اللاجئون العراقيون في أوروبا.. كابوس “الأسود” يطاردهم وحبائل الاستغلال تطوّق رقابهم

695

 بشير الأعرجي/

انتهت حمّى الهجرة من العراق الى دول أوروبا، وبعد نحو سنتين من وصول اللاجئين الى تلك الدول ظهرت المشاكل الاجتماعية والاقتصادية أمامهم، خصوصاً ما يتعلق بالعمل وتوفير سبل المعيشة، لأن الحكومات الأوروبية (باستثناء ألمانيا) لا تمنح اللاجئ إلا ما يكفي مأكله ومسكنه بالحدود الدنيا، فانغمس اللاجئون العراقيون بالعمل في حقل “الأسود”!!

ما هو الأسود؟

“الأسود” مصطلح يطلق على العمل في دول أوروبا بشكل غير قانوني وبعيداً عن أعين مكاتب التشغيل الرسمية وسلطات اللاجئين، ويكون العامل هنا ضحية لجشع أصحاب العمل وتحايلهم على القوانين هناك، مستغلين حاجة اللاجئ الى المال وعدم قدرته على تقديم الشكوى الى الجهات الرسمية، لأنه دخل “الأسود” بمحض إرادته، فيتم منحه راتباً أقل من استحقاقه بنسبة الربع، فيما يذهب المتبقي الى جيب صاحب العمل.

لكن ما الذي يدفع العراقي للمغامرة بوقته وجهده ووضعه القانوني كلاجئ في سبيل الحصول على مبلغ زهيد؟

صعوبة العمل

نوار جبار، الذي وصل النمسا قبل أكثر من عامين مع عائلته، يحصل من الحكومة هناك على نحو (5) يورو عن كل يوم لإنفاقها على مأكله وملبسه. تحدث نوار لـ”الشبكة” عن صعوبة الحياة هناك وعدم كفاية المبالغ التي يتسلمها من الحكومة النمساوية باعتباره لاجئاً، وقال “ندفع مبالغ كبيرة لقاء الأكل والنقل إضافة الى مصاريف الدراسة لأطفالي، لا يسدها ما نحصل عليه كمساعدات مالية، لذا فكرت بالعمل في أي مكان وبأي مبلغ.”

وأضاف: “من الصعوبة الحصول على عمل في النمسا، لأن الحكومة قامت بتوزيع اللاجئين على المناطق البعيدة عن المدن الرئيسة التي لا توجد فيها فرص للعمل، لذا فإن الذهاب والعودة من مكان العمل بالمدن يكلف كثيراً.” وتابع بالقول “وجدت العمل بمبالغ زهيدة، سواء عاملاً في مطعم او فني صيانة بمناطق قريبة من محل سكني، حلاً مؤقتاً لسد رمق العيش، لكن ما يدفعه لنا أصحاب العمل زهيد للغاية وبساعات عمل طويلة بعيداً عن أعين الجهات الحكومية النمساوية، فرضينا بالأسود مرغمين.”

خسارة جزئية

منظر اللاجئين العراقيين في بلجيكا الذين يحصلون على 3 يورو يومياً لا يسر أحداً، فالجنّة الموعودة كانت مجرد حلم من دون وجود على أرض الواقع. فلاح الشيخلي، وهو عراقي لجأ الى ذلك البلد خلال موجة عام 2015، قال إنه جرب العمل في “الأسود” لكنه لم يفلح بذلك، وأضاف “لم ارضَ أبداً أن يستغلني شخص للعمل ولا يمنحني حقي مقابل الجهد الذي أبذله، وصادف أن تشاجرت مع صاحب العمل، وهو تركي الجنسية، لأنه أخّل باتفاق العمل بيننا، ولم يعطني حتى المرتب القليل، فقررت مغادرة العمل من دون الخوض في مشكلة قد تصل الى الشرطة، فتكون نقطة سلبية في ملف اللجوء وأخسر كل شيء.”

تبخّر الحلم

مروان سلمان، يحمل شهادة بكالوريوس في علم الاجتماع، قال لـ “الشبكة”: “مررت بتجربة صعبة لتحسين وضعي المالي في ألمانيا، ومع أن السلطات هناك تمنحنا 746 يورو شهرياً، إلا أنني رغبت بأن يتحسن وضعي المالي وإرسال جزء بسيط الى عائلتي في العراق، فاتجهت صوب العمل في الأسود.”
وأضاف “بحسب القانون الألماني، فإن أدنى حد للأجور في الساعة هو 8 يورو ويرتفع الرقم حسب المهنة، لكنني قبلت بـ3 يورو للساعة كعامل في مطعم يديره تركي وبنفس ساعات الدوام للعمال الرسميين الآخرين والذين يتسلمون 8 يورو بالساعة، فتركت العمل لأنه استغلال بشع لوضعنا كلاجئين، فتبخر حلم تحسين وضعي المادي او مساعدة عائلتي”.

اتفاقات سرية

أحمد جمال، لاجئ عراقي آخر عمل لوقت أطول من أقرانه بـ”الأسود”، قال “يسيطر الأتراك والتونسيون والسوريون وحتى العراقيون على سوق العمل في ألمانيا، والذي جانب منه غير قانوني، فقد عملت لفترة فني تصليح بأحد المكاتب المتخصصة بالصيانة، وفي حينها لم أكن أرتدي زي العمل، لأن صاحب العمل كان يدّعي بأنني صديق او متدرب بشكل مجاني في حال سؤال الجهات الرسمية عن وضعي في مكان العمل، وهذا طبعاً مقابل مبلغ زهيد يمنحه لي، فيما يذهب المال الى جيبه.”

وأضاف “عملت بعدها في مطعم بدوام كامل، لكن صاحب ذلك المطعم أخبرني بأنه لو سألني أحدهم عن فترة العمل اليومي، فأجيبه أنه دوام جزئي، او ما يسمى في أوروبا (ميني جوب)، وهذا الأمر شائع في ألمانيا لان الجميع يستفيدون منه.” وعن سبب شيوع هذا العمل أوضح بالقول “تلتزم مكاتب التشغيل الحكومية هنا (جوب سنتر) بتوفير العمل لمن يطلبه من اللاجئين، ويتم إخبارنا عن طريق سماسرة العمل عن الوضع المالي ومرتب اللاجئ في العمل، فمثلاً اذا حصلنا على 747 يورو في الشهر، فسيتم قطع الإعانات عنا والبالغة 746 يورو، اما اذا كان المرتب 700 يورو فيدفع لنا الـ(جوب سنتر) 46 يورو فقط وهكذا لبقية المرتبات الأخرى.”
تحايل..

وشرح حسن اللامي وهو رافق أحمد جمال رحلة اللجوء، كيفية تحايل اللاجئين وأصحاب العمل على القوانين هناك، وقال “يتفق العامل مع رب العمل، أن مرتبه مثلا 6 يورو في الساعة وبدوام كامل، ومن المفترض أن لا يقل عن 8 يورو كما مشرع في القوانين، فيتم منحه ذلك المبلغ القليل ويسجل في القائمة التي ترسل الى (جوب سنتر) الحكومي 4 يورو وبعمل جزئي لثلاث ساعات مثلاً، فيستفيد اللاجئ بأن المساعدات لن تنقطع عنه ويحصل على فرق المبلغ، فيما يستفيد صاحب العمل أنه يشغل عاملاً بمبلغ زهيد ويتهرب من الضرائب التي تفرض عليه لأنه يستخدم شخصاً يحصل على مرتب لا يتجاوز 500 يورو.” وأضاف “هذا الأسلوب متبع بنحو 75% من الأعمال، واللافت في الأمر أن أصحاب العمل من الألمان يرفضون التعامل به بتاتاً، إما حباً بوطنهم، او خوفاً من الغرامة التي تصل الى 50 ألف يورو.”

العكس..

في النمسا ينتشر العمل بـ”الأسود” كثيراً، لكن من يسيطر عليه بشكل كبير هم الأتراك، اذ تحدث غسان علي عن محاولاته للعمل بمشروعه الخاص بمبلغ كان من المفترض أن يصله من بغداد، وهو حصيلة تجارته التي تركها في بلده قبل الهجرة، وقال “العمل الخاص هنا مكلف جداً بسبب قيمة الأرض والضرائب، إضافة الى وجود ما يشبه المافيات التركية التي تفرض الإتاوات على أصحاب المشاريع الصغيرة، ومن يقول أن العمل سهل في النمسا فليجرب ذلك.”

وانهى غسان حديثه بالقول “قبلت بواقعي، وهو الاعتماد على المساعدات الحكومية، إضافة الى مبالغ ترسلها عائلتي من العراق بشكل شهري لحين الحصول على الإقامة.. سنبقى في الحد الأدنى من المعيشة الى أن يتغير حالنا، كنا نتأمل أن تتحسن أوضاعنا المالية ومساعدة عوائلنا في العراق، لكن العكس هو ما حدث، اليوم هم يرسلون الأموال لنا.”