
القصر العباسي.. تحفة معمارية تغفو على ضفاف دجلة
عامر جليل إبراهيم تصوير/ حسين طالب
يعد القصر العباسي من الأبنية والمعالم الأثرية المهمة في بغداد، التي تمتاز بطراز خاص في العمارة الإسلامية. يعود بناؤه إلى القرن السادس، وقيل السابع الهجري (القرن الثاني عشر/ الثالث عشر الميلادي). وينسب بعض الباحثين بناءه، الذي يتجاوز تقريباً 9 قرون، إلى الخليفة العباسي الناصر لدين الله.
مجلة “الشبكة العراقية” زارت هذا القصر، وتجولت في أروقته، ضمن تغطياتها المستمرة للتعريف بآثار العراق، بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2025، برفقة الباحثة الآثارية ومنقب آثار ثانٍ، كرامة هاشم عبد الرضا، لتحدثنا عن هذا المعلم التاريخي قائلة:
يعتبر القصر العباسي من الأبنية والمعالم الأثرية المهمة، وهو مبني من الآجر، ويتكون من 40 غرفة مع القاعات، وبيت الصلاة والإيوان، فتصبح مرافق البناء بشكل عام 48 مع القاعات الكبيرة. تتقدم المبنى واجهة ضخمة تطل على ضفاف نهر دجلة، يتوسطها باب خشبي من مصراعين، عند الدخول منه ترى مجازاً عريضاً يؤدي إلى منفذين، أحدهما إلى الصحن والغرف الصغيرة، والآخر إلى القاعات الكبيرة.
هيبة البناء
تضيف عبد الرضا: يتكون القصر من طابقين من الغرف تطل على رواق، يطل بدوره على الصحن. وتنقسم الغرف إلى جناح شرقي وجناح غربي. وأجمل ما يميز عمارة القصر العباسي هو فنها المعماري الذي يضاهي العمارة في الوقت الحاضر، فتلاحظ أهم السمات المعمارية فيه، المتمثلة بسمك جدرانه الذي يزيد على المتر، وهذا ما جعل الأثر مقاوماً إلى الفترة الحالية، فضلاً عن كونه عازلاً للضجيج الخارجي. كما أن البناية بفضل هذا السمك ذات حرارة متوسطة، غير حارة في الصيف ولا باردة في الشتاء. ومن المميزات المعمارية أيضاً للقصر ارتفاع الغرف والقاعات في طابقي البناء، الذي نسميه في الوقت الحالي (دبل فاليوم)، ما أعطى البناية نوعاً من الفخامة والهيبة. كما نلاحظ أيضاً أن مادة البناء من الآجر، إذ كان الطين المفخور يشوي بدرجات حرارة عالية، ويستخدم للجدران والسقوف والأرضيات، حتى تكون البناية أكثر قوة ومقاومة. أما الآجر الآخر الذي يستخدم في الزخارف فكان يعرض إلى درجات حرارة متوسطة وخفيفة حتى يستطيع المهندس المعماري النحت على الآجر بكل انسيابية ومطاوعة.
تقول كرامة: إن أجمل ما يميز القصر العباسي من الناحية الفنية انتشار زخارف (الأرابسك) التي نراها في سقوف ممرات الطابق الأرضي على شكل مقرنصات خلايا النحل، تتخللها زخارف الأرابسك الإسلامية، وتسمى في الوطن العربي بـ (الرقش العربي)، وأصل هذه الزخارف من العراق، ثم انتشرت إلى العالم العربي ثم إلى أوربا. ويمكن أيضاً ملاحظة أن بعض القاعات توجد فيها نوافذ، وبعضها الآخر فيها سقوف تشبه القباب، لكنها زجاجية، الغرض منها توفير الإضاءة الطبيعية. كما نلاحظ أيضاً في إحدى القاعات منافذ للتهوية، أو ما يسمى (البادكير)، الغرض منها إدخال الهواء الصحي وإخراج الهواء غير الصحي.
البارود خانة
أثناء تجوالنا في القصر، رافقتنا أيضاً الدكتورة ندى عليوي لعيبي، معاونة رئيس أبحاث، لتكمل الحديث قائلة: بعد سقوط الدولة العباسية استخدم العثمانيون القصر العباسي كمخزن للسلاح، وسمي بـ(البارود خانة)، وأصبح جزءاً من القلعة العسكرية آنذاك، وحصلت فيه بعض الإضافات والتشوهات في تلك الفترة، فقامت دائرة الآثار والصيانة عام 1934 بوضع يدها عليه وأزالت الأبنية الحديثة التي شوهته، وقامت بصيانته وفق الطرق المتبعة وبنفس تخطيطه القديم حتى يحافظ على قيمته الأثرية.
حضارة العراق
تعود كرامة لتختتم حديثها قائلة: هناك روايتان لعلماء الآثار والمؤرخين حول هذا المَعلم، إن كان قصراً أو مدرسة، فالأستاذ ناجي معروف -مثلاً- يذهب إلى الرأي الذي يقول إنه مدرسة، لوجود تشابه بينه وبين المدرسة المستنصرية من ناحية مواد البناء والتخطيط المعماري والزخارف، لكن المَعلم الذي نتحدث عنه أصغر حجماً، كما توجد رواية تقول إن شرف الدين أمثال الشرابي كان وزيراً للخليفة المستنصر بالله، فبنى المدرسة الشرابية لكسب ولائه، وهي الأثر الذي نتحدث عنه هنا.
وتمضي بالقول: إن قسماً آخر من علماء الآثار والمؤرخين، ذهب بالرأي إلى أنه قصر، فهناك رواية أخرى تقول إن الرحالة ابن جبير رأى الخليفة الناصر لدين الله يدخل القصر، وكان بيت، أو منزل، الرحالة ابن جبير بالقرب من القصر، كما أن طبيعة البناء والأزوار في مدخله أعطياه نوعاً من الاستقلالية والقوة في البناء، ما يدل على أنه قصر، أو دار علم خاص بالخليفة. ومن الأساتذة الذين ذهبوا بهذا الرأي الأستاذ يعقوب سركيس، والعلّامة مصطفى جواد. مشيرة في الوقت نفسه إلى أن المَعلم جرت فيه أعمال صيانة جزئية في عامي 2019، 2021. وأخيراً لا بد لي من القول إن القصر يعكس لنا حضارة العراق في الفن والعمارة والعلم منذ آلاف السنين.
عاصمة السياحة
بدوره، حدثنا مدير قسم الإعلام في الهيئة العامة للآثار والتراث، أحمد المختار، قائلاً: جهود الإعلام مستنفرة بكل موظفيها بخصوص اختيار بغداد عاصمة السياحة العربية لعام 2025، ومن واجبنا توفير الدعم لجميع القنوات الفضائية والصحف والمجلات، والتنسيق معا لإظهار بغداد بأبهى صورها، وبما يليق بمهد الحضارات. مبيناً أن التنسيق مستمر بين مفتشيات الآثار في جميع محافظات العراق للتعريف بالأماكن الأثرية. مشيراً إلى أن العمل جار على إزالة جميع التجاوزات على المواقع الأثرية.