الكوفية.. من كوديا إلى يومنا هذا.. رمز عالمي للمقاومة من بلاد ما بين النهرين

126

ريا عاصي/

تصدرت الكوفية في الآونة الأخيرة المشهد الإنساني العالمي، إذ عدت أقوى رمز من رموز مناصرة القضية الفلسطينية حول العالم. وتسنمت الكوفية رؤوس المشاهير والمتظاهرين والمحتجين في كل أرجاء المعمورة ممن يدافعون عن حق الشعب الفلسطيني في العيش الكريم، الرافضين عمليات الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة.
ومنذ بدء الحرب على غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر، حظرت العديد من السلطات الغربية العلم الفلسطيني، ما أسهم في انتشار الكوفية وأيقونة البطيخ، التي استبدلها مناصرو القضية الفلسطينية تعبيراً عن دعمهم للشعب الفلسطيني.
فضحت الكوفية العديد من الأنظمة السياسية والإعلامية الغربية والمؤسسات التي تدعي الحياد والحرية والعدالة، حين كشفت لنا عن أنظمة ازدواجية لاتحقق العدالة إلا لمن يناصر الكيان الصهيوني الغاشم، حتى وإن ثبت إجرامه ودمويته.
لذلك أحببنا أن نتعرف على الكوفية عن كثب، ونبرز تاريخ مسيرتها، وكيف أنها تحولت من غطاء رأس عادي إلى رمز للصمود والمقاومة والنضال من أجل الحرية والعدالة.
أش ماخ كوديا.. رمز القضية الفلسطينية
أول من ارتدى الكوفية هو الملك السومري كوديا، ملك لكش للأعوام بين (2144 – 2124 ق.م)، إذ يظهر تمثال كوديا وهو يرتدي (اليشماغ) على هيئة (جراوية)، كما يسميها البغداديون. وأصل كلمة (يشماغ) تأتي من مفردة (أش ماخ) الآرامية، التي تعني غطاء الرأس. وقد استخدم كوديا اليشماغ لتعزيز هيبته وظهوره بمظهر أكثر فخامة. كما تظهر مفردة أش ماخ في أحد الألواح المسمارية، الذي توصي فيه الإلهة عشتار الإله تموز أن يرتدي الأش ماخ في رحلته، ليقيه من أشعة الشمس الحارقة. من هنا بدأت رحلة الكوفية (او ما يسمى باليشماغ والغترة) الطويلة عبر الزمن والثقافات.
كان الإنسان في بلاد مابين النهرين يرتدي غطاء للرأس يحميه من أشعة الشمس، وأثناء الأعياد الدينية يضع شبكة صيد الأسماك فوق الغطاء لجلب البركة، حينها تفنن النساجون في بلاد مابين النهرين وأضافوا رموزاً لليشماغ وحولوه من مجرد غطاء للرأس إلى قطعة فنية تمثل شكل شباك الصيد التي ترمز للرزق، وأضافوا إليه رمزي دجلة والفرات المقدسين لدى سكان مابين النهرين. استمر العراقيون بلبس اليشماغ على مر العصور بجميع طوائفهم وأعراقهم، حتى بات يعد أحد أهم رموز الزي الوطني العراقي.
مع ظهور وانتشار الإسلام وتوسع الإمبراطوريات الإسلامية، أصبح اليشماغ جزءاً من اللباس التقليدي في العديد من البلدان العربية والإسلامية، إذ كان يرتدى في الحياة اليومية وفي المناسبات الدينية، ما يعكس دوره الأساسي في الحياة الاجتماعية والثقافية. كما بقيت الكوفة تغزل وتنسج اليشماغ والعباءة وتصدرهما إلى مختلف البلدان العربية في شبه الجزيرة العربية والشام.
من اليشماغ إلى الكوفية
في اوائل القرن الماضي، أطلق الفلسطينيون تسمية (كوفية) على اليشماغ، وذلك نسبة لمدينة الكوفة التي تغزل وتنسج اليشماغ، ففي عام 1936 شارك الثوار العرب من العراق مع المقاومة الفلسطينية ضد المستعمر البريطاني الذي كان ينوي إقامة الكيان الصهيوني، وفي إحدى الليالي نفذت مجموعة من العراقيين عملية ضد أحد معسكرات البريطانيين، فصارت القوات البريطانية تعتقل كل من يلبس اليشماغ ويتلثم به، فسارع الفلسطينيون للبس اليشماغ كلهم نساء ورجالاً ما صعب مهمة المستعمر في إلقاء القبض على المقاومين.
ومن يومها أضحى اليشماغ كوفية، واكتسبت الكوفية بعداً جديداً عندما تبناها الشعب الفلسطيني كرمز للمقاومة ضد الاحتلال. وخلال الانتفاضة في أواخر الثمانينيات، أصبح ارتداء الكوفية رمزاً للتضامن مع القضية الفلسطينية، وسرعان ما انتشر هذا الرمز في العالم العربي كله.
لم تتوقف الكوفية عند حدود العالم العربي. بل أصبحت رمزاً عالمياً للمقاومة والحرية. شخصيات مناضلة بارزة مثل نيلسون مانديلا وفيديل كاسترو ارتدوها تعبيراً عن دعمهم للقضايا العادلة. كما استخدمت في الحركات الاحتجاجية في مختلف أنحاء العالم، لتصبح رمزاً عالمياً للمقاومة ضد الظلم والاضطهاد.
واليوم، بهذا الانتشار الواسع، تظل الكوفية شاهداً حياً على قدرة الرموز الثقافية في تجاوز الحدود الجغرافية والسياسية لتوحيد الناس في نضالهم من أجل حقوق الإنسان والكرامة.