النَبّاشة.. يبحثون عن رزقهم بين تلال النفايات!

991

حسين محمد الفيحان /

(النبّاشة) أفراد من الرجال والنساء والاطفال يمتهنون البحث والتنقيب في اماكن تجمع النفايات في اطراف وحدود العاصمة بغداد. ينتظرهم كل صباح يوم شاق, ففي وقت مبكر يأتون الى اماكن الطمر الصحي للنفايات, والتي يعيش الكثير منهم في بيوت من الصفيح بداخلها, لمزاولة عملهم المعتاد, ينتظرون بلهف المركبات المحملة بالنفايات ليبحثوا فيها عما يمكن ان ينفعهم: علب فارغة, او قناني مياه مستهلكة, يقومون بتعبئتها بأكياس لنقلها بعد ذلك الى حيث يمكن ان تباع.
ام علي تقول لمجلة (الشبكة العراقية) : لدي ثماني بنات, ولا املك اي مصدر رزق غير هذه المهنة, ومنذ اكثر من خمس سنوات انا وبناتي نزاول هذا العمل , نحصل منه يوميا على (15) الف دينار بعد جمعنا لأكثر من (50) كيلو غراما من علب المشروبات الغازية والقناني البلاستيكية , نعطي منها (3)الاف للسيارة التي تنقل بضاعتنا لأماكن بيعها, ويتبقى لنا (12) الف. مضيفة ان اكلهم اليومي لوجبات الفطور والغداء و العشاء من هذه النفايات وكذلك ملابسهم منها بعد غسلها وعرضها على الشمس.

الصبي مهند ذو الـ (12) عاما يتمنى العودة لمقاعد الدراسة التي تركها في مرحلة الابتدائية بسبب عمله في نبش النفايات, يقول: حالتنا فقيرة جدا , وابي لا يقوى وحده على جمع (50) كيلو غراما من المواد البلاستيكية في اليوم الواحد , لذا تركت دراستي لمساعدته.

الموت يُلاحقُ (النباشة)

في مكان تجمع تلال النفايات الذي يقع جنوب شرقي العاصمة بغداد, وفي شهرين, توفي ثلاثة اطفال وبترت ساق امرأة بحثا عن لقمة العيش, تُرمى في ذلك الموقع أكوام من النفايات , قادمة من أحياء العاصمة , يقال انه مكان للطمر الصحي !

النباش ابو محسن تحدث لمجلة (الشبكة) عن ذلك قائلا : زوجتي بترت ساقها بعد ان دهستها سيارة حاوية النفايات و احد اقاربي توفي بعد نقله للمستشفى بسبب دهسه من قبل حاوية نفايات ايضا, وطفلان قضيا بنفس السبب, مؤكدا حوادث الدهس التي يتعرض لها (النباشة) مستمرة.

محمد، شاب عشريني (نباش) كذلك، يقول لـ (الشبكة) : ان اسباب حالات الدهس التي يتعرض لها افراد النباشة هي: اما بسبب التجمع الكثير للافراد حول حاويات النفايات قبل رميها ما تحمل , او بسبب تعثر الاطفال وبعض النساء بين اكوام النفايات وعدم رؤية السائق لهم فيدهسهم .
امانة بغداد تقول:

بدورنا ذهبنا الى امانة بغداد للوقوف على اسباب الحوادث المستمرة التي يتعرض لها اولئك الباحثون في النفايات عن مصدر رزقهم , فالتقينا بالمتحدث الاعلامي لها حكيم عبد الزهرة, الذي قال لمجلة (الشبكة) : ان اماكن الطمر الصحي غير مسيطر عليها , مبينا ان هذه الأماكن وجدت حتى ترمى النفايات بها ثم تدفن بالتراب بعد حرقها , ليكون هناك حاجز بينها والأوبئة , لكن الذي يحدث أن اصحاب مهنة النباشة وهم في ازدياد يمنعون اصحاب الشفلات والحاويات ان يردموا هذه النفايات ويدفنونها في الارض او يحرقونها , الى ان يتم اخذ ما يريدونه منها , وتصل الحالة الى ان افرادا منهم يقفون امام الشفل و الحاوية ويمنعونها من دفن ما تحمل وهذا الذي يؤدي الى حصول حوادث الدهس . و اضاف عبد الزهرة : انه و رغم افتتاح معمل تدوير النفايات من قبل محافظة بغداد في منطقة اليوسفية قبل ما يقارب 5 سنوات غير انه ليس كافيا لما ينتج من مناطق بغداد من نفايات يوميا.

اسواق لشراء ما يجمعه (النباشة)

على الجانب الاخر من اماكن تجمع تلال واكوام النفايات , اسواق لشراء ما يجمعه النباشة , بعضها متخصص بـ العلب المعدنية والبلاستيكية , واخرى لشراء الورق المقوى وثالثة لما يمكن تدويره من تلال القمامة , اسواق قريبة , وابواب لتصريف بضاعة تستخرج من النفايات من قبل كادحين لا يملكون غير هذه المهنة .
_ جاسم ابو العتيكـ صاحب علوة للشراء من النباشة يقول لـ( الشبكة) : كل من يعمل بهذه المهنة هم متضررون , ويحصلون يوميا على اجور زهيدة لا تتجاوز الـ (10) الاف دينار, عن عمل يصل الى 12 ساعة يوميا, مبينا ان كيلو العلب المعدنية , يشتريه منهم بـ (300) دينار فقط , وباقي ما يجمعونه بنفس الاثمان تقل او تزداد ببعض الدنانير.

البحث عن قانون ينتشل هذه الفئة من واقعها

وسط اكوام هذه النفايات الكبرى تعيش مئات العوائل المعدمة بسبب الفقر والحرمان و التي لم تجد حتى الان قانونا ينتشلهم من هذا الوضع المأساوي , فالكل يبحث في مخلفات النفايات , لسد متطلبات الحياة الصعبة. ام احمد حدثتني وهي تبكي و تقول : اتينا من الريف مع زوجي المريض و ابنائي الاربعة لنسكن في احد احياء العشوائيات ببغداد , وقد اضطررت ان يترك اولادي من المدرسة , ليعملوا معي في مهنة النباشة, مضيفة ان لا راتب لهم من الرعاية الاجتماعية او اي جهة اخرى مطالبة الجهات المسؤولة بتشريع قانون يكفل لهم حقوقهم الضائعة .

ورغم اتصالاتنا المتكررة بمجلس محافظة بغداد وحكومتها المحلية, غير ان المعنيين لم يدلو لنا باي تصريح حول هذه الفئة التي تعتاش على مهنة النبش.
فرز النفايات بالنسبة للنباشة اصبح مهنة يومية بعد ان ضاقت بهم السبل في كسب العيش والحصول على عمل اخر اقل قساوة.

معظم مزاولي هذه المهنة يعيشون تحت خط الفقر بدرجة كبيرة يسكنون في الضواحي و النواحي الفقيرة (العشوائيات) من العاصمة بغداد , وفي ظروف لا تتوفر فيها ظروف العيش الانساني , بعضهم نزح من المحافظات الجنوبية تحت وطأة الحاجة وقلة الموارد , وهي حالة تعكس واقعا مغايرا لبلاد تعد من البلدان الغنية بالثروات الطبيعية.

هذه الزوايا المظلمة في حياة هؤلاء الناس تأخذ بعدا اكثر عمقا مع دفع اطفالهم لمزاولة نفس العمل, الذي اصبحوا لا يجيدون عملا اخر سواه.
في هذا المكان الذي يسمى بمكان الطمر الصحي تنطمر حياة الفقراء ومعها تنطمر طفولة ابنائهم الذين لم يعرفوا من الطفولة سوى علب مرمية وسط اكوام القمامة.

انهم بانتظار من يشرع لهم قانونا يكفل حقوقهم كأطفال وكراقيين يعشيون في بلد غني بالثروات الطبيعية.