المدارسُ الحكوميةُ مهملةٌ والأهليةُ تغالي في الأجور

858

إيفان حكمت /

الزي المدرسي، القرطاسية، الحقائب، مفردات تتقافز على ألسنة أولياء أمور الطلبة مع بداية العام الدراسي الجديد. فيما العوائل الفقيرة تقف حائرة أمام عدة خيارات بينها مغادرة أبنائها لمقاعد الدراسة تحت ضغط الفاقة وعدم القدرة على توفير مستلزمات الدراسة أو الزج بهم في أعمال ومهن شاقة من أجل المساعدة على شراء تلك المستلزمات الدراسية.

(أم سجاد)، أرملة أربعينية تعيل بمجهود شاق أربعة أطفال موزعين دراسيا بين الثاني والسادس الابتدائي، تقول لـ”الشبكة”، انها صعقت بخبر عدم توزيع القرطاسية هذا العام إلا لطلبة الصف الاول الابتدائي فقط، وتضيف: ان شراء الزي المدرسي والقرطاسية يثقل كاهلها ويضعها أمام مفاضلة مرة، بين شرائها وشراء لقمة العيش، وانها تقف عاجزة بين الخيارين. وتفكر أم سجاد في أن يترك ابنها البكر سجاد دراسته في السادس الابتدائي لهذا العام من أجل أن يعينها على توفير لقمة العيش وشراء المستلزمات الدراسية لاشقائه الثلاثة.

المعلمة (ساجدة غازي) تتحدث عن النواقص في الأبنية المدرسية، وتقول لـ”الشبكة”، ان هذه المشكلة تتكرر في مدارسنا كل عام، خصوصا فيما يتعلق بزجاج الشبابيك المكسور وترميم الرحلات وجدران الصفوف وتوفير وسائل التدفئة استعدادا لفصل الشتاء القارس. تضيف ساجدة: ان معظم المبالغ التي تصرف على هذه النواقص تأتي من خلال تبرعات أولياء أمور الطلبة، غير ان أغلب أولياء الأمور هم من العوائل الفقيرة غير القادرة على الاسهام بتلك التبرعات. غير ان عادل ساجت يفنّد مثل هذه الآراء، ويؤكد لـ”الشبكة” أن إدارات بعض المدارس تفرض على التلاميذ مبالغ معينة في بداية العام الدراسي لإجراء بعض التصليحات دون ان تتوقف تلك الادارات عند قدرة عوائل التلاميذ المالية، ويضيف ساجت: ان ابنه الذي شارك في امتحانات الدور الثاني في مادة اللغة العربية للصف الخامس الابتدائي تعرض للمساومة من قبل أحد المعلمين في مدرسته بتقديم كراسي بلاستيكية مقابل نجاحه في الامتحان، وحين راجع إدارة المدرسة أبلغوه صراحة انهم لا يملكون نثريات لسد النقص في الأثاث المحطم سوى اللجوء الى التلاميذ، مستدركين انهم لا يفرضون الأمر على التلميذ، لكنهم يحثونه على المشاركة في إعمار مدرسته. ويطالب ساجت عبر “الشبكة” وزارة التربية بتطبيق مفردات مجانية التعليم، باعتبارها حق كل عراقي في التعليم، عبر توفير القرطاسية والكتب المدرسية والقيام بترميم بنايات وأثاث المدارس وصرف نثريات معقولة لادارات المدارس.

المدارس الأهلية.. تسويق الوهم

معاناة أولياء أمور التلاميذ لم تتوقف عند المدارس الحكومية، بل تتعداها الى المدارس الأهلية التي تناسلت في العراق في الآونة الأخيرة بشكل بدأ ينافس المدارس الحكومية خصوصاً في المناطق الراقية من بغداد، وامتد الى مناطق أطراف بغداد والمدن الاخرى. زيادة أعداد المدارس الأهلية خلق حالة من التنافس فيما بينها أدى الى انخفاض الاجور السنوية الى حد كبير.

(سارة فلاح)، أم حرصت على تسجيل ابنها في إحدى المدارس الاهلية، تقول سارة في حديث لـ”الشبكة” إن هذا الخيار ليس من باب الترف أو الوجاهة الاجتماعية، بل جاء نتيجة دراسة المفاضلة بين المدرسة الخاصة والمدرسة العامة، حيث تقدم المدرسة الخاصة الزي المدرسي والقرطاسية وكتب المنهج من ضمن القسط المالي الذي هبط الى النصف هذا العام نتيجة المنافسة بين المدارس الاهلية. تضيف سارة، انها دفعت العام الماضي ما يعادل المليون ونصف المليون دينار كقسط سنوي لابنها التلميذ في الصف الاول في حين انها دفعت هذا العام نصف هذا المبلغ فقط مقابل كافة الالتزامات الدراسية لابنها. وتؤكد سارة أن المدارس الخاصة تحرص على أن لا يتعدى عدد التلاميذ في الصف الواحد العشرين تلميذاً يدرسون في قاعات نظيفة ومكيّفة وتقدم لهم وجبة غذاء يومية. لكن سارة تؤشرعدة ملاحظات على عمل المدارس الاهلية، منها أن ادارة المدرسة لا تحاسب التلاميذ على سلوكياتهم مهما كانت سيئة خوفاً من فقدانهم وبالتالي فقدان القسط السنوي، كما تؤشر سارة حالة أخرى هي تسويق وهم تفوق التلميذ أمام أهله بما لا ينسجم حقيقة مع مستواه الحقيقي، وهذه الحالة تهدف أيضا الى استمرار بقاء التلميذ في المدرسة طالما يتصور الأهل انه من المتفوقين وان المدرسة حريصة على هذا التفوق.

ضرائب متعددة

إدارات المدارس الأهلية تنظر الى الصورة من زاوية مختلفة، إذ تقول (علياء صباح)، مديرة احدى المدارس الابتدائية الأهلية، إن حدة التنافس بعد انتشار ظاهرة المدارس الاهلية وتعدد الضرائب سيؤدي في نهاية المطاف الى واحد من أمرين: فإما التقشف في تقديم الخدمات العلمية والتربوية أو غلق عدد من هذه المدارس. تضيف علياء في حديث لـ” الشبكة”: ان المدارس تدفع ضريبة مهنة وضريبة عقار، لأن أصحاب العقارات يشترطون علينا دفع ضريبة العقار لكي يوقعوا عقد الإيجار الذي لا يمكن الحصول على إجازة المدرسة بدونه، وكذلك ضريبة نفايات مقطوعة ومحددة بمليون ونصف المليون دينار شهريا بالاضافة الى رسوم اللوحات الإعلانية ومبالغ الكهرباء وفق احتساب هذه المدارس تجارية، ودفع الضمان الاجتماعي للمنسبين من موظفين ومعلمين، هذه المبالغ الضريبية تثقل كاهل ادارات المدارس التي تعمد الى استرجاعها من أولياء الأمور بطرق مختلفة.

المدارس الحكومية بحاجة الى المزيد من اهتمام الحكومة على جميع الصعد، خصوصا فيما يتعلق منها بالكتب والقرطاسية، وكذلك المدارس الخاصة، فهي تحتاج الى رقابة الدولة لكي لا تتحول الى مجرد دكاكين تعليم تجارية.