المتاجرة بالنساء.. ظاهرة تنهش النسيج الاجتماعي

1٬220

جمانة علي/

قصص كثيرة ترويها نساء من أعمار ومناشئ اجتماعية مختلفة، تتحدث كلها عن حالات صارت أشبه بالظاهرة, وهي المتاجرة بالنساء, التي تكثر دائماً في الأماكن التي تنهش نسيجها الاجتماعي مخلفات وآثار الحروب من فقر وعوز وتفكك أسري وضمور للوازع الأخلاقي..

حيث يصير كل شيء تقريباً مباحاً لدى أوساط صارت النساء فيها أول الضحايا، وغدت المتاجرة بهن مهنة يرتزق منها الكثير ممن اقترفوها وبعد حين استسهلوها، فصارت أمراً طبيعياً في وضع تغيب فيه القوانين الرادعة وتكثر عمليات الاحتيال لتحقيق الربح المادي بحجج وأعذار شتى.. بعضهم يعزو الظاهرة الى غياب القوانين الرادعة، وآخرون يصفونها بأنها نوع من العنف الجسدي، وهناك من بح صوته من المطالبات… لكن الأكيد أنها، أي هذه الظاهرة، آخذة بالانتشار والاتساع بسبب عدم التمكن من إيجاد الحلول الجذرية لمعالجتها.

باعتها زوجة أبيها!

“براء” لم تبلغ من العمر 14 عاماً، قامت زوجة أبيها ببيعها لأحد المتاجرين بالنساء، والذي بدوره قام بتشغيلها في أحد الملاهي.

تقول براء: عندما كنت في الرابعة عشرة من العمر باعتني زوجة أبي لأحد الأشخاص، لم أكن أعلم أن هذا الرجل يتاجر بالنساء ولديه العديد من الفتيات والنساء اللاتي يعملن بالملاهي الليلية وبيوت الدعارة، لكنها أبلغتني أنه شقيقها وهو من سيشرف علي عند سفرها الى خارج العراق بعد وفاة أبي بسبب معاناته مع المرض..

تستطرد براء: بقيت مع هذا الرجل الذي أخذني لأحد البيوت حيث كانت توجد فيه امرأة كبيرة وخمس فتيات.. كنت أظن أنها زوجته وبناته. بقيت أسبوعاً لديهم معززة مكرمة، وكنت أشاهد ذهاب الفتيات ليلاً وعودتهن فجراً، من دون أن أسألهن عن سر خروجهن الليلي, لكن ذات يوم أبلغني الرجل أن مدة بقائي انتهت لديهم، وأني أمام خيارين: فإما العمل مع الفتيات في الملاهي الليلية أو أن يقوم بطردي الى الشارع، وهكذا أُجبرت على أن أعمل معهن في الملاهي الليلية رغماً عني.

وتمضي براء قائلة: في بادئ الأمر أحببت العمل ونسيت عالم الحزن وانخرطت معهن وعرفت بأن هؤلاء الفتيات لسن ببناته وأنه اشتراني من زوجة أبي، وبعد مدة وجيزة بدأ بإجباري على ممارسة البغاء، فاضطررت لترك منزله والهرب منه. وها أنا الآن أعمل في الشارع ببيع المناديل الورقية.

قصة رُقية

عندما نزحت “رُقية” من الموصل بعد أن توفي والدها ووالدتها جاءت مع عماتها الى بغداد، سكنوا في منطقة السعدون بأحد الفنادق الرديئة، كل مالديهم من أموال صُرف ولم يتبق لديهم شيء.. قامت العمات بالعمل في الكافيهات وبعد فترة قاموا بإجبار رقية على النزول الى الشارع للتسول في الطرقات وأن لاتدخل للبيت إلا بعد أن تدفع لهم يومياً ٥٠ ألف دينار ..

رقية متزوجة ولاتعلم أي شيء عن زوجها بعد أن اعتقله الدواعش ولم يطلقوا سراحه.. لم يكن بوسع رقية إلا أن ترضي عماتها، فلم يكن لديها أحد سواهن. مضت أشهر والحال نفسه لكن الأمر تطور وأصبحت رقية تجني المال بطرق أخرى غير أخلاقية، حيث صارت تتفق مع أحد الأشخاص بإعطائه مبلغ ٢٥ ألف دينار لكي يحضر لها يومياً خمسة شباب لممارسة البغاء معها لكسب المال المضاعف وإعطائه لعماتها، فصغر سن رقية وقلة خبرتها وظروفها الاجتماعية قد تكون عوامل أساسية في ضياعها بين أروقة الدعارة .

يجبر زوجته على العمل في الملهى !!

الفقر المدقع أجبر أم يزن على التنقل مع زوجها وطفليها من منزل الى آخر، حتى اضطروا الى السكن في العشوائيات التي لاتصلح للسكن.. الحاجة للملبس والمأكل دفعت “أبا يزن” لمزاولة كل الأعمال حتى رافق أحد الأصدقاء الذين كانوا يعملون بأحد النوادي الليلية، فعمل داخل الملهى كنادل.

لم يكن بالحسبان أن أبا يزن سوف يجبر زوجته على العمل معه في الملهى، برغم اعتراضها وعدم موافقتها، عاد أبو يزن ذات ليلة مخموراً ومعه ثلاثة من أصدقائه، فقام بتركهم مع زوجته في البيت بحجة نسيانه لهاتفه لدى محل التسوق فخرج وبقي لساعات معدودة خارج البيت، وما أن خرج الزوج حتى قام الرجال باغتصاب المرأة ليتضح بعد فترة أن الزوج قد تقاضى مالاً من الرجال لكي يعوض خسارته بلعب القمار ..

هربت أم يزن مع أطفالها الى بيت أخيها الذي يسكن احدى المحافظات لتتخلص من زوجها ومن متاجرته بها..

ضعف الحماية وغياب القانون

كثر انتشار هذه الحالات في الآونة الأخيرة والسبب بحسب محللين يعود، على وجه التحديد، إلى ضعف مؤسسات الدولة والقانون في حماية الأسرة العراقية، والفقر المدقع الذي تعيشه بعض العوائل.

تؤكد “بهار محمد”، الإعلامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، أن الاتجار بالنساء ومنهن العراقيات هو جزء من حالات العنف ضد المرأة موضحة أن “تجارة الجنس تعني الإجبار على ممارسة الدعارة تحت الضغط والتهديد” وتتم عن طريق استغلال النساء من خلال عقود عمل أو عقود زواج ونقلهن الى بلد آخر، وبالتالي يتم استغلالهن في شبكات الدعارة بالإجبار بعد سلب حقوقهن كافة، مطالبة الجهات التشريعية بصياغة تشريعات رادعة بحق المتاجرين بالبشر.

دور المجتمع والعائلة

“د.ابتسام الساعدي”، باحثة في علم الاجتماع، ترى أن المرأة أصبحت فريسة سهلة بسبب غياب القوانين التي تحميها، وتصون حقوقها، في حين وجّه آخرون أصابع الاتهام إلى الحكومة والمجتمع والعائلة.

“عبدالله كاظم”، باحث وأكاديمي، يجد أن هذه الحالات ليست فردية وانما قد تصل للآلاف، ولكن السكوت عن بعضها وعدم البوح بها بحجة العادات والتقاليد يمنع العديد من الأسَر من الكشف عن مصير بناتهن ولا تمنع فقط التقاليد والأعراف الأسر العراقية من الحديث عما آل إليه مصير بناتهن, بل تجبر هذه التقاليد العائلة في كثير من الأحيان على التعامل مع الفتاة على أنها مارست الدعارة وكأنها هي التي أرادت ذلك. وبالتالي ترفض العديد من الضحايا العودة خوفاً من مصير محتوم يواجههن وهو القتل غسلاً للعار.