الكمأ.. أمطارُ تشرين أنبأت بموسمٍ وفير

1٬008

بشير الأعرجي /

خلال الأسابيع الماضية، امتلأت محال الخضار والعديد من الشوارع داخل المدن أو على الطرقات الخارجية بين المحافظات بمحصول “الكمأ”، الوفير جدا هذا العام مقارنة بالأعوام الماضية، فأمطار شهر تشرين الأول الماضي أنبأت بموسم زاخر للكمأ الذي ينمو بلا جذر أو بذر.
الإنتاج الأفضل
يبدأ ابو سامر، وهو رجل في منتصف الخمسينات، يوم البيع بترتيب صناديق الكمأ وفرز الأحجام الصغيرة عن الكبيرة والأبيض عن الأسمر لغرض تسعيرها حسب النوعية والحجم، فهو يعتاش على بيع الكمأ الموسمي، ويعتبر نفسه أحد أقدم بائعي “الفقع” كما يسميه، في مركز البيع ببغداد، وتحديداً قرب نفق الشرطة غربي بغداد، حيث يتواجد العشرات من البائعين والمئات من الزبائن على امتداد ساعات اليوم.
تحدث لـ”الشبكة العراقية” بعد إبرامه صفقة شراء أكياس من الكمأ جاء بها رجل من صحراء مناطق العراق الغربية، وقال: “الإنتاج هذا العام هو الأفضل منذ سنوات طوال، البيع جيد جداً والأسعار أصبحت مناسبة للمواطنين بفعل وفرة الكمأ.”
وأضاف: “نبيع الكيلو بحسب الحجم والنوع من 10 الى 20 ألف دينار، فالكمأ او الفقع نوعان: الأسمر او ما يسمى بالمحرّك أو الحنطة، فيما النوع الثاني هو الأبيض، ويسمى أيضاً زبيدي او الشعير، ولكل منهما طعم وسعر مختلف، وقيمة بيعه أقل هذا العام عن السنوات السابقة، الأوضاع الأمنية في الانبار تغيرت نحو الأحسن وصار بمستطاع الجميع العمل في هذه التجارة.”
أسباب الوفرة
وفرة المحصول هذا العام لها أسبابها، كما حدثنا رئيس منبئين جويين أقدم في الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي محمود عبد اللطيف، قال لـ”الشبكة العراقية”: “عندما بدأت الأمطار الرعدية بالهطول على العراق وتحديداً في المناطق غير المأهولة في الصحراء الغربية وبادية السماوة في شهر تشرين الأول الماضي، توقعنا موسماً زاخراً بالكمأ، لأن اشتراط نموه هو الأمطار في شهر تشرين وتوفر الرمال غير الموطوءة بالأقدام او إطارات المركبات ليظهر طبيعياً من خلال تغلغل ماء المطر الأميني الى داخل الشقوق الدقيقة على الأرض، لينمو تحت السطح بنحو 30 سنتمتراً ويظهر من بعيد على شكل قبة صغيرة مغطاة بالتراب خلال شهري شباط وآذار.”
كيف يتكوّن؟
سألنا رئيس المنبئين الجويين محمود عبد اللطيف عن كيفية تكوّن الكمأ وارتباطه بالبرق وظهوره بأشهر محددة من السنة وفي مناطق معينة دون أخرى، فأجاب: “يتشكل الكمأ بصورة علمية بحته وبإعجاز من الله تعالى، فهو عبارة عن عُقد نيتروجينية فطرية، تأتي من خلال غازي النتروجين والهيدروجين الموجودين في الجو، الذين يتحدان عند نزول الشرارة الكهربائية للبرق الى اليابسة، ويكوّنان مركباً أمينياً يدور بحركة سريعة جداً في الأرض، فيجمع هذا المركّب الأملاح والمعادن الموجودة في التربة، ليظهر بالشكل الذي نراه سواء أكان أبيض او أسمر، أي أن الكمأ يتكون بلا جذر أو بذر، وله خاصية الخزن والتجميد للنوع الأسمر فقط، فيما يكون النوع الأبيض أكثر هشاشة وأقل قدرة على الصمود دون استهلاك.”
رحلات تجارية
اللافت في موسم الكمأ هذا العام، هو الرحلات التي نظمتها العديد من العوائل للمناطق النائية لجني الكمأ، بل ووجد البعض منها مصدراً لجني المال من خلال التعهد بتوفير مركبات رباعية الدفع مخصصة للعوائل او الشباب والقيام برحلات مقابل مبالغ مالية، وتم الإعلان عنها في بعض صفحات وسائل التواصل الاجتماعي كنشاط تجاري وبمبادرات فردية.
وتوسع الأمر الى قيام الكثير من العوائل الاخرى برحلات جني محصول “الفطر البري” في المناطق غير المأهولة، باعتبار أن البحث عن الكمأ أشبه بمغامرة الحصول على الذهب في مناجم مترامية الأطراف، ومن يسير على الطريق الخارجي بين المحافظات سيرى الكثير من الأشخاص يبحثون في البراري عن الفطر، والبعض الآخر يمنّي النفس بالعثور على الكمأ.
فوائد كبيرة
وبحسب المواقع العلمية على الانترنت عن تحليل مكونات الكمأ، فقد تبين احتواؤه على البروتين بنسبة 9% ومواد نشوية بنسبة 13% ودهن بنسبة 1% كما يحتوي على معادن مشابهة لتلك التي يحتويها جسم الإنسان مثل الفوسفور والصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم. كما يحتوي على فيتاميني “ب1، ب2” وهو غني بفيتامين أ، كما يحتوي على كمية من النيتروجين بجانب الكربون والأوكسجين والهيدروجين، والأحماض الأمينية الضرورية لبناء خلايا جسم الإنسان، وهذا ما يجعل تركيب الكمأ مشابهاً لتركيبة اللحوم، وله فوائد كبيرة، منها علاج العين بماء الكمأ والوقاية من الأمراض المزمنة ويساعد على نمو العظام وتسهيل الدورة الدموية للإنسان، لأنه يضم نسباً عالية من الحديد والكالسيوم، لذا فالعراقيون يعرفون جيداً قيمة الكمأ الذي كان نوعا من أنواع الهدايا الثمينة التي يحملها دائما ضيوف الأنبار وباقي المحافظات التي ينمو فيها “اللحم النباتي”.
تجارة بلا مخاطر
يؤكد غسان الفلاحي، وهو بائع للكمأ، أنه “من المستبعد أن يتم العثور على الفقع في جميع مناطق العراق، لأنه لا ينمو إلا في أماكن محددة، ومنها صحراء السماوة وبيجي وصلاح الدين وراوة وعنة والرطبة، فالعديد من تلك الأراضي لم تمسسها الأرجل وهو ما يساعد على نمو الكمأ”. واضاف: “هناك متخصصون بجمع هذا المحصول الطبيعي، وأغلبهم يخرجون برحلات تمتد لعدة أيام ويعودون ببضعة كيلوات فقط، ويقومون بتأجير سيارات متينة لهذا الغرض تؤّمن رحلتهم الطويلة بمناطق نائية، فيما يقوم العديد من البدو بالدور ذاته، وهو ما متعارف عليه منذ سنين طويلة، ويبيعون محصولهم لتجار متخصصين ينقلون الكمأ بأكياس الى المدن التي تبيع المحصول بالكيلوات.”
وتابع غسان بالقول: “كانت رحلات جمع الكمأ قبل بضع سنوات محفوفة بالمخاطر، بسبب تواجد العصابات الإرهابية في المناطق النائية غربي العراق، لكن اليوم تغير الحال، وأصبح جني الكمأ تجارة رابحة لعوائل كانت تنتظر حلول الربيع للعمل والاستفادة من خيرات الصحراء بظروف أمنية أفضل بكثير.”