المجتمع الذكوري لا يسمح للمرأة أن تكون الأفضل

668

#خليك_بالبيت

فكرة الطائي /

ترفض صديقتي كل شاب يتقدّم لها، حتى صار الرفض علامة مميزة لدى معظم صديقاتها وعرفت بين الزملاء بالمتكبّرة والمغرورة التي لا تقبل بأي شاب يفكّر بالتقدم لخطبتها، بل ذهبت إلى أكثر من ذلك، إذ لا تسمح لأي شخص من الأهل أو الأقارب بمفاتحتها في هذا الشأن، لماذا؟ لا أحد يعرف الأسباب، ولا السر في الإصرار على الرفض، هل هناك تجربة حب؟ هل تنتظر الآخر أن يتقدّم لها وتكمل مشوار حياتها أم هناك تجربة حب فاشلة؟
يقال إنّ كل فتاة تحلم بفارس أحلامها مثلما الفتى الذي يحلم بفتاة أحلامه ويتمنّى الاقتران بها ليكمل مشوار حياته ويبني أسرة نافعة للمجتمع، صورة صديقتي وزميلتي أيام الدراسة والوظيفة ما زالت عالقة في ذهني وتشغل تفكيري، فهي جميلة ورشيقة وناجحة في عملها وذات أخلاق عالية، هذا الإصرار أو العناد من قبلها قادني إلى التساؤل مع نفسي، هل هناك حقا فتيات لا يرغبن في الزواج، ولا يرغبن في الحديث عنه ؟. ما الأسباب وراء هذا العزوف؟ أهو الخوف من المجهول أم ماذا؟.
الزواج عائق
ترى بعض الفتيات أنّ الزواج عائق لمشروع التقدم في الحياة، هذا ما تقوله سمر سعيد (طالبة جامعية) وتضيف: ترغب معظم الفتيات ممن تتاح لهن فرص التعلم في إكمال تعليمهن الجامعي في الدراسات الأولية والعليا، وهو الأمر الذي يضطرهن إلى تأجيل مسألة الزواج إلى سن متأخرة، إذ تعقب الدراسة مرحلة البحث عن وظيفة بغية تحسين وضعهن المادي والمهني لتحقيق الاستقلال الاقتصادي قبل الإقدام على هذه الخطوة. وتتابع بالقول: في السنوات الاخيرة، أصبحت الفتاة أكثر قدرة على العمل في جميع المجالات، وهو الأمر الذي منحها مساحة أوسع من الحرية والحركة والإبداع ما يدفعها للعزوف عن الزواج بذريعة البحث عن الزوج الداعم والمشارك في النجاح، لذلك صار الزواج في فكر الفتيات أحد عوائق التقدّم وممارسة الحياة بحرية ومسؤولية.
لن يسمح لها أن تكون الأفضل
لجنان هادي (موظفة) رأيٌ، إذ تقول: ممارسة القسوة من الأب أو الأخوة داخل البيت وعلى صعيد العائلة والأقارب، وما يسمع من حكايات العنف الأسري قد تكون وراء عزوف الفتيات عن الزواج، حتى لا تتكرّر الصورة العائلية في حياتهن الزوجية. وتعقب الطالبة زهراء محمد قائلة: هناك فتيات يسعين إلى تحقيق ذواتهن بالوصول إلى أعلى المراتب في العمل، وقد يقف الزوج عائقا أمام تحقيق هذا الأمر، لأنّه لا يريد أن تكون المرأة أفضل منه، لطبيعة تركيبة المجتمع الذكورية.
آراء ذوي الاختصاص
حملتُ أسئلتي وقصدتُ بها قسم علم النفس في كلية الآداب بجامعة بغداد، لمعرفة الاسباب النفسية وراء هذه الظاهرة، وكانت وقفتنا الأولى مع الدكتور عباس الأسدي (مقرّر الدراسات العليا) فقد استعرض لنا الاسباب بشكل مكثّف بقوله: المجتمع متأزّم، الشباب من الذكور والإناث يشعرون بالضياع، كما أنّ ضعف علاقة الشاب بالعائلة جراء قضائه معظم الوقت في وسائل التواصل الاجتماعي شكّل عاملاً أساسياً في عزوف كثيرين عن الزواج، فضلاً عن أن كثرة المعلومات التي يستقبلها الشباب من كلا الجنسين من خارج المنزل تعرّض العلاقات العامة إلى التشويش وكثرة حالات الطلاق. ويضيف أيضاً: كما أنّ الفتيات قد يتشتتن بين الشعور بالحرية أو الدخول في زواج غير مضمون، وهناك أيضا السهولة في تكوين العلاقات بين الشباب وضعف متابعة الاسرة للابناء، فضلاً عن أن كثيراً من الفتيات يعتقدن أن الزواج قيد وظلم ومضيعة للوقت في حين بعضهن يفضلن الاستعراض والظهور الدائم، ويعتقدن أن الزواج يمنعهن من ذلك.
ويختتم الأسدي حديثه بالقول: إنّ ضعف ثقة الشابة بالشاب وانتشار البطالة، تلك العوامل مجتمعة أدت إلى عزوف الفتاة عن الزواج وعدم التفكير بالشريك المناسب، وذلك لعدم وجود ضمانة لاستمرار هذه الشراكة الحياتية.
العزوف يتنافى والفطرة السليمة
كانت محطتي الثانية في قسم الاجتماع – كلية الآداب – جامعة بغداد، إذ حدثتني الدكتورة سحر كاظم بقولها: إنّ عزوف الفتيات عن الزواج مسألة غريبة على مجتمعنا العراقي، لأنّه يعد أمراً يتنافى والفطرة السليمة لاسيما إذا كانت الفتاة هي التي لا تفكّر في تكوين أسرة وحياة اجتماعية، فالمجتمع يفكّر بهذه الطريقة ويعد ذلك الهدف الأسمى، بينما تفكّر الفتاة بالحياة الحرة الكريمة مع الزوج أو من دونه. وأكدت الدكتورة سحر أيضاً أن العدد المذهل والمخيف لحالات الطلاق المبكر ولصغيرات السن تحديداً، وهيمنة فكرة مفادها: “ما الجديد الذي يمكن أن يضيفه الرجل لهن”، على عقول الفتيات المحصّنات اقتصادياً وعلمياً ويمتلكن مؤهلات الحياة الكريمة والثقة بالنفس.
وذكرت أيضا أنّ الجو الجامعي أضاف خبرات للفتيات عن طريق المشاهدة والسماع والقراءة ما يدفعهن إلى رفع سقوف الشروط التي قد لا تتناسب مع الأوضاع المعيشية الحالية لمعظم الشبان.
اقتران الحب بالزواج
يرى الدكتور حسن فاضل (تخصص انثروبولوجي وتدريسي مناهج في قسم الاجتماع) أن مجتمعنا ذكوري والمرأة خاضعة لمسألة الانتظار، كما أنّ للمستوى المعاشي والمكاني – البيئة – دوراً في حرية الاختيار، فمثلاً في الريف هناك 95% من الفتيات ينتظرن الزوج الموعود بينما فتاة المدينة متحررة من قيد الانتظار وتختار وفق ما يلائم تطلعاتها ومشاعرها، وذلك حسب مرجعيتها العائلية والمادية التي تتيح لها مساحة أكبر من القبول أو الرفض، فهي دائماً ما تكون حذرة في الاختيار والارتباط. وواصل حديثه قائلاً: أكثر الفتيات يفهمن الزواج على أنّه يأتي بعد الحب والارتباط العاطفي، ولا يعرفن أو يدركن أنّ الحب يأتي بالعشرة والألفة بعد الزواج، لذلك يبقين في حالة انتظار الحب عسى أن يطرق أبوابهن.
أخيراً أقول إن الفتاة جوهرة لا يمكن لنا التفريط بها سواء في إرغامها على الزواج أو في تشجيعها على العزوف عنه، وإنما لا بدّ لنا من إنارة الطريق لها ومساعدتها في الاختيار السليم في بناء الاسرة وبناء مجتمع رصين قادر على الصمود في وجه التحديات الصعبة.