على إصدار عملات معدنية صغيرة باللغتين العربية والكردية لمعالجة السيولة النقدية في العراق. وكان مسؤولون في البنك قالوا إن «البنك» يفكر في استحداث نقود معدنية كجزء من خطته لإعادة هيكلة العملة.