المتحف العراقي.. 7 آلاف عام من الحضارات

328

بغداد – ملاذ الأمين/
تصوير : حسين طالب/
برزت فكرة الحفاظ على آثار العراق وصيانتها منذ بداية القرن الماضي وخلال فترة الحرب العالمية الاولى 1914 – 1918، إذ أكدت البعثة الالمانية التي زارت نينوى وبابل وأور عام 1855 وما بعدها أهمية الحفاظ على الآثار المنتشرة في مدن العراق التي كانت عبارة عن صيد سهل ومربح لتجار الآثار.

وبعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهر الكثير من المغامرين الأوروبيين والمستشرقين بأعداد متزايدة من بينهم بول إميل بوتا القنصل الفرنسي في الموصل، الذي جمع بين دوري الدبلوماسي وعالم الآثار الهاوي، وهنري وستن لايارد الإنكليزي وتمكّن كل منهما على حدة من حفر تلال الآثار الآشورية في نمرود ونينوى وخورسباد وبإشراف السلطات العثمانية، وشحنت الآثار التي عثروا عليها إلى عواصم أوروبا لندن – برلين – باريس، التي تحوي الكنوز المذهلة من ألواح حجرية مع نقوش معقدة عن الحيوانات المجنّحة والشخصيات الأسطورية الأخرى، ومكتبات كاملة من ألواح الرقم الطينية المكتوبة بالخط المسماري.. وفي عام 1909 فقدت شحنة كبيرة من الآثار المنهوبة في نهر دجلة أثناء نقلها بالسفن مليئة بالثيران المجنّحة.
بزوغ الحضارة
ويعود تاريخ إنشاء أول متحف لبدايات نشوء الدولة العراقية الحديثة إبان الانتداب البريطاني، فمع إقبال بعثات التنقيب وتزايد القطع الأثرية المكتشفة، تولّدت عند مستشارة الحاكم البريطاني السيدة غيرترود بيل فكرة إنشاء متحف يعرض هذه القطع النفيسة، وطبقت فكرتها سنة 1923، وعرضت في أحد جوانب بناية القشلة في السراي (شارع المتنبي حاليا) مجموعة من القطع الأثرية، وتولّت بنفسها الإشراف على المتحف لتكون أول مديرة له.
مبانٍ وألواح
إن آثار العراق عبارة عن تلال تخفي تحتها مباني وألواحاً ولوحات فنية ومنحوتات تعبّر عن تاريخ الحضارة العالمية التي بدأت من أرض بلاد بين النهرين بعد صناعة العجلة واختراع الحرف والكتابة والتعبير وتدوين الاحداث، إذ كشفت عشرات الآلاف من الرقم الطينية التي عثر عليها في بابل وآشور ومناطق أخرى، الزوايا الحياتية للسكان وسجّلت حروبهم وأعيادهم وأحزانهم وتمجيدهم للإله الذي يعبدونه والنذور التي يقدمونها، الى جانب الآلات التي يستخدمونها في حياتهم اليومية كالقيثارة وقدور الطبخ المعدنية والأواني الفخارية ومعدات صناعة الاقمشة والمحراث الذي تجره الحيوانات ووسائط النقل كالعربة والسفينة… وغيرها من الآلات التي نجدها معروضة في صناديق زجاجية مع لوحة تبيّن تاريخها ومكان العثور عليها مكتوبة باللغتين العربية والانكليزية.
قاعات المتحف
تتوزع معروضات المتحف العراقي على 25 قاعة عرض، روعي فيها التسلسل الزمني للحضارات والحقب التاريخية التي شهدتها أرض الرافدين، ويبدأ الزائر جولته من أولى القاعات في الطابق العلوي التي تعرض فيها آثار عصور ما قبل التاريخ، وتحتوي على أقدم القطع الأثرية الموجودة في المتحف، التي يعود عمرها إلى 65 ألف سنة قبل الميلاد، ثم تتعاقب العصور بمعروضاتها مع تعاقب قاعات العرض.
ومبنى المتحف يقع في منطقة العلاوي وسط بغداد، وباب الدخول اليه مستوحى من “بوابة عشتار” وعلى مدخله الثيران المجنّحة، ومسوّر بسياج حديدي تتخلله مدافع يرجع تاريخها إلى قرون مضت.
وكان المتحف الوطني يفتتح أبوابه في أوقات الدوام الرسمي ويغلق أبوابه يوم الجمعة، ما حرم كثيرين من مشاهدة تاريخ العراق الذي يمتد إلى آلاف السنين، إلا أن قراراً حكومياً صدر أخيراً أوعز بفتح أبواب المتحف يوم الجمعة، ليعطي فرصة لكثير من العائلات العراقية لقضاء أوقات العطلة في مشاهدة المعروضات التاريخية العريقة.
وبحسب رئيس هيئة الآثار والتراث ليث مجيد حسين فإن “الافتتاح يوم الجمعة يوفر فرصة للعائلات العراقية لزيارة المتحف والاطلاع على كنوز المعروضات من آثار العراق على مدى العصور”، مشيراً إلى أن “الدخول إلى المتحف سيكون مجانياً من الساعة التاسعة صباحاً حتى الساعة الخامسة عصراً”.
إعادة الافتتاح
وتعرّض المتحف الوطني العراقي إلى أعمال سلب ونهب بعد الأحداث التي مرت على العراق في عام 2003 وتمت سرقة 150 ألف قطعة أثرية، بينما أعيد ترميمه وافتتاحه في عام 2009 بعد استعادة ثلث الآثار المسروقة، ومن ثم أغلق مجدداً على خلفية تظاهرات عام 2019 ثم جائحة كوفيد كورونا، ومن ثم أعيد افتتاحه أخيراً في آذار 2022.
صور تذكارية
وللمرة الأولى يتدفق عشرات الزائرين صباح الجمعة إلى المتحف، من العائلات العراقية مع أطفالهم وحتى الرضع منهم، ليتنزهوا في قاعات المتحف وبين التماثيل والتحف المحفوظة خلف ألواح الزجاج.
ويلتقط البعض صوراً قرب التماثيل الكبيرة التي تعبّر عن شخصيات الملوك والالهة، وكذلك يلتقط أغلب الزائرين صورا أمام تمثالي الثور المجنّح، وهو كائن أسطوري نصف رجل ونصف ثور ذو أجنحة، اكتشف في موقع أثري لمدينة آشور ويعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد.
ويضم المتحف كذلك تماثيل مصغرة من العاج، تستخدم لتزيين قصور وأثاث الملوك، تعود إلى المرحلة الآشورية الجديدة (911 – 612 قبل الميلاد) عثر عليها في موقع نمرود في شمال العراق.
تنقيبات حديثة
ومع بداية عام 2011 استأنفت بعثات تنقيب من الولايات المتحدة وأوروبا عملها، إذ يُعلن من فترة لأخرى عن اكتشافات جديدة في عدد من المواقع الأثرية المنتشرة في مختلف أنحاء ذلك البلاد.
وأعلن العراق في آب 2021 استعادته 17 ألفاً و321 قطعة أثرية مهرّبة إلى الولايات المتحدة، وقطعاً أخرى مهرّبة إلى اليابان، وسبع قطع إلى هولندا، وقطعة واحدة مهربة إلى إيطاليا، كما أعلن في ديسمبر (كانون الأول) من نفس العام استعادة لوح “ملحمة جلجامش” الذي يعد من أقدم الأعمال الأدبية في التاريخ، بعد سرقته من متحف بغداد وتهريبه إلى الولايات المتحدة في تسعينيات القرن الماضي.
ويضم العراق متاحف أخرى في الموصل والبصرة وذي قار، ومتاحف في عدد من المحافظات الوسطى والجنوبية، إلا أن “المتحف الوطني العراقي” يعد أقدمها وأكبرها، بينما يتم التخطيط لبناء متحف آخر أكبر حجماً في بغداد” .
نسخ غير أصلية
ويضم المتحف تمثال نابو إله الحكمة والمعرفة، موجود في بداية مدخل المَتحف وهو نسخة غير أصلية وتوجد النسخة الأصلية في المتحف البريطاني، كذلك توجد نسخ أخرى غير أصلية لآثار عراقية تمثل مختلف الحقب التاريخية.
وكذلك تنتصب مسلة حمورابي، وهي كتلة جبسية سوداء غير أصلية مستنسخة عن النسخة الاصلية الموجودة في متحف اللوفر بباريس .
ويذكر العالم الآثاري الراحل بهنام أبو الصوف في كتابه (ذكريات مع آثار العراق) أن اللوفر يحتوي على أبرز اللقى والألواح والتماثيل العراقية من سومر ومدينة أكاد، وتمثال أمير لكش، ومسلة النصر التي أقامها نرام سين ملك أكاد للاحتفال بالنصر على البرابرة.
ويحوي ألواحا آشورية تضم جزءا من مسلة حمورابي التي تعدّ أهم أثر قانوني في العالم، ويبلُغ ارتفاعها 2.25 متر، كما تُعرض في اللوفر لوحة جدارية تعود إلى القرن 18 قبل الميلاد، لتنصيب زمري ليم، وتمثال أبيه إيل، الذي يعود إلى القرن 25 ق. م، وعثر عليه في مملكة ماري القديمة، فضلا عن قطع نفيسة من نصوص مسمارية.