المناهــج الدراسيـــة.. مكامـــن القـــوة والضعـــف.. مخرجات اللغة الإنكليزية نموذجاً

117

إياد السعيد /

في الحافلة، وضمن حمّى أخبار كأس العالم، استمعتُ باهتمام إلى حديث بين شابين سأل أحدهما الآخر عن اسم إحدى الدول المشاركة في المنديال مستغرباً Netherlands، فأجابه صديقه ضاحكاً: لحظة لنسأل ترجمة كوكل.. أها إنها تعني هولندا!! التفت إليهما رجل خمسيني وسألهما عن تحصيلهما الدراسين فظهر أن السائل خريج بشهادة دبلوم، والمجيب في المرحلة الثالثة من الدراسة الجامعية!!
وسط ذهولي من المستوى المتدني، تذكرت مقالاً لأحدهم يؤكد فيه أن اللغة الثانية تعني اكتساب ثقافة، فتمنيت حينها لو أنه كان حاضراً بيننا ليطلع على المستوى الثقافي الحالي للأجيال بسبب عدم امتلاكهم أهم لغة في العالم الآن، التي تدرس في مدارسنا وجامعاتنا لكي نتواصل مع العالم. وعادت بي الذكريات إلى الماضي حين كنا طلبة متوسطة ونتساءل لماذا تظهر أسماء بعض الدول مختلفة بين دورة وأخرى مثل الاتحاد السوفيتي الذي نقرأ على فانيلات فرقه CCCP بينما تقرأ الشاشة USSR، لكن اللغز لم يدم، فقد كان مرجعنا مدرس اللغة الإنكليزية المليء علماً وثقافة.
في خبر متداول، أعلنت لجنة التربية النيابية أن المناهج الدراسية في العراق هي الأقوى على مستوى الوطن العربي!! قد نوافقها على ذلك، ولكن الأهم ماهي مخرجات هذه القوة؟ وماذا أفاد الجيل منها؟ هل واكبت التطور الحاصل في العالم؟ وهل أخذت في الحسبان حاجة العراق الى تخصصات بعينها؟ وهل درست التغير في البيئة المجتمعية.. ووووو؟
يبدو أن الموضوع شائك وفيه الكثير من زخم الآراء والأفكار في ما يخص كل المناهج الدراسية، لذا ارتأينا أن نجزئه إلى تخصصات معينة. ولنبدأ في هذا العدد باللغة الإنكليزية.
أم يوسف تقول: “في ثلاث سنوات لم يستطع يوسف أن يكتب أو يلفظ كلمة إنكليزية واحدة، ما اضطرني لنقله إلى مدرسة خاصة، وهو الآن في المرحلة السادسة ويستطيع أن ينافس طالب إعدادية بلغته.”
لينا إياد.. مدرسة لغة إنكليزية تبدي رأيها: “المشكلة هي معضلة حقيقية وليست وليدة اليوم، فهي مستدامة بسبب عدم تأهيل المعلمين والمدرسين لتدريس لمنهج الحديث، لأنهم تعلموا الأسلوب القديم، وأيضاً يرحل التلميذ الى مرحلة الطالب بمعلومات بسيطة جداً، وكأن اللغة الإنكليزية هي إسقاط فرض، فماذا يفعل المدرس هنا؟”
عمار غالب.. أستاذ اللغة الإنكليزية على النمط الحديث المعتمد على المحاورة والتلقائية، يحدد الخلل: “مناهجنا أفضل مما كانت عليه قبل عام 2014، لكنها ليست بمستوى ما هو موجود عالمياً في نواح كثيرة، نجد فيها تنوع المواضيع وشموليتها لمهارات اللغة وسلاسة طرح المادة العلمية، لكنها مصممة لغرض النجاح ورقياً وليس لغاية معرفية. فامتحانات مادة اللغة الإنكليزية مبنية على أساس القراءة والكتابة فقط، وحتى الكتابة أصبحت عن طريق الحفظ، إذ لا مجال للإبداع في كتابة الإنشاء مثلاً، أما الاستماع والتحدث فلا وجود لهما. هذا التوجه جعل الطالب يميل الى هذا المنهج ليحصل على أعلى درجة ممكنة. فلو افترضنا أن التحدث والاستماع لهما جزء من نتيجة الطالب النهائية، فسوف تحدث كارثة ولن ينجح 10% من الطلاب. وللأسف فإن هناك الكثير من التدريسيين هم أساساً لا يتقنون اللغة وبحاجة الى تطوير جذري، والحل الأمثل والأسرع والأكثر فاعلية هو الاستعانة بخبراء مختصين في تصميم المناهج، كما فعلت السعودية وقطر وغيرهما ضمن رؤية تضعها وزارة التربية لتخرّج طلاباً يتحدثون اللغة الإنكليزية بطلاقة، فمن غير المعقول أنهم يدرسونها 12 سنة ولا يستطيعون التحدث بها ولو لدقيقة واحدة، أو كتابة سطرين من تأليفهم، والمسألة لا تقتصر على طلاب المدارس فقط، إذ أن غالبية خريجي أقسام اللغة الإنكليزية في كليات التربية واللغات والآداب لا يتحدثون لغة مقبولة. وأنا شخصياً درّست الكثير منهم بعد تخرجهم في هذه الكليات.”
منهاج رصين في كتاب مصور ملون جميل حين تتصفحه لكن.. هل أعطاه التربوي حقه؟ وهل قدّمه بكل ما فيه؟ وهل أفاد التلميذ منه؟ ربما ثمة أساليب تحدّ من صعوبة هضم المادة بسلاسة حسب دبلوماسية وخبرة وذكاء التربوي واجتهاده في التمثيل والتطبيق والتشويق. فرصانة المنهج ليست في الصعوبة، وإنما بمواكبة العصر وعلومه والتطور المتسارع فكل شيء يتغير في العالم.. أليس من المحتم أن نغيّر مناهج التعليم؟
حملنا تساؤلاتنا لنعرضها أمام د. رياض كريم العمري، المدير العام للمناهج في وزارة التربية الذي أفادنا: “هناك دراسة قدمها المجلس الثقافي البريطاني بعنوان (تعليم وتعلّم اللغة الإنكليزية في العراق) للباحثين سايمون بورغ وتوني كابستيك بمساعدة الباحثين الميدانيين د. مؤيد جمعة والسيد نزار جميل في شباط 2022، خلصت إلى أن المنهج المعتمد في أقسام اللغة الإنكليزية في كليات التربية في الجامعات العراقية لا يتماشى مع المنهج الجديد للغة الإنجليزية في مدارس وزارة التربية، وأن خريجي أقسام اللغة الإنكليزية بحاجة الى مهارات اللغة، والكفاءة التدريسية، وفهم منهج اللغة الإنكليزية المعتمد من وزارة التربية لتعليم اللغة بشكل فعال، ولم نصل الى المرحلة التي نطمح إليها بتطبيق المنهج بسبب تواضع كفاءة المعلم والبيئة التعليمية من تجهيزات ووسائل الإيضاح وعدد التلاميذ، إن اللغة الإنكليزية في العراق تدرس كلغة أجنبية وليس كلغة ثانية، أي أن صلة التلميذ / الطالب تنقطع بما تعلمة داخل الصف بمجرد انتهاء الدرس، إذ لا تستخدم اللغة الإنكليزية في العراق في مجالات الحياة العامة، علماً أن المنهج الحالي كفيل بأن يتحدث الطالب بطلاقة إذا ما عالجنا كل العقبات التي ذكرناها.”