الكتاب.. تسعيرة جديدة مقابل مسح زجاج السيارات

1٬347

الشبكة العراقية/

“دار ثقافة الأطفال” حلم طفولي جميل وعطر ذكرى شفافة تملأ صفحاتها المائلة للون الأصفر، نقلب صفحاتها بمنتهى الرقة كأننا نمسك بنسيج رقيق جدا من الحرير، وتصيب اناملنا الرعشة لحظة تلامس الكلمة واللون والخط، نعود بالزمن بومضة لنسمع اصوات آلات المطابع وأحاديث ناسها ولهفة كل من ينتظر اصدارها آنذاك، على مر السنين اصدرت الدار آلاف العناوين المهمة، التي غذّت العراق والعالم العربي، ودول الخليج تحديداً، ووصلت مبيعات إصداراتها من مجلتي “مجلتي” و “المزمار” الاسبوعيتين إلى نصف المليون نسخة أسبوعياً.

أما اليوم، فقد بدا على وجهها الشحوب وباتت تتكدس أعدادها في المخازن، فلا لهفة لتصفحها ولا انتظار، تمر الدار بأزمات تطول الحلم وتكاد تطيح بضحكة طفل تواق للخيال، تارة لا تجد مأوى وتارة اخرى يتوقف اصدارها بسبب نقص مالي في الموازنة.

طفولة تتسوّل أحلامها

عادة ما يتكلم الكثيرون عن عصابات او منظمات تقود الاطفال المتسولين، وبغض النظر إن كان الامر صحيحاً ام لا، إن كان مجبرا ام لا.. هل تساءلنا حقاً عن احتياجات هذا الطفل؟، خاصة لو صدقت تلك التقارير، أي ان الطفل أداة يستخدمها مجرمون أسوأ استخدام، بالتالي كل المبالغ التي يحصل عليها تذهب لنزوات بالغين دون أن تفي باحتياجات الحد الأدنى من طفولته..لمَ لا يكون أجر مسح الزجاج الأمامي للسيارة كتابا أو مجلة للأطفال؟

قد يبدو الأمر بطراً أو طوباوية بالنسبة للبعض.. ولكن هلا فكرنا قليلاً؟ ان هذا الطفل بحاجة إلى مخيلة ومتنفس، بعيداً عن الامتهان الذي يمارسه – مجبراً – لكرامته وشخصيته.. بعيداً عن سطوة الكبار، بعيداً عن أدخنة السيارات وأغبرة الهواء الملوثة، مبادرة صغيرة جدا، بسيطة جدا، لكنها تمنح الاوكسجين لعالمنا كله، وتملأ سماءه ألوانا وزهورا، لا شيء مضمونا مما أفعله، وقد يكون الأمر أشبه بالنفخ في قربة مثقوبة، لكنني سأمارس هذا النفخ مادام الهواء يجري في رئتي، علّني أستطيع أن أخلق متنفساً لطفل ما من خلال قصص ومجلات مجلتي والمزمار، من خلال صور وسيناريوهات خيالية يكسر بها طوق هذا العالم المرعب الذي يلفه من كل حدب وصوب.. اجمل لحظة هي نظرة المفاجأة والابتسامة حين تخرج من مخبئها في عين الطفل وهو يقلب صفحات المجلة او كتاب الاطفال عندما تأخذه يده الصغيرة بلحظة مفاجأة جميلة.

عربة الطفولة!

صغيرة هي رؤوسهم تطل من نوافذها، وفي اعينهم تتسارع مرات اغلاق وفتح جفونها وهي تخزن صور الشارع في الطريق الى عالم جميل لم يروه سابقا لعدم قدرة اهليهم على اصطحابهم اليه، بل انهم لا يملكون أهلا من الاساس لاصطحابهم اليه! سيارة صغيرة بحجم اجسادهم الصغيرة قد وسعت احلامهم الكبيرة وتوقهم الى مشاركة اقرانهم كتابة قصة او رسم لوحة او عيش لحظة طبيعية يشعرون وقتها بالانتماء والدفء، حيث رأيناهم للمرة الاولى على احد الارصفة في بغداد يتبادلون الاحاديث والمشاغبات فاعطيناهم بعض أعداد مجلتي والمزمار واصطحبناهم الى ورشة كتابة القصة والرسم في عربة الطفولة، بات لديهم امل، بات لديهم طموح، بات لديهم وطن.

ألوان زاهية تسرق الأطفال من الأجهزة الذكية

صاحب احدى بسطات بيع الكتب في شارع المتنبي يوسف وهيب، يقول لـ”الشبكة”: إن “الاهالي اليوم باتوا يقبلون على اقتناء الكتب بشكل كبير، خاصة يوم الجمعة حيث نرى مساحات الشارع تملؤها ضحكات اطفال وركض ومشاغبات تشعل في نفوسنا الحماسة والشعور بالامل، ما يدفع الاهالي لتكرار زياراتهم واقتناء الكثير من كتب الاطفال خاصة ان الطباعة باتت متميزة اليوم، وهناك دور نشر كثيرة انتشرت في العراق، كما ان أسعار هذه الكتب معقولة وفي متناول اليد غالباً.”

يضيف وهيب: ان “اهتمام دور النشر وتطور وسائل الطباعة وتنوعها والتوظيف الصحيح للرسام والكاتب والمصمم تسهم في خلق كتاب يجذب الطفل من حيث اللون والصورة والنص ما يسهم في زيادة نسبة المقبلين على شرائه باستمرار، والاهتمام بجمع كتب الاطفال الساحرة لمخيلة الطفل ما يسهم في ابعاده عن عالم التكنلوجيا والالتصاق بها.”

دور نشر خاصة تسد عجز الدولة

يقول احمد الراضي، صاحب دار الفراشات الذي تأسس في 2014، ان “السؤال الدائم من قبل القرّاء عن كتب الأطفال قد دفعني الى تأسيس الدار، ولاجل الخصوصية التي يتمتع بها العراق، وازدياد مشاركة الكتّاب والرسامين العراقيين في المهرجانات العالمية، وتعاون دور النشر العربية والعالمية معهم، ارتأينا في الدار ان يكون التعاون محصورا مبدئياً مع الكوادر العراقية على مستوى الكتابة والرسم والتصميم.”

ويؤكد الراضي لـ”الشبكة” ان “الدار منذ بداية تأسيسها قد اصدرت أكثر من خمسين عنواناً خاصاً بالطفل، لقيت أصداء ممتازة من خلال المعارض التي شاركنا بها وأبرزها في قطر والكويت.”

ويلفت الراضي الى ان “الدار حققت مبيعات ممتازة، ولكن بالرغم من هذا، تحتاج الى دعم القطاع العام، من خلال اقتناء هذه العناوين لصالح المؤسسات التعليمية والشبابية كما يتم التعامل مع الدور الاخرى في العالم اجمع.”