الكتابةُ على الجدران تشوّه منظر المدن وتعتدي على الذوق العام

884

 حسين محمد عبد فيحان /

أحبج هيفاء.. كرين للأجرة.. طشرنة الوكت مو جنّا خوّان.. الخوّة النظيفة كانت هنا.. مبروك صبغ الجدار.. سيف الأسطورة.. شمسوي للوكت خلاني هيج..

انفعالات عاطفية وسلوكية، تدفع أصحابها الى التعبير عنها بأسلوب خادش للحياء، سواءً فيما يكتب على جدران الشوارع أو في دورات المياه بالمدارس والحدائق العامة وجدران الصفوف.

شوارع العاصمة بغداد نالت نصيبها من التخريب والتلويث، بعد أن تحولت إلى سبورة يعبّر فيها بعضهم عن سلوكهم بكلمات تخدش الحياء حيناً وتشمئز منها النفوس حيناً آخر، فضلاً عن كونها تمثل استلاباً لحقوق الآخرين وتجاوزاً على الذوق العام.

أحبج هيفاء!

أحدهم ملأ جدران الشوارع بعبارة (أحبج هيفاء) ابتداءً من منزلها في أحد أحياء العاصمة بغداد وحتى مكان عملها في إحدى وزارت الدولة, لم نتمكن من الوصول له ولا لـ هيفاء, غير أن أحد ساكني المنطقة (أبو احمد)، رجل في العقد الرابع من عمره, روى لـ “الشبكة” جانباً من قصة “هيفاء” مبيناً أن هيفاء تسكن في بيت مجاور لبيت الشخص المتيّم بحبها, وقد تقدم الشاب لخطبتها أكثر من مرة, ولكنه كان يجابه بالرفض من قبلها وعائلتها, الأمر الذي دفعه الى كتابة اسمها على جدران منطقتها وقريباً من محل عملها، وكثيراً ماعمل الأهالي على مسح كتاباته التي شوّهت الجدران، لكنه كان يعود للكتابة مرة أخرى.

كرين للأجرة ومبروك الصبغ!

في مداخل العاصمة وحتى بين أزقتها تتشابه لافتة “كرين للأجرة” وبجانبها او تحتها رقم هاتف صاحب الكرين، اتصلنا برقم لصاحب الكرين وسألناه عن سبب كتابة رقمه على الجدران، دافع الرجل الذي قدم العديد من المبررات بينها أن رزقه هو الذي يدفعه الى كتابة رقم هاتفه في أماكن مختلفة، ولولا ذلك لما اتصل به الناس، وقال الرجل بامتعاض من سؤالنا: بغداد التي تقطع أوصالها التجاوزات لم يبق فيها رصيف أو ساحة عامة أو أرض خلاء لم تطلها تلك التجاوزات، وأين أنتم من اللافتات التي تنتشر في قلب شوارع بغداد وتشوهها، فقط أثاركم رقم الكرين؟ ونحن نساعد أصحاب السيارات العاطلة في الشوارع فننقلهم الى ورش التصليح.

وما أن انتهى أحدهم من بناء منزله الجديد وقام بطلائه بألوان جميلة وبرّاقة حتى فوجئ في اليوم التالي بعبارة طويلة وبخط سيئ تهنئه على انتهاء عمله وتبارك بالبيت والطلاء الجيد (مبروك الصبغ) و (عاش ذوقك على هذه الألوان)!!

الخوّة النظيفة

الخوّة النظيفة، اسم لصفحة على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك, ذاع صيتها وشهرتها وازداد عدد أعضاء الصفحة خلال السنتين الأخيرتين, ليصل الى أكثر من ثلاثة ملايين مستخدم من عموم محافظات العراق والعاصمة بغداد, وقد تميز أعضاء الصفحة بمواقفهم الإنسانية والوطنية ونبذهم للطائفية بشكل واضح وصريح, لم يلتق اثنان أو مجموعة من أعضاء الخوّة النظيفة في أي مكان من العراق, إلا وكتبوا على الجدران القريبة منهم ( الخوّة النظيفة كانت هنا) ربما هذا جزء من الدعاية لـ “الخوّة النظيفة”.. لكنهم يشوهون المكان بالطبع!

شكاوى

مديرة إحدى المدارس الثانوية للبنات في بغداد (ل.م) قالت لـ (الشبكة): إن العديد من طلاب مدارس البنين القريبة من مدرستها ينالون من طالبات ومدرسات المدرسة عبر كتاباتهم على الجدار الخارجي, الأمر الذي أدى الى مسكهم من قبل الحراس الأمنيين ومعاقبتهم.. وطلاء الجدار لمسح العبارات منه, لكن الحالة تتكرر بين الحين والآخر..

فيما اعتبرت رواء علي، 23 عاماً, الطالبة في كلية الإعلام بجامعة بغداد في حديثها لمجلة “الشبكة”: أن تشويه المباني العامة من أجل إرضاء شخص أو عدة أشخاص أو تحقيق أهداف تجارية وإعلانية تجاوز على الآخرين، وهي ظاهرة خطرة وسلبية، متمنية على أولئك الأفراد الذين يكتبون على الجدران اللجوء لمواقع التواصل الاجتماعي ببرامجها المختلفة للتعبير عما في داخل أنفسهم من مشاعر وأحاسيس وعواطف جياشة..

توعية وإرشاد

وعن أسباب لجوء الشباب لممارسة هذه (الظاهرة) وانتشارها بشكل واسع مؤخراً، يؤكد الدكتور رياض الحمداني، أستاذ علم النفس في كلية الآداب بجامعة بغداد لمجلة “الشبكة”: أن ظاهرة الكتابة على الجدران ومن جانبها النفسي تفريغ لطاقات الشباب بأشكال متعددة, منها الشكل العاطفي أو بشكل علاقات أو بشكل اقتصادي أو تمجيد بشخصية معينة, وكل ذلك بسبب الفراغ الذي يعانون منه, أما تلك التي تنال من الآخرين فهي بسبب أمراض نفسية يعاني منها أصحابها, لكن يجب ألا يكون ذلك على حساب الحق العام وممتلكات وحقوق الآخرين, داعياً الى ضرورة التوعية المدرسية والدينية والاجتماعية للحد من سلبيتها, وإرشاد الشباب للتعبير عن ذواتهم بطرق حضارية..

سلوكية سيئة

من ناحية نفسية، قال الاختصاصي النفسي محمد الهرموش: “الكتابة على الجدران تمثل ظاهرة سلوكية سيئة، لها أسبابها المكبوتة بداخل فاعلها، يخفيها الشخص عن المحيط الذي يوجد فيه، ويريد أن يعبّر عنها بطريقة الكتابة على الجدران والحمّام؛ فهما المكانان الوحيدان اللذان يتمتع فيهما الشخص بخصوصية لا يجدها في أي مكان آخر، والشخص لا يخاف أن يُفتضح أمره، إلا أنه يباشر الكتابة والرسم لقناعته بأن الناس، بالرغم من دخولهم إلى هذه الأماكن، لن يتعرفوا عليه”.. معتبراً إياها سلوكيات شاذة. وبيّن أنه لعلاج هذه الظاهرة يجب تدخل الاختصاصي النفسي لتعديل السلوك باستخدام خطة علاجية، وتبديلها بسلوك حسن.