المدير العام للمتاحف العراقية لـ(الشبكة): محفزات كبيرة لمن يسلّم القطع الآثارية إلى الدولة
وليد خالد الزيدي – تصوير : علي الغرباوي /
يزدحم العراق بالمواقع التاريخية ذات القيمة الحضارية على مستوى الاكتشافات والبحوث والدراسات الإنسانية، إذا ما أراد أصحابها التوغل في عمق تاريخ الحضارات العريقة منذ نشأتها الأولى على أرض الرافدين، ولاسيما بعد أن أدرك العالم أن أرض العراق تكتنز أكثر من اثني عشر ألف موقع يضم آثاراً يمكن إرجاع عائديتها إلى حقب زمنية متجذرة.
لكن بعضاً من تلك المواقع لا تحظى بالحماية الكافية والمناسبة لها، الأمر الذي جعل كثيراً من المسؤولين عن قطاع الآثار يدعون الى ضرورة الحفاظ على تلك المواقع، ويناشدون المواطنين بضرورة الإسهام بحماية الآثار فيها لكي لا تكون عرضة للسرقة، مطالبين بضرورة تسليمها إلى الجهات المسؤولة لحفظها في المتاحف العراقية.
ولتسليط الضوء على تلك القضية التقت (الشبكة) السيدة (لمى ياس الدوري) المدير العام للمتاحف العراقية في وزارة الثقافة والسياحة والآثار، وجرى الحوار التالي:
*مرت قبل أيام، وبالتحديد يوم الحادي عشر من آذار، الذكرى المئوية لتأسيس المتحف الوطني العراقي. ماذا تعني لكم هذه الذكرى، وقطاع المتاحف العراقية يشهد إقبالاً واسعاً من قبل المواطنين للاطلاع على موجوداتها من الآثار؟
ــ بالفعل مرت مئة عام على تأسيس المتحف العراقي، وبالتحديد عام (1923) في بغداد، ليكون بمثابة الهوية الوطنية لتراث العراق الزاخر بالإنجازات الحضارية الإنسانية على مر العصور، الذي يعد خامس متاحف العالم من حيث الشهرة والأهمية الحضارية والآثار المعروضة فيه، التي تحمل عبق التاريخ وقدسية الماضي، فقد كان ومازال وجهة دائمة للعراقيين، فضلاً عن السياح والباحثين في مجال آثار الحضارات القديمة.
تجربة عريقة
*كيف كانت تحفظ الآثار العراقية في العهود السابقة؟
ــ العراق صاحب تجربة عريقة في إنشاء المتاحف، فحينما نتوغل في الماضي وندرس صفحات أقدم الحضارات التي أخذت تحكي للأجيال قصة النشأة الأولى، نرى أن المتحف الوطني العراقي الحالي يعد وريث أقدم متاحف العالم التي شيدها الإنسان، حينما انشأ الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني (604ـ 562 قبل الميلاد) أول متحف في التاريخ لحفظ وحماية الآثار، وأفرد له جناحاً خاصاً في قصره الشمالي، وكان يفتح للناس أيام الأعياد القديمة كأول متحف أنشئ على الإطلاق في بلاد ما بين النهرين.
*ما ابرز الآثار التي يحتويها المتحف؟ وما عائديتها التاريخية؟
ــ المتحف الوطني العراقي يضم قاعات مختلفة، منها ما يحتوي على آثار عصور ما قبل التاريخ، وآثار العهد السومري، وكذلك الأكدي والبابلي، والآشوري الوسيط والحديث، فضلاً عن قاعة تخص العاجيات ذات الأصول الآشورية أيضاً، وأخرى لآثار الفترة الحضرية لما قبل الميلاد وما بعده، بالإضافة إلى ذلك الآثار التي تعود للعصور الإسلامية الأولى والمتأخرة، والقاعة التراثية، وقاعات أخرى لعصور تاريخية مختلفة.
تفاعل ممتاز
* في ظل مطالباتكم ببذل جهود للحفاظ على الآثار العراقية وإيداعها في المتحف الوطني، هل لديكم تنسيق مع جهات خارجية أو محلية بهذا الخصوص؟
ــ نعم، بكل تأكيد، لدينا قسمان: الأول معني باسترجاع الآثار من خارج العراق، وشعبة ثانية معنية بتسلم الآثار من داخله من المواطنين الذين يعثرون على أية آثار في المواقع المختلفة في البلاد، إذ نخصص لهم مكافاة مادية لكونهم قاموا بتسليمها بدلاً من العبث بها أو إهمالها.
*هل نجحتم في ذلك؟ وهل سلمت آثار عراقية من بعض المواطنين ؟
ــ هناك الكثير من المواطنين سلموا عشرات القطع الآثارية، ومن مواقع مختلفة، الى الجهات المسؤولة، وجرى تكريمهم ومنحهم مكافآت مالية، على الرغم من أن تلك المكافآت لا تعبر عن القيمة الحقيقية لهذا العمل الوطني الكبير من قبل أي شخص يسلم الآثار التي يعثر عليها إلى المؤسسة الحكومية المعنية، ولكن لكي يشعر هذا الشخص بعمله الوطني الكبير والاستثنائي.
* ما أبرز شواهد التعاون بين المواطنين والجهات المعنية بحماية الآثار ؟
ــ حينما أطلقنا دعوات عدة، تلقينا تفاعلاً ممتازاً، فقد استجاب الكثير من المواطنين لنا، كان آخرها مبادرة بعض المواطنين من مدينة الديوانية بتسليم (230) قطعة آثارية من مواقع تاريخية مختلفة إلى مفتشية الآثار هناك، وتنوعت تلك الآثار بين حجرية وفخارية ونحاسية وأحجار كريمة تعود الى فترات بابلية وساسانية وإسلامية، ونحن نهيب بكل المواطنين بضرورة التعاون الجاد مع الطواقم المعنية بحماية الآثار وتراث العراق، لكي لا تكون عرضة للضياع والسرقة، لأن تلك قضية لا تخص الجهات الحكومية فحسب، إنما هي شأن جميع أبناء المجتمع العراقي في كافة المناطق.
*هل هناك ضمانات بعدم مساءلة من يقوم بتسليم الآثار إلى أية جهة رسمية؟
ــ نحن كجهة حكومية لا نستفسر عن طريقة العثور على الآثار من قبل المواطنين الذين يبادرون بتسليمها الى الجهات المعنية، لكي لا نشعر الشخص المعني بالخوف او الحذر من الإقدام على تلك الالتفاتة النبيلة، ولكي يدركوا بأن عملهم هذا أمر يدعو للفخر، ومحط إعجاب وتقدير واحترام بالنسبة لنا، ونكتفي فقط بشكره وتسليمه المكافأة والاستدلال على الموقع التاريخي الذي وجدت الآثار قربه، لتحديد الفترة الزمنية لتلك الآثار والعهد الذي تعود له لا غير، وقد أعلنا عن ذلك بشكل رسمي، لذا يجب ألا يخشى المواطن من أية مساءلة قانونية يفكر أنه قد يقع تحت طائلتها.