الغلاء ينغص ليالي الكريسمس في أوربا
آمنة عبد النبي – هولندا/
منظرُ “أكشاك” الميلاد اللطيفة وبسطيّات التنزيلات المتوزعة في المدن الأوربية، يمزق القلب ويُحزن سانتا كلوز المدلل، فما هي في الحقيقة إلّا محاولات “ابتداع”، وطرق أخرى للتعايش في منطقة اليورو مع مشقة الحياة الصعبة وثقل الأسعار التي خلفها كورونا والحروب المستمرة بتكاليفها، ليس على مستوى الناس فقط وإنما وصل الأمر الى اضطرار أكثر المتاجر الأوربية إلى حملة تخفيض كبيرة بالأسعار، “أوكازيونات” ينتظرها المستهلك الأوربي،
الغلاء ليس فقط بالنسبة إلى المواد الغذائية، بل صار يمسّ ويهدد بالزوال تقاليد ظلت راسخة مثل “شجرة الكريسمس” التي دخلت البيوت قبل أكثر من قرن ونصف قرن.
تقشف وحلاوة
“لا أنكر أن الأعياد هنا صارت مكلفة جراء الأزمة الاقتصادية التي تضرب أوربا ككل، لكن تبقى جمالية تقاليد ضخ أموال تسوق الهدايا تجبر العين..”
بهذا التعبير الممزوج بحلاوة وتقشف، بدأت “زينب عبد علي” خبيرة التجميل المُقيمة في العاصمة الهولندية امستردام حديثها، وأكملت قائلة:
“لا يمكن فصل الأزمات الاقتصادية التي تضرب حياتنا في أوربا، لكن مع ذلك فإن أجواء شهر ديسمبر (كانون الأول)، المدلل في العالم الأوربي، تمتاز بكل ما يجبر العين والقلب على استعادة ذكريات الطفولة التي تسربت بلمح البصر من بين أيدينا بسبب طول المسافات والغربة القسرية، وأكثر ما يعجبني في تحضيرات العيد إضافة لشجرة الميلاد والهدايا وسانتا كلوز، هو صنع مُعجنات من التراث التقليدي الهولندي الذي يعتاد الهولنديون على تحضيره في شهر ديسمبر تزامناً مع احتفالات الكريسمس، حيث تشبه القطعة لفة خميرة بالزعفران وَالكشمش، أنا سعيدة وأمنياتي لكل العالم أعياد ملؤها فرح وسعادة ومسرات الطفولة، كل البدايات أحبها واعتبرها حياة جديدة، وفرصة مثل أول الصباح وأول الأسبوع وأول الشهر، وتحديداً أول ديسمبر حيث الطقس المائل إلى البرودة.”
موروث وطفولة
الشيف (حيدر الفرطوسي) المُقيم في نوتردام، كانت له وجهة نظر مغايرة لأفراح رأس السنة الميلادية وبهجتها، إذ قال:
“في كل دول العالم تقريباً، هذا الشهر الميلادي هو أثقل شهر على الأب والأم من حيث الإنفاق المادي، ولاسيما محدودي الدخل، لأنه لزام عليهم شراء الهدايا ووضعها تحت شجرة الميلاد لكل أفراد الأسرة، سواء أكانوا أطفالاً أو كباراً بالسن، وهذا جزء من الموروث الثقافي، اليوم، وأثناء ممارستي لهذه الطقوس، وأقصد شراء بعض الهدايا، وفي وسط الزحام الشديد، واجهتني سيدة إفريقية بسيطة الحال والهيئة، وبما أني خبير ملامح، فقد توقعتها إما من أثيوبيا او إريتيريا، السيدة كانت حزينة، إذ انبثقت من صدرها حسرة كبيرة، خرجت من أعماق صدرها، نفثتها في وجهي، وكان يتبعها ابنها ذو العشرة أعوام تقريباً وكان هو الآخر يملأ وجهه الحزن والحسرة، يا ترى ماذا أراد الطفل من هدية ولم تستطع أمه تلبية طلبه بسبب ضيق الحال؟ لأن ضيق الحال قطعاً هو جبل يجثم على صدر الأبوين في كل مكان، وهذا ما لا يدركه الأبناء.”
نجاح وبداية
المصور الصحافي في الوكالة العالمية (حسين فلاح)، الذي استقبل العام الجديد ونهاية ديسمبر بنجاحات وفوز مستحق قطعاً، يقول:
“أحب شهر ديسمبر لأنه شهر حصاد ثمار السنة بالنسبة لي في التصوير الصحفي، والحمد لله للسنة الرابعة كان لي نصيب بالفوز بأفضل صور العام في وكالة الصحافة الفرنسية afpphoto التي اختيرت من مجموع مليون صورة سنوياً تقريباً لـ 4000 مصور حول العالم يعملون في وكالة الصحافة الفرنسية، لتكون إحدى صوري ضمن أفضل 120 صورة لعام 2023 حول العالم.”
كرنفال وسفر
“ديسمبر في أوروبا يفوح بالمتعة والاحتفال، حين تضيء أسواق عيد الميلاد والأنوار والديكورات وغيرها من عوامل الجذب المتعلقة بالسفر..” بحسب ما يعتقد الطالب المغترب (علي عدنان)، الذي أضاف:
“يوفر ديسمبر فرصة لتغيير (مود) الدراسة، وقضاء وقت ممتع مع الأصدقاء، ولاسيما في معظم المدن في شرق أوربا، التي تمتاز بطقس نموذجي خلال هذا الشهر، لأن مدن أوربا الغربية حالياً باردة جداً، وقطعاً لا تتيح متعة كافية، شخصياً أنا وأصدقائي كانت وجهتنا إيطاليا، حيث يقام سنوياً كرنفال البندقية الجميل الرائع في فبراير (شباط)، ويعتبر حدثاً رائعاً في أوربا، حيث تضفي الأزياء المتقنة والأقنعة الجميلة على الحياة تاريخاً مُلوناً لمدينة تزخر بالقنوات المائية والمشاحيف.”