المخدرات والانتحار.. آفة اجتماعية ومأساة فردية تهددان مستقبل الشباب

58

نصير الخزاعي

لا يمكن إغفال أن الإدمان على المخدرات أحد الأسباب الرئيسة للانتحار، إذ يعدّ تأثيرها كارثياً على الجهاز العصبي المركزي، خصوصاً لدى الشباب والمراهقين، كما أنها تؤدي إلى تغييرات في سلوكهم وطريقة تفكيرهم، وفي شعورهم وتصرفاتهم، لتنتج في النهاية مشكلات في الصحة النفسية والعقلية، مثل الهلاوس والقلق والاكتئاب والعزلة.

مما تقدم، يجب الأخذ بنظر الاعتبار أن المدمن، أو المتعاطي، شخص مريض يحتاج إلى المساعدة والعلاج، ويجب التفريق بينه وبين الشخص المتاجر بالمواد المخدرة، إذ إن المدمن ضحية لذلك التاجر المجرم، الذي نطالب بإنزال أقصى العقوبات بحقه.
أسباب الانتحار
لو أردنا أن نعرف العلاقة بين الانتحار والمخدرات، يجب علينا أن نبحث عن الأسباب التي قد تدفع بعض المدمنين لإنهاء حياتهم، ومنها: الإدمان نفسه وما يسببه من مخاطر، وتأثيراته على الصحة النفسية والعقلية والاجتماعية والاقتصادية، والهروب من المواجهة، وعدم تحمل المسؤولية، ومحاولة الفرار من الألم النفسي أو الجسدي، وفقدان السيطرة على السلوك والتصرفات، واتخاذ قرارات غير واعية ومسؤولة. مضاعفات الإدمان كالأمراض الجسدية، مثل تليف الكبد والسرطان والصرع وغيرها، إضافة إلى الشعور بالعزلة والعار، وفي بعض الأحيان، فقدان الاحترام الشخصي وغيرها من الأسباب.
إحصائيات مخيفة
وفقا للمعهد الوطني لتعاطي المخدرات الأميركي، فإن حوالي 22 % من حالات الانتحار في الولايات المتحدة الأميركية مرتبطة بالتسمم بالكحول أو بالمواد الأفيونية.
أما بحسب إدارة خدمات إساءة استخدام المواد والصحة العقلية (SAMHSA)، فإن الأفراد الذين يعانون من اضطراب تعاطي الكحول والمواد الأفيونية هم أكثر عرضة للانتحار بعشر مرات من غيرهم.
في حين أعلنت وزارة الصحة العراقية، عبر ناطقها الرسمي، تقريرها الخاص بواقع الانتحار في العراق، وبيّنت فيه أن الانتحار ظاهرة عالمية تتسبب في وفاة 800 ألف شخص سنوياً، بمعدل شخص كل 40 ثانية، عادّةً إياه برابع سبب للوفاة في العالم للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10- 29 عاماً، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية.
وأشار التقرير إلى أن أبرز الأسباب المؤدية للانتحار هي أسباب نفسية بنسبة 45 – 50 %، إضافة إلى الأسباب المرتبطة بتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية بأنواعها.
طرق الوقاية
من أجل مواجهة هذه الآفة، يتوجب اتخاذ طرق عدة لمكافحتها، تبداً بالتوعية والتعريف بأضرار المخدرات وارتباطها بالانتحار، والدعم النفسي والأسري والاجتماعي والحكومي للمدمنين والمتعاطين، ومعالجتهم للتعافي من الإدمان، ومراقبة ومتابعة الأسر لأبنائها، وإبعاد أصدقاء السوء عنهم، ومعرفة الأسباب التي أدت للتعاطي ومعالجتها، ونشر الواعز الديني، إذ أشارت أبحاث علمية عدة أن معدل الانتحار في دول الشرق الأوسط هي الأقل نسبياً بين المجتمعات، وذلك لشيوع المعتقدات الدينية والأعراف والتقاليد الاجتماعية، وهذا يقع على عاتق رجال الدين والخطباء من خلال تأثيرهم الإيجابي على الشباب، كذلك تساهم بعض التشريعات الرادعة وتنفيذ الأحكام القانونية المشددة على المتاجرين بالمواد المخدرة للحد من هذه الآفة، فضلاً عن تهيئة المراكز التخصصية ودعمها ورفدها بأحدث المناهج، وتدريب العاملين فيها لتقديم أفضل الخدمات في مجال مكافحة الإدمان.
مراحل علاجية
هنا لابد من طرح سؤال مهم: هل يمكن أن يتعافى المدمن أو الشخص الذي يفكر بالانتحار؟ بالتأكيد هناك إمكانية في تعافيه وتغيير أفكاره الانتحارية، عبر مراحل علاجية عديدة، إذ إن المدمن، كما أوضحنا، مريض وضحية، لابد من مساعدته ليعود إلى حياته الطبيعية، فليس هناك من مرض دون علاج، ولكن الشفاء يتطلب إرادة قوية وإصراراً على ترك المادة المخدرة، والاستماع إلى النصائح والارشادات، والالتزام بالبرامج المقدمة من أهل الاختصاص لتحقيق التعافي التام.
الإدمان على المخدرات والانتحار وجهان لعملة واحدة، ولكي نقضي على الانتحار، يجب أن نحد من ظاهرة الإدمان ومكافحته، ومعرفة الأسباب المؤدية له ومعالجتها، وضرورة تقديم المساعدة والدعم للأشخاص المدمنين وتقبلهم والأخذ بيدهم، لإعادة دمجهم في المجتمع، فإن كنت تعرف شخصاً يعاني من الإدمان أو من الأفكار الانتحارية، فاعلم أن طلب المساعدة هو الخطوة الأولى نحو علاجه وتعافيه.