الكتابات على الجدران.. فوضى تشوّه المدن وتلوثها بصرياً

916

بشير الأعرجي – تصوير: صباح الامارة/

من النادر جداً أن تمّر قرب جسر او جدار لدائرة حكومية او مدرسة دون ان تجد خربشات مكتوبة بأصباغ ملونة لعبارات كتبها مراهقون او كلاماً بذيئاً او اعلانات عن خدمات مختلفة، او عبارات اخرى -وهي الأكثر- لأرقام هواتف اصحاب سيارات سحب المركبات (الكرينات)، والجميع يكتبون على جدران الغير دون مبالاة.

ومع ان بعض تلك العبارات تلامس الحياة السياسية او تعبّر، نوعاً ما، عمّا يجول في بال من يخطّها لأسباب مختلفة، لكنها وتترك جروحاً غائرة على الجدران تلوث مناظر الطرق والمدن، لأن ما مكتوب، يمثل فوضى تقضم كتف كل ما هو جميل في بلدنا، فكيف نوقف زحف الأصباغ النشاز والكتابات الفوضوية من على جدراننا؟

دمار بَصَري

من يتجوّل في مناطق بغداد يجد الكم الهائل من العبارات التي تظهر أرقام هواتف اصحاب سيارات (الكرين)، والمفارقة ان الكثير منّا حفظ تلك الأرقام لشدة ما تعرض له يوميا من قراءتها وفي كل مكان، سواء الصبات الكونكريتية على الطرق السريعة او التقاطعات او علامات المرور الدالة، وفي اي مكان نتوقعه او لا نتوقعه، وكأن اصحاب تلك السيارات لا يبالون بحجم الدمار البصري والمادي الذي يحدثونه على الجدران مقابل الحصول على اتصال هاتفي من سائق مسكين تعطلت مركبته ويحتاج لمن ينقذه من هذا الموقف.

حساب القانون

توجهنا الى امانة بغداد، وهي الجهة المسؤولة عن رفع اي تجاوزات على ممتلكات العاصمة المادية منها او (المكتوبة) على الجدران العامة، وطرحنا سؤالنا: هل القانون يحاسب من يكتب على جدران ممتلكات الدولة؟

الإجابة جاءت بالإيجاب من المتحدث باسم امانة بغداد حكيم عبد الزهرة، وقال لـ”الشبكة العراقية” على الفور: “نعم القانون يحاسب.”
وقبل ان يكمل عبد الزهرة حديثه وضعنا بين يديه مجموعة من شواخص التجاوزات، وخصوصا من اصحاب سيارات (الكرين) الذين يرفقون ارقام هواتفهم مع كل عبارة مكتوبة، وزدناه بالقول ان مباني حكومية ضخمة ومدارس عديدة وجسورا ومجسرات لوثها البعض بعبارات واشعار وكلمات غزل دون ان تنحسر هذه الظاهرة مع وجود قانون يحاسب المسيئين، فأجاب: “بدأنا بملاحقة من يكتب على الجدران والنصب والتماثيل والبنايات، عبر تسجيل دعاوى قضائية ضدهم، لان هذه الحالة شوهت معالم العاصمة”.

استدراج اصحاب الكرينات

وعن المعالجات الحقيقية والملموسة لمحاسبة المقصرين، تابع المتحدث باسم امانة بغداد قائلا: “السيطرة على ظاهرة الاعتداء على المباني الحكومية والخاصة لا تتم عبر وضع شرطي امام اي مرفق عام وخاص، انما بالملاحقات القضائية وزيادة الوعي والثقافة بأهمية المحافظة على جمالية المدن وعدم العبث بها”.

سألناه: هل حققتم نتيجة ملموسة في محاسبة المقصرين؟ فأجاب: “قامت بلدية الرصافة باستدراج احد اصحاب الكرينات الذي وضع رقم هاتفه على العديد من البنايات والجدران في الشوارع العامة، واتصلوا به لغرض التعرف عليه لتأكيد هويته، وبالفعل تم ذلك، ورفعت البلدية دعوى قضائية ضده امام المحاكم المختصة، وهذه واحدة من حالات المتابعات القضائية بحق المخالفين البعيدين عن اي ذوق او ثقافة”.
استلاب لحق الآخرين

قضية نقص الثقافة التي اشار اليها المتحدث باسم امانة بغداد كانت لها بدايات، فبعد سقوط النظام في 2003 ظهرت ممارسات الكتابة على الجدران، وغالبا ما اخذت طابعا سياسيا.

يقول الناشط المدني وليد جمال ان “محددات الحرية والتجاوز على المال العام والبنايات الحكومية ضاعت حدودها، ووصلت الى مرحلة الفوضى.” واضاف جمال لـ”الشبكة العراقية” ان “التنفيس عن الذات ضروري جدا وحق في المجتمعات الديمقراطية، لكنه يجب ان يكون ضمن حدود المعقول وباستخدام الوسائل الصحيحة”، وتابع بالقول “اصبحت وسائل التواصل الاجتماعي اهم تلك الطرق واغناها في التعبير عن الذات، وشتّان ما بين كتابة منشور في الفيسبوك ومناقشته بوعي، وبين الدعوة الى العدالة الاجتماعية او البوح عن المشاعر عبر الكتابة بالأصباغ على جدار مدرسة او جسر وربما احد دور العبادة”.

مَن أمنَ العقاب

في منطقة العطيفية ببغداد، وفي ليلة وضحاها كتب احد الأشحاص ثلاث عبارات على بناية مطبعة البلديات الحكومية، وهي تقع قرب احدى السيطرات الأمنية في المنطقة، وكل عبارة تشير بسهم الى وجود عبارة اخرى على جدار آخر لمتابعة ما مكتوب، ولا تبتعد تلك العبارات عن كلام يدين “الإساءة”، وكأن هذا الفعل ليس تجاوزاً او اساءة!

الأمر لا يتعلق ببغداد فقط، انما انتشر في البصرة، اذ التقت “الشبكة العراقية” برجل خمسيني، طلب عدم ذكر اسمه، وقد كتب على جدران البنايات والجسور في المدينة عبارة موحدة وباللون الاحمر “لا بعثية بعد اليوم”، وحينما سألناه لماذا تكتب بهذه الطريقة فأجاب “انها الحرية والديمقراطية، البعث اعدم 14 شخصا من عائلتي، وسأستمر بالكتابة على اي جدار أجده”.

في حي الجهاد غربي بغداد، وعلى جدار أحد جوامعه، امتلأ السور الخارجي بمجموعة ارقام هواتف، وكل منها يشير الى تقديم صاحب الهاتف لخدمة ما، من نصب اجهزة التبريد او خدمات كهربائية وحتى حفر الآبار!.

وهذه المشاهد تتكرر في أكثر من مدينة، لكن المشكلة ليست فيمن يكتبها، انما في عدم وجود من يدعو لعدم التجاوز على حرمة المباني الحكومية وبيوت الله، وكأن تشويه البنايات مهمة الدولة فقط.

قوة القانون

المتحدث باسم امانة بغداد قال “من يكتب على الجدران الحكومية والجسور يبغي مصلحة خاصة او ترويج لخدمة ما، فيما يكتب الآخرون من باب الجهل وقلة الذوق وعدم المسؤولية، وهؤلاء سيتابعهم القانون”.