المرأةُ الكردية.. انتفضت على التقاليد وأبدعت في معترك الحياة

142

ضحى مجيد سعيد /

نجحت المرأة الكردية في التغلب على الكثير من التراكمات الاجتماعية والقبلية والعادات والتقاليد البالية، حين كانت النساء ضحيةً لممارساتٍ بعيدةٍ عن جوهر الدين والقيم الخلّاقة، وتحولن إلى شريك فاعل في كل الظروف التي مرت بها البلاد، ولاسيما في الأنفال، حينما استهدفت تلك الجريمة الأطفالَ والنساءَ بالأسلحةِ الكيماوية والمقابرِ الجماعية.
وعملت المرأة جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل في التعليم وإدارة البيت والصحة، وأثبتت جدارتها بعد تمتع الإقليم بالنظام الفيدرالي، إذ لم يبق باب أو مجال إلا وطرقته وعملت فيه، فنراها رئيسة للبرلمان، ووزيرة في الحكومة، وضابطة في البيشمركة والبوليس، وأستاذة في الجامعة، وقاضية، ومدعٍ عام وقائممقام، ومدير عام في معظم وزارات الحكومة، إذ نجحت في مجالها بدعم من الحكومة والبرلمان، والأهم دعمها من قبل أسرتها وذويها، إن مستقبلاً زاهراً ينتظرُ البلاد بدخول المرأة في ميادين الحياة العملية كافة.
معترك الحياة
تقول الدكتورة (منى ياقو)، رئيسة الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في إقليم كردستان، – 45 عاماً – تسكن في محافظة أربيل:
“كنا معتادين أن نتقبل ما يفرضه علينا الواقع حفاظاً على العادات والتقاليد، لكن الانفتاح الذي جرى في 1991، وكذلك تأثير المنظمات الدولية، والتوعية التي حصلت في مجال حقوق المرأة، كلها أسهمت في تغيير هذه المعادلة، وهنالك مواد قانونية في الدستور العراقي النافذ لعام 2005، كالمادة ١٤ تنص على حقوق المرأة والمساواة بينها وبين الرجل، وأيضاً المادة 49/ رابعاً التي تنص على حضور النساء في أروقة البرلمان مثلاً، كل ذلك جعلنا نسير بخطى أكثر وثوقاً.”
وأضافت: “إن للمرأة الكردية دوراً في المجتمع الكردستاني، كما للرجل في مختلف مجالات الحياة، إذ خاضت المرأة الكردية عملياً معترك الحياة السياسية بعد 1992، وتضاعفت مشاركتها بعد الإقرار بمقاعد الكوتا النسائية بنسبة 30% في برلمان الإقليم، فضلاً عن المجالات الأخرى التي نجد المرأة فيها حاضرة وبقوة، كالمجالين الوظيفي والاقتصادي، إضافة إلى مشاركتها النوعية في مجال العمل المدني، سواء كقيادية في منظمات تُدافع عن المرأة، أو كعضو فاعل غالباً، وفي مجالات أخرى.”
وأكملت: “وعلى الرغم من الظروف والتحديات التي تواجه المرأة، إلا أن هنالك العديد من النساء تميّزن في مجالِ عملهِن، ولاسيما في مجال مُنظمات المجتمع المدني أو المجال الأكاديمي، فقد تفوق البعض منهن على أقرانهن من الرجال، وهذا مدعاة للفخر بالنسبة لنا كنساء. فضلاً عن أن معظم الأحزاب الكردية حريصة على زيادة أعداد النساء في المقاعد السياسية عاماً بعد آخر، بما في ذلك المواقع القيادية.”
التابوهات المسكوت عنها
ويتفق (دلوفان محمد صالح)، الناشط في مجال حقوق الانسان، مع السيدة منى ياقو حول واقع المرأة الكردية ويقول: “إن الكثير من المشكلات والتابوهات المسكوت عنها بدأت تظهر في الإقليم، قبل بقية مناطق العراق، بحكم أن العمل في مسيرة نضال المرأة من أجل الحصول على حقوقها المشروعة بدأ في وقت سابق.”
وأضاف أن “واقع المرأة اليوم تغير عما كان عليه في السابق، وهذا ما حدث كنتيجة للنضال والعمل المستمر من قبل النساء في إقليم كردستان، هذا النضال الذي يجب أن ننظر إليه بكثير من التقدير والاحترام، فلو قارنا واقع المرأة اليوم في إقليم كردستان مُقارنة بالكثير من المجتمعات حولنا، فإنها سوف تكون في المقدمة، ولكن لا يزال هناك الكثير مما يجب أن يتحقق لتكون المرأة في المرتبة والمستوى الذي يجب أن تكون فيهما.”
وأكمل: “كمقارنة، فإن هناك ظواهر في انتهاك حقوق المرأة في الإقليم، برغم وجود الكثير من التقدم في الأنظمة والقوانين التي شُرّعت للتأكيد على حقوق المرأة المشروعة، وفي مقدمتها قانون مناهضة العنف الأسري، والسبب في ذلك هو طغيان الطابع الذكوري والعشائري على المجتمع في الإقليم.”
مبيناً أن “مجتمع إقليم كردستان يسوده الطابع الذكوري، كونه مُنحدراً من خلفية دينية عشائرية متزمتة، بالتالي من الصعب جداً الحكم على بيئة العمل في الإقليم بأنها إيجابية تجاه المرأة، بل في كثير من مفاصل العمل المشترك يُحكم على المرأة بأنها في المرتبة الثانية بعد الرجل، على الرغم من كل المحاولات المبذولة لخلق بيئة إيجابية تجاهها.”
وحول دور المرأة في السياسة أوضح قائلاً: “دور المرأة في المجال السياسي في إقليم كردستان لا يختلف عن بقية مناطق العراق، إذ تحكمه هيمنة الأحزاب الكبيرة على مفاصل العمل السياسي، وبالتالي فإن تمثيل المرأة ليس أكثر من دور شكلي يكون من خلال هذه الأحزاب التي تتحكم بمفاصل العملية الانتخابية، بالتالي لم نر تجارب للنساء في العمل السياسي مستقلة عن الأحزاب المهيمنة.”
وأكمل: “جميع النساء في العالم مميزات إذا توفرت لهن الفرصة والبيئة المناسبة للعمل وتقديم منجزاتهن، وهنا لا يمكن أن نحكم على قُدرات المرأة، فيما كل مفاصل المجتمع تمنعها من التقدم وتطوير خبراتها، كما أن المرأة لم تحظَ بالظروف والمعطيات العادلة في المجتمع حتى هذه الدقيقة، وحتى في منظومة التشريعات، لكي تكون المنافسة عادلة بينها وبين الرجل، وليتحقق التنافس العادل بينهما، بل إن المرأة مُكبلة بالكثير من القيود والأغلال التي تُعيق قدرتها على منافسة الرجل في سوق العمل، فبالتأكيد أن المرأة لم تتمكن من التنافس بشكل عادل.”
تضحية وشجاعة
بدورها.. السيدة (شه نگ شوان داودى)، التي تعمل كمحامية، 28 عاماً، تسكن محافظة أربيل تقول: “من المعلوم أن نساء كردستان، وعبر تأريخ الشعب الكردي، قد شاركن بفاعلية في الانتفاضات والثورات في المراحل كافة، وكانت نساء البيشمركة مثالاً للشجاعة والتضحية والإقدام للذود عن الوطن، إلى جانب إخوانهن الرجال في البيشمركة، إذ تمكنوا معاً من رفع اسم كردستان عالياً،، ولا تزال هنالك العديد من النساء يُمارسن أدوارهن في مؤسسات أمنية حيث يثبتن فعاليتهن بكفاءة كبيرة.”
وأوضحت: “في ظل توجّهات إقليم كردستان لبناء نظام سياسي يتميزُ بالديمقراطية والمدنية، أصبحت مشاركة المرأة كمواطنة في هذه العملية، من المقتضيات الضرورية، وتأتي ضمن أهمية تبني ستراتيجية وطنية شاملة تكفلُ تمتع جميع أفراد المجتمع بحقوقهم، باتباع نهج شامل فيما يتعلق بجميع جوانب التنمية، ومنها المساواة بين المرأة والرجل واحترام حقوق الإنسان مع التأكيد على تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية.”
أما السيدة (په ری محمد مامه سه نی)، الصحفية في مؤسسة إعلام كردستان – 28 عاماً- تسكن في أربيل فقالت:
“المرأة ليست نصف المجتمع، بل إنها المجتمع بأكمله، لأنها هي الأم وهي الأخت وهي البنت، كما أن المرأة الكردية على مر التأريخ كان لها دور ومكانة خاصين في المجتمع الكردي، وفي جميع مراحل الحياة، فقد بذلت جهوداً ونضالاتٍ من أجل الحياة والأسرة، ناهيك عن أنها لعبت دور الأب في ظل غياب الرجال داخل الأسرة، وتكفلت بمسؤولية إدارة أسرتها وأطفالها، وبعد الانتفاضة تمكنت النساء من المضي قدماً بشكل أفضل وأثبتن بأنهن أكثر جدية وشجاعة.”