المعاملةُ الإلكترونية.. التقنية لخدمة المواطن

366

آمنة عبد النبي /

بضع كبسات على أزرارِ الحاسوب أو شاشة الموبايل قادرةٌ على إنجازِ أكثر المعاملات تعقيداً في دول أوروبا، تلك التي قد يستغرقُ إكمالها بالطرقِ التقليديةِ شهوراً، لأن قدسيةَ الوقت في حياةِ تلك الشعوب واختصار المجهود يعزّزان فكرة الرفاهيةِ الانسانيةِ بعيداً عن البيروقراطياتِ الإداريةِ المُكلفة.
تُرى ما المانع من تطويعِ التكنولوجيا وتقنياتها في إنجازِ المعاملات برفاهيةٍ وجهدٍ أقل؟ لا سيما بعد شيوع ثقافة التسويق الإلكتروني في العراقِ ورواج نوافذ البيعِ والشراءِ في البيوتِ، أحقاً أنَّ غولَ الفساد وطابور المرتشين سيقفان عائقين أمامَ تطبيقِ الآليةِ الالكترونيةِ المُدمرة لمافياتِ الفسادِ الإداري؟!
احترام الوقت
الأوربيون عامة يحترمون الوقت، ويحاولون اختصاره جهد إمكانهم، لذلك طوعوا التكنولوجيا لديهم مبكراً، لا سيما في إنجاز الخدمات والترفيه عن أصحابها”..
تقول المهندسة “سمر رشيد” من العاصمة ستوكهولم، عن تجربتها مع الأعمال والمراسلات الالكترونية: إن التجربة العصرية في التعامل مع المعاملات ودفع الفواتير بنحو عام كانت مبهرة لي، السرعة في الإنجاز الذي لا يكلف سوى ثوانٍ لا أكثر لتكتمل معاملة قد تستغرق شهوراً، فضلاً عن ذلك فإنَّ التكنولوجيا تسهم إسهاماً مباشراً في القضاء على الفساد الإداري ولكنَّها في الوقت ذاته تقلل من فرص العمل لا سيما موظفي الصادرة والواردة والأرشيف، إلا أنني مؤمنة أن التغيير بإمكانه أن يحصل بنحو تدريجي ومهني ويرافقه تدريب الموظفين وتطويرقدراتهم، والشعب العراقي لا يختلف عن باقي الشعوب من ناحية استخدام التكنولوجيا والثقافة الالكترونية التي تطورت كثيراً في السنوات الأخيرة، فعند زيارتي الأخيرة للعراق وجدت مواقع كثيرة لبيع الملابس والتوصيل وحتى خدمات الطعام، لذلك أتصور أن الموظف الحكومي هو من يحتاج الى التطوير والمساعدة لتغيير النظام الورقي التقليدي الى الكتروني، وهي مهمة ليست بالمستحيلة.
الروتين القاتل
هناك من يفكر بنهش الآخر وإفراغ جيبه ولا يتم ذلك إلا بمساعدة الروتين الإداري القاتل..
معاملات مؤجلة وروتين مُمل يتطلب حضور أصحابها في كل مرة، هو جزء من تخريجة الروتين الملتوية كما تعتقد إيمان حسن.
وتضيف: أنا سيدة بيت وخريجة عاطلة، ومعاناتي كبيرة جداً بهذا الشأن، ابتداءً من كارثة التعيينات التي تذهب لمن لا ينطبق عليه أي شرطٍ من شروط التخصص أو الاقدمية بسبب كثرة منافذ الرشاوى والمحاباة، وانتهاءً بسلسلة استرجاع أبسط نسخة من وثيقة التخرج لأي أغراض طارئة، لأننا هنا أمام مشوار مُتعب يمتد أياماً وربما أكثر ما بين الصادر والوارد والعوائق المختلفة بينهما، أما لو كنّا نعمل على وفق الآلية الالكترونية الشاملة في توزيع الحقوق، لما ضاعت حقوقنا في التوظيف، ولو كان إنجاز الخدمات بالتراسل هو السائد لكنا قضينا على “كانسر” الرشوة والمزاجيات الحادة التي تضع المواطن فريسة للموظف المكلف بخدمته أصلاً، نحنُ نضطر غالباً الى دفع مقابل بغية تمرير كثير من الخدمات المؤجلة أو المُعطلة عمداً، مثل معاملة الزواج وشراء سيارة، حتى التعليم أصبح تجارة ونهباً، لذلك أعتقد أن العائق الأول في إنتاج الفكرة عائق ثقافي واجتماعي أكثر من تعلقه بالسياق الحكومي أو بقضية البنى التحتية والقدرة على توفير شبكات انترنيت عالية الجودة وفعالة، لأن تطويع التكنولوجيا في أوروبا سبقنا بعهود تقنية ومراحل ثقافية كبيرة.
حداثة وتجربة
“كفتها في العراق غير راجحة بسبب إلزامية مراجعة الدوائر والرضوخ للرشاوى والمزاجيات، ووجود أعداد كثيرة من موظفي الدوائر يتوجب تشغيلهم أيضاً”..
بارقةُ أمل واستشراق إيجابي، هو ما تبين من وجهةِ نظر الكاتب والمترجم “نبيل طه” وتحليلاته لمستقبل المعاملة الألكترونية في العراق.
يقول طه: لقد شهد أواخر عام 2003 دخول الانترنيت بعيداً عن بوليسية الجهاز الحكومي السابق، وأصبح مزودو الخدمة بعدها من القطاع الخاص، وأضحت وسائل الاتصالات متاحة للناس بدون أي مراقبة أو محاذير، وصار البريد الالكتروني يُستخدم في كثير من الجهات الحكومية والقطاعات الخاصة، عوضاً عن فكرة الذهاب اليها لإنجاز عمل مثل الحجز أو الشروع بمعاملة إصدار الجواز ومعاملة إصدار البطاقة الوطنية واستخراج إجازة سياقة وتطبيقات الحوالات المالية وترويج معاملة الحج ومعرفة القبولات المركزية لطلبة السادس الإعدادي والتقديم على الوظائف الحكومية لا سيما في باب التطوع للجيش أو القوى الأمنية، تلك الخدمات الالكترونية كانت فعلاً تقلل الجهد وترفع بعض العناء عن كاهلنا وتختصر كثيراً من الإجراءات، ومع ذلك نقول ما يزال كثيرون يجهلون ماهية تلك الخدمات وكيفية استخدامها، لذا يلجأ بعض الناس الى المكاتب الأهلية التي وفرت تلك الخدمات مقابل أجر، ولكونهم غير مُلمين باستخدام الانترنيت وما وفره من خدمات، أو لنقل ما زلنا في عهد التعاملات القديمة التي تُلزم المواطن بمراجعة الدائرة شخصياً لإكمال متطلبات معاملته ووجود توقيعه الحي على بعض النماذج الرسمية المرفقة مع المُعاملة من جهة أخرى، ولو توفرت التكنولوجيا الألكترونية في العراق على نطاقٍ عام فلا أعد ذلك ضرباً من ضروب الخيال، لا سيما مع وجودِ بنى تحتية رصينة لتكنولوجيا مماثلة وأعني هنا وجود شبكات انترنيت فائقة السرعة ومتوفرة على أوسع نطاق وبأسعار مناسبة.
فوضى وإصلاح
تجديد الهوية أو إجازة السوق أو أي وثيقة ورقية، سيمر خلال الروتين الإداري المعقَّد والمتعب والمُكلف مادياً، ولا يُنجز قبل أسبوع”..
المختص في وزارة الاتصالات العراقية “حيدر كاظم” وضع يده على نقاط الخلل وكيفية تجاوزها، قائلاً: إن إنجاز المعاملات وتخليصها في التراسل بالايميل أو البريد الالكتروني آلية عمل بسيطة ورائعة وتستلزم جهداً ووقتاً أقل، وبإمكانها القضاء على مرض الرشوة، وكذلك إنهاء الطرق الملتوية التي يتبعها كثير من معقبي المعاملات، وقد نجحت على نطاق بسيط في بعض المنافذ وطوّعت الناس تجاه تحديث أفكارها وطريقتها في الحياة، لا سيما في السنوات الأخيرة إذ شهدت المواقع الالكترونية في العراق رواجاً للتسوق والمتاجرة والترويج، لذلك نحن نعتقد أن تطبيق الآلية الالكترونية الشاملة في العراق لا بد أن يمر بمراحل عدة، وقبل كل شيء ترويج فكرة الثقافة الالكترونية ذاتها بين الناس، إذ يجب أن تُشاع وتتحول إلى طريقة حياة لأن الأفكار التقليدية القديمة شديدة البطء هي السائدة والمتحكمة، ولا ننسى سيطرة المتنفذين على بعض المناصب المهمة في الدولة، وأمراض الرشاوى والفوضى وعدم الانضباط، نحنُ بحاجة الى إصلاح أخلاقي وإنساني وعلمي.