المحاصصة.. تعيق محاولات إنقاذ العراق من براثن الفساد

803

ريا عاصي /

يتصدر العراق قائمة الدول الفاسدة إداريا وماليا بعد ليبيا وسوريا واليمن والصومال، حسب التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية – الائتلاف العالمي ضد الفساد لعام 2018 و2019 على التوالي.
شفافية
هيئة النزاهة العراقية هي هيئة مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب، وتعمل على المساهمة في منع الفساد ومكافحته كما تعتمد الشفافية في شؤون الحكم.
الا أنَّ هذه الشفافية لم ألحظها أو أشعر بها وأنا أحاول الوصول إلى متحدث من هيئة النزاهة، إذ رفض مدير المركز الإعلامي لهيئة النزاهة السيد حسام محمد الإجابة عن الأسئلة التي قدّمتها لهم بحجّة أنَّه غير مخوّل للتصريح للإعلام، وفي المقابل قدّم لي تسهيلات للحصول على معلومات للنشر عن طريق مركز الرصد في هيئة النزاهة، علماً أنَّ مجلة الشبكة تعدّ مؤسّسة شبه حكومية تُفتَح لها جميع الأبواب للوصول إلى الخبر الصحيح.
لذا باتت أسئلتي دون مجيب وبقيت اتتبع خيط التحليل لتقارير الرصد التي يرسلها لي مشكوراً بشكل يومي موظفو الرصد.

أرقام وأرقام
أعلنت هيئة النزاهة في تقريري سنة 2018 عن استرجاع وإيقاف ومنع هدر قرابة ترليوني دينار عراقي للعام 2018، وفي تقريرها لسنة 2019 أكدت تمكنها من المحافظة على أكثر من ترليوني دينار.
من هذين الرقمين يتّضح لنا أنَّ المبلغ الذي حاولت أجهزة الفساد استحصاله في زيادة مما يؤكد أنَّ الفساد لا يجد رادعاً يوقفه عن ذلك وكأنّه قد أمن العقاب.
وأشار تقرير 2018 إلى أنَّه قد تمّ إنجاز (15997) بلاغاً وإخباراً وقضيةً جزائيةً من مجموع ما نظرته الهيئة للمدة ذاتها البالغ (20778) بلاغاً وإخباراً وقضيةً جزائية.
إنَّ الهيئة عملت على (12398) قضيَّـةً، أُنْجِزَ منها بإجراءاتٍ قضائيَّةٍ (8938) قضيَّةً، بلغ عدد المتهمين في القضايا الجزائية (9328) مُتَّهماً ،من بينهم 31 وزيراً ومن بدرجته وجهت لهم 56 تهمة ومن ذوي الدرجات الخاصة والمديرين العامِّين ومن بدرجتهم وُجِّهَت لهم 597 تهمةً.
صدرت 7 أحكام إدانةٍ بحقِّ 4 وزراء وممَّن هم بدرجتهم، و49 حكماً بحقِّ 41 من ذوي الدرجات الخاصَّة والمديرين العامِّين ومن بدرجتهم.
أما تقرير عام 2019 فقد أعلنت الهيئة أنَّ عدد القضايا الجزائية التي حقّقت فيها مديريات ومكاتب التحقيق التابعة لها خلال العام 2019 المعروضة أمام القضاء بلغت (13499) قضية من بينها (4725) قيد التحقيق و(2678) محالة إلى محكمة الموضوع و(2257) قضية محالة على محكمة تحقيق أخرى.
لافتة إلى صدور أحكام بإدانة 1155 متهماً، من بينهم وزير واحد، و(3) محافظين و(30) مديراً عاماً، و(7) من أعضاء مجالس المحافظات.
وأكدت الهيئة صدور (7544) أمر استقدام، بينها (40) أمراً بحق (32) وزيراً ومن بدرجتهم، و(451) أمراً بحق (353) من أصحاب الدرجات الخاصة والمديرين العامين ومن بدرجتهم، إضافة إلى (2436) أمر قبض، (17) منها بحق (9) وزراء ومن بدرجتهم و(190) أمراً بحق (100) من أصحاب الدرجات الخاصة والمديرين العامين ومن بدرجته.

معاييردولية
عضو لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي عبد الرحيم الشمري أوضح في لقاء لفضائية العراقية أنَّ تحرك لجنة النزاهة غير مجد” لما لاقته من صعوبات وعراقيل لاحقاً، إذ حسب قوله: “مثلاً في شهر تشرين الأول تمّ الحكم من قبل محكمة النزاهة بشأن ثلاثة أشخاص وتم اعتقالهم الا أنَّهم قد تمّ إخراجهم بصورة غير قانونية لاحقاً”.
تحدّث مصدر موثوق للمجلة (شرط عدم ذكر اسمه ) قائلاً: إنَّ البيانات الصحفية للجنة النزاهة تسير حسب المعايير الدولية، إذ إنَّها تذكر عدد الأشخاص ومناصبهم دون ذكر أسمائهم او تحديد وزاراتهم وذلك كون المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته، لكننا نشعر أحيانا بمجاملة للقضاء، لذلك يتمّ الحكم على الموظفين الصغار بتهم الرشاوى وعدم استكمال تخليص السلف أو تزوير الغيابات، لكن من يسرق الجمل بما حمل يسير متبخترا دون خوف، إذ يسكن اليوم مسؤولون عليهم شبهات فساد في كردستان العراق دون خوف أو وجل، وخذ محافظ (0000) المقال كأفضل مثال على ذلك وغيرهم يسكنون الخارج.
ثم قال: “إنَّ حملات مكافحة الفساد في العراق لم تفلح في عملها بالرغم من مواظبة اللجان على كشف ما سرق من خزينة الدولة العراقية، الا أنَّ المحاصصة الطائفية وقفت بشكل العصا في الدولاب فكل جهة سياسية تحاول جاهدة الدفاع عن أعضائها السراق وبالمال المنهوب نفسه يتمّ شراء الذمم”.

تجارب
وأضاف “أنَّ مجلس النواب العراقي نفسه حين اتخذ تجارب الدول الناجحة في مكافحة الفساد أضاف لقائمة تلك الدول (بلغاريا) التي لم تنجح في تنظيف السلطة من السرقات وعملت على تخليص البيروقراطية وشرطة المرور فقط لكنّ رؤوس أموال السلطة الحاكمة لم تنل التحقيق، فدول مثل ماليزيا وسنغافورة وجورجيا بدأت العمل بتنظيف سمعتها مثلما تنظف السُلّم من أعلاه لأسفله ونجحت في تقليص الفساد وإدراج نفسها من ضمن الدول قليلة الفساد”.
ولأخذ فكرة عن تجارب هذه الدول فقط حرّك محرّك البحث غوغل وستجد كيف حاربت هذه الدول الفساد.
فمثلا جورجيا حسب تقرير سابق للبنك الدولي لعام 2017 لخّص تجربتها في تقليص الفساد بدءاً من عام 2003 بالنقاط التالية:
– إرادة سياسية قوية لا تلين.
– إرساء المصداقية في وقت مبكر.
– هجوم مباشر على الفساد.
– استقطاب موظفين جدد وتقليص دور الدولة.
– تبنّي إجراءات غير تقليدية والتنسيق الوثيق وتكييف التجربة العالمية حسب احتياجات الظروف المحلية.
– الاستفادة من التكنولوجيا واستخدام الاتصالات بطريقة إستراتيجية.
تجربة سنغافورة هي التجربة الأصح والأفضل، إذ خرجت سنغافورة من دول العالم الثالث خلال ثلاثين عاماً وتصدّرت قوائم البلدان الأقل فساداً، فجاء ترتيبها السادس من عشر دول أقل فسادا لعام 2018، 90% من سكانها يمتلكون منازلهم، دخل السنغافوري تغيّر من 500 دولار في السنة إلى 52000دولار.
التزمت في حرصها على النقاط الآتية:
– تجارة حرة.
– تشجيع الاستثمار.
– تقويم التعليم.
– تخفيض الضرائب.
– قضاء عادل ومستقل.
– نظام توفير خاص بالصحّة وتوفير للفرد إجباري.
من هذه التجارب نقف على علتنا الأكبر وهي المحاصصة الطائفية، محاولات التأثير في القضاء، تفشي الرشوة، الخوف والسكوت عن الحق.
إذ إنَّ أهم محرّك لهيئة النزاهة هو الشكاوى القادمة من المواطنين، لو كل فرد اتخذ على عاتقه محاربة الفساد ودرء الخطر عن وطنه، لكنّا قد ساهمنا برفع الحيف عن كاهل وطننا، فخطر الفساد أشدّ فتكاً من خطر داعش.