القطّاع الخاص يفضّل الأجانب وحَمَلة الشهادات في العراء!

787

ريا عاصي /

اشتهرت المدن العراقية بأسطوات وحرفيين وصنّاع تعمّرت بهم المدن وكبرت.. فأشهر أسطوات البناء في بغداد، وأفضل الحدادين وصناع “العِبي” النسائية والرجالية تجدهم في النجف، وأفضل الحلوانيين والنجارين والخزافين في كركوك، وأفضل النساجين بين قماش وسجّاد في الحلة، وأفضل صانعي(الكفّة) من هيت، وأفضل من حاك جريد النخل وأفضل من زيّن المآذن وقباب الجوامع أسطوات كربلاء،وأفضل صاغة الفضة في العمارة، وأفضل تجار العسل في السليمانية، وثمة الكثير من المهن التي اندثر جزء كبير منها بعد دخول المكننة أو بسبب الحروب.
الأسطة العراقي وأزمة العمل
في الحرب العراقية الإيرانية سيق للجبهات خيرة أسطوات البلد من المهن والحرف كافة، ما حال دون تعلم الجيل الجديد أسرار الصنعة من آبائهم وأسطواتهم، لذلك اضطر البلد إلى الاستعانة بالعمالة الخارجية فاستقدم العراق حينها أكثر من ثلاثة ملايين عامل مصري وسوداني وباكستاني للقيام بالأعمال التي ذهب عمالها المهرة إلى الحرب، وهذه الأعمال تحتاج الى خبرة تراكمية ومعرفة بالصنعة وبمتطلبات السوق، ولم تكن خبرة هؤلاء في الصنعة تقارن بخبرة الأسطة العراقي.
بعد حرب 1991 وفرض الحصار صار المواطن العراقي متعدد المواهب، فنظراً لغلاء المعيشة وعدم توفر السيولة النقدية اضطر الجميع إلى تعلم كل طرق صيانة المنازل وترقيع ما يمكن ترقيعه من خزانات المياه وإعادة تأهيل أثاث المنزل وإعادة تدوير الثياب وتصليح الأجهزة الكهربائية المنزلية وغيرها من الأعمال التي أنتجت لنا جيلاً يعرف نصفاً من كل شيء، فهو نصف فيتر ونصف كهربائي ونصف نجار ونصف حداد وحتى نصف خياط ملابس..أما الطبقة التي هاجرت خارج البلاد فهي أيضاً اشتهرت بالعمل في المجالات كافة.
الأَنَفة من بعض الأعمال
بالرغم من ذلك ظل كثير من العراقيين يستنكفون من العمل في الأعمال التي تخص التنظيف والتضييف. لذلك نرى اليوم المطاعم والمحال ملأى بالعمالة الأجنبية، ولا سيما البنغالية، في الوقت نفسه نشهد بين الحين والآخر اعتصامات لشباب خريجين لم يجدوا (تعيينات) في دوائر الدولة رغم أنهم حملة شهادات عليا، يتجمعون أمام وزارات ودوائر حكومية ونقابات عراقية في بغداد والمحافظات ويطالبون بتعيينهم ضمن كوادر الدولة والقطاع العام، علماً أن نسبة البطالة في العراق تبلغ 40% حسب تقرير صندوق النقد الدولي للعام 2018، وأن عدد سكان العراق يقارب الـ 40 مليون نسمة، ونصف هذا العدد تتراوح أعمارهم دون الـ 19 سنة، وبحسب هذه المعطيات فإن نسبة البطالة في تصاعد مستمر، في حين أن الجهاز المركزي للإحصاء العراقي أعلن أن نسبة البطالة في العراق للعام نفسه بلغت 22.6%.
لماذا الوافد وليس العراقي؟
أم ابراهيم، (أربعينية، صاحبة محل ومركز تجميل في اليرموك) قالت لـ”الشبكة: “أعمل في هذه المهنة منذ عقدين، تدربت وتعلمت المهنة لدى مركز للحلاقة وكانت مدربتي عراقية وحصلت على شهادة، تعمل في مركزي اليوم ست عاملات في مجال البشرة أربعة منهن من شرق آسيا واثنتان فقط من العراق، أما الحلاقون فلدي شابان من لبنان، وأنا أفضّل العمل مع العاملة الآسيوية اذ أنهن يعملن عشر ساعات متواصلة ولا يتطلبن كثيراً وملتزمات بساعات العمل، على عكس العراقية التي تطلب أجوراً أكبر ولا تلتزم بالمواعيد كما أنهن ما إن تعرض عليهن فرصة وظيفة في شركة أو مكتب يفضلنها لأنهن يفضلن عمل المكاتب بدل الوقوف لساعات طوال اثناء العمل”.
علي ربيع، (خمسيني صاحب مطعم في العرصات) يقول: أفضّل الأجنبي على العراقي لأنه أدق في عمله وأكثر صبراً، كما أن أهم مقومات المطعم النظافة، العامل الأجنبي لا يستنكف من غسل الحمامات وتلميعها في حين يرفض العراقي ذلك، لذا أغلب عمالي من البنغاليين لأنهم قليلو المشاكل ولا يأنفون من تنظيف الحمّامات!
مكاتب تشغيل عمال أجانب
في مواقع التواصل الاجتماعي كثير من مكاتب توظيف الخادمات الأجنبيات، اتصلت ببعض المكاتب وادعيت أن لي ابنة من ذوي الاحتياجات الخاصة وأرغب في الحصول على خادمة مقيمة في المنزل فجاءتني أغلب الإجابات بالرفض، وقال أغلبهم بأنه يمكن أن يوفر خادمتين في اليوم بدوام 12 ساعة وبذلك يغطي 24 ساعة مقابل عمولة 400 دولار فقط للمكتب غير أجور العاملتين.
مكتب آخر وافق على حصولي على عاملة خدمة منزلية مقيمة على أن أدفع رسوم إقامتها وضمانها الصحي التي تقارب العشرة آلاف دولار.
سألت عاملة من النيبال تعمل في مركز للعناية بالبشرة، فقالت: فرق العملة ينفعني جداً فانا أعمل منذ أربع سنوات وأرسل الأموال الى أهلي لأعود ويسافر أخي بدلاً عني، تقول إن إقامتها على صاحب المركز وهي تسكن في المركز ذاته وتعمل أكثر من 12 ساعة في اليوم، وبعد أن يغادر الجميع عليها التنظيف قبل النوم ولا يمكنها التمتع بإجازة لأنها تسكن في مقر عملها.
م.ح (مواطن بغدادي ثلاثيني) قال إن أغلب العمال في المحال التجارية والأسواق من الأجانب هم عمال قدموا مع الشركات الاستثمارية الكبرى، وحين انتهاء عقودهم تسربوا للعمل دون إقامة، وهناك تواطؤ من بعض موظفي وزارة الداخلية التابعين لدائرة الإقامة، الذين يعطون هؤلاء أوراقاً وقتية (وثيقة إقامة) حسب المادة (11) من قانون إقامة الأجانب رقم (118) لسنة 1987 وتعديلاته، اذ يقول نص القانون فيها (على كل أجنبي يرغب بالبقاء في الجمهورية العراقية اكثر من المدة المسموح له بها في السمة أن يحصل قبل انتهاء تلك المدة على وثيقة إقامة من ضابط الإقامة لمدة لا تزيد على سنة وله قبل انتهاء هذه المدة بشهر واحد أن يطلب تمديدها من ضابط الإقامة سنة أخرى ويجوز أن يتكرر ذلك لعدة مرات)، ومن الجدير بالذكر أننا أرسلنا أسئلة بهذا الصدد إلى عدد من الضباط في دائرة الإقامة فرفضوا الإجابة.
العراقي أفضل
زين محمد (شاب ثلاثيني صاحب كافتريا في العرصات) يقول: تدربت سنوات عدة على كيفية تطوير المهارات، ما جعلني مؤمناً بالقدرات العراقية، أرفض أن يعمل في الكافتريا لدينا غير العراقيين لإيماني بأن العمالة العراقية إن طورتها ستحصل على خدمة أفضل تغنيك عن مشاكل الإقامة وكل ما يتعلق باستيراد الأيدي العاملة، لذا حين أطلب عامل خدمة سواء لتقديم الطلبات أو لوظيفة مسؤول قاعة أو طباخ أعمل دورة تدريبية للعامل أطور فيها أسلوبه في التعامل وطرق كسب الزبائن، كما أن العلّة الحقيقية في العامل العراقي هي أسلوب التعامل، فنحن العراقيين قليلو صبر وانفعاليون وهذا لا يصلح مع العمل التجاري والخدمي.
مفيد عباس (أربعيني صاحب محل للألبسة الرجالية) يقول: طبيعة عملي تفرض عليَّ التعامل مع عمال عراقيين، لأنني أبيع الألبسة في العراق لذا احتاج من يفهم اللغة ويعرف طبيعة الناس، إلا أن الأجنبي أرخص وأكثر التزاماً، ونحن نسعى للحصول على أفضل العمال.
دريد الصفار (أربعيني يمتلك محلاً لبيع التجهيزات المنزلية) يقول: لا يعمل عندي الا العراقيون لكن حين أحتاج إلى عشرة فعليّ تشغيل أربعين لأختار منهم عشرة من ذوي المؤهلات المطلوبة، إذ أن المعروف عن العمالة العراقية عدم الانضباط والتذمر، لذا عليك أن تدير عملك وأنت تراقبه لتتأكد من عمله بدقة.
ماذا نحتاج؟
كي تصبح العمالة العراقية مرغوبة علينا أن نشخص الأخطاء لنجد الحلول. وعلينا ألّا نستهين بأية مهنة ولا نحط من قدر من يعمل بها، لأن كل المهن محترمة ما دمت تعمل بجهدك الشخصي، أغلب شباب بغداد لا يعرفون السبل الحديثة في التقديم على عمل، والعالم يتقدم لذا علينا زيادة وعينا وتقبّل الجميع لنطور كل المهن التي تسهم ببناء عراق جديد خال من الفساد، ناهيك عن تفعيل دور النقابات التي غابت أو غيّبت