اليابانيون لاينامون ولا يأخذون قيلولة!

661

ترجمة: آلاء فائق/

نسمع كثيراً أن اليابانيين لا ينامون، ولا يتمتعون بأخذ قيلولة، لكنهم يغفون بشكل طبيعي جداً في اجتماعات العمل أو المحاضرات الدراسية، لا بل إنهم لا يتورعون عن الاستمتاع بغفوة قصيرة بالشارع او في وسائل المواصلات،  فيما يطلقون عليه اسم غفوة “إينيموري”

هذا مايقوله الجميع

اليابانيون لا ينامون. هذا ما يقوله الجميع،  وفي مقدمتهم اليابانيون أنفسهم، وهذا بالطبع ليس صحيحاً، لكن كمفهوم ثقافي واجتماعي، فالأمر مثير للاهتمام جداً.

تقول ستيغار إنها واجهت، لأول مرة، هذه المواقف المدهشة لنوم “الأينيموري” في أول يوم وصولها إلى اليابان أواخر الثمانينات. في ذلك الوقت كانت اليابان تمرّ بذروة ما عرف لاحقاً بـ “الفقاعة الاقتصادية”، وهي مرحلة ازدهار افتراضي خارج عن المألوف. كانت الحياة اليومية تبعاً لذلك محمومة كدّاً ونشاطاً. فقد غصّت جداول أعمال الناس اليومية بمواعيد العمل والاستجمام، لا بل حتى أوقات فراغهم كانوا يمضونها بأعمال جانبية، وكانوا بالكاد يجدون وقتاً كافياً يهنأون فيه بالنوم. بذكاء شديد يمكن تلخيص نمط حياة تلك الحقبة  بالترويج لشعار إعلاني شعبي، يروّج لفوائد مشروب للطاقة يقول:”هل  بإمكانك مصارعة وقتك خلال الـ24 ساعة لتحقيق أهدافك؟ …نعم، رجل أعمال! رجل أعمال ياباني!”
لسان حال كثيرين منهم كان يشكو من مقولة: “نحن اليابانيين مهووسون بالعمل كثيراً”، لكن في ماهية هذه الشكوى تستطيع ان تلتمس إحساساً بزهو يميزهم لكونهم أكثر تحملاً من غيرهم، وبأنهم متفوقون على غيرهم من البشر. غير أنني في الوقت عينه، لاحظت بمساري اليومي لمكان عملي أعداداً لا تحصى من الناس يغفون بمترو الأنفاق، لا بل أن بعضهم تجده نائماً اثناء وقوفه، منظرهم كان يبدو اعتيادياً ومألوفاً لأبناء جلدتهم.

سلوك متناقض

الصورة المشرقة لـ”النحلة العاملة”، التي تختصر ساعات نومها ليلاً وتستهجن النوم حتى ساعة متأخرة نهاراً، ترتبط بتسامح واسع النطاق لما يعرف بغفوة “إينيموري”، او القيلولة بوسائل النقل العام وخلال اجتماعات العمل، والمحاضرات والحصص الدراسية.

يبدو أن النساء والرجال والأطفال لا يمانعون أبداً بنيل قسط من النوم حيثما شعروا بالرغبة في ذلك في أي وقت.

فإذا اعتبرنا أن النوم في السرير علامة على الخمول والكسل، إذاً لماذا لا نعتبر أن النوم خلال نشاط معين او حتى اثناء العمل أكبر من الخمول؟
ما الحكمة من السماح للأطفال بالسهر حتى ساعة متأخرة ليلاً للدراسة إذا كان ذلك يعني أنهم سينامون أثناء الحصة في اليوم التالي؟ هذه الانطباعات والتناقضات هي التي قادتني للتوغل وبشكل مكثف بفكرة النوم كمفهوم لدراسة الدكتوراه بعد ذلك بعدة سنوات.

مجموعة من المعاني

في البداية، اضطررت لمحاربة إجحاف الناس ممن كانوا يترددون باعتبار النوم موضوعاً جاداً ومهماً لدراسة أكاديمية. بالطبع، كانت تلك المواقف هي بالضبط ما لفت انتباهي أصلاً. فالنوم يمكن أن يحمل معانيَ وأفكاراً متنوعة ومختلفة. تحليل ترتيبات النوم والحديث عنه يكشفان مواقفَ وقيماً أصبحت جزءاً لا يتجزأ من السياقات تتم فيها مناقشة موضوع النوم . من خلال تجربتي الشخصية، فإن الأنشطة اليومية التي يمارسها المجتمع والتي تبدو طبيعية هي بالضبط ما يكشف عن تركيبة هذا المجتمع والقيم السائدة فيه.

غير أن المثقفين، وخاصة شباب الساموراي، كانوا يعتبرون أنه أمر في غاية الفضيلة لو هجروا فراش نومهم وتفرغوا للدراسة ليلاً، على الرغم من عدم عملية سلوكهم، لأنه يتطلب توفير وقود لإشعال المصابيح وكثيراً ما كان يغلبهم النوم أثناء هذه المحاضرات.

النوم مع الأطفال

من ناحية أخرى، يثنى على الاستيقاظ المبكر كعادة حميدة في الأقل منذ بدء الكونفوشيوسية إلى البوذية.

في العصور القديمة، تظهر المصادر اهتماماً خاصاً بجدول أعمال موظفي الدولة، ولكن من العصور الوسطى فصاعداً، تم تطبيق الاستيقاظ المبكر على جميع طبقات المجتمع، ومن حينها أشيع استخدام عبارة “نم مبكراً واستيقظ مبكراً” كنايةً لوصف الشخص الفاضل.
قضية أخرى مثيرة للاهتمام هي النوم المشترك ومشاركة الأم طفلها الرضيع النوم بنفس السرير. في بريطانيا، غالباً ما يتم نصح الآباء بضرورة توفير غرفة مستقلة لأطفالهم الرضّع كي يتمكنوا من تعلم النوم المستقل منذ نعومة أظفارهم، وبالتالي سيرسخ لهم ذلك وضع جدول نوم منتظم.

لكن على النقيض من ذلك، ففي اليابان يصرّون على ضرورة النوم المشترك مع الأطفال حتى يبلغوا سن المدرسة لتشيع في نفوسهم الطمأنينة، وتساعدهم على ان يكونوا مستقلين ومستقرين اجتماعياً عندما يكبرون.

النوم في حضور الآخرين

وقد يكون هذا النمط الثقافي هو الذي ساعد اليابانيين على النوم في حضور الآخرين، حتى لو كانوا راشدين، ويقول الكثير من اليابانيين إنهم في كثير من الأحيان ينامون بشكل أفضل بوجود آخرين  من النوم بمفردهم. هذا التأثير يمكن ملاحظته في ربيع 2011 بعدما دمرت كارثة تسونامي الضخمة مدناً ساحلية عدة. وكان على الناجين البقاء في ملاجئ أعدت لإيوائهم، حيث تقاسم العشرات أو حتى المئات نفس مساحة المكان للمعيشة والنوم.

وبرغم حصول العديد من المشاكل، وصف الناجون كيف أنهم تقاسموا مكان النوم الجمعي بالشكل الذي اشعرهم بالألفة والراحة وساعدهم على الاسترخاء واستعادة إيقاع نومهم من جديد.

بعد بضع سنوات من البحث بهذا الموضوع، أدركت أخيراً أنه على مستوى معين، لا يعد  إنيموري نوماً على الإطلاق. ولا ينظر لهذه الغفوة كونها مختلفة عن النوم ليلاً في الفراش، لا بل ينظر إليها على أنها تختلف عن قيلولة الظهيرة أو غفوة شحذ الطاقة.
كيف يمكننا فهم ذلك؟ يكمن السر في اللفظة ذاتها والتي تتكون من كلمتين صينيتين الأولى: “إي” والتي تعني الحضور في وضع ليس هو النوم، و”نيموري” والتي تعني النوم.

قيلولة إنيموري

تعد قيلولة “إنيموري” في مكان العمل مثالاً لذلك. فمبدئياً، يتوقع أن يكون المرء أثناء فترة العمل يقظاً ومنهمكاً بعمله، أما غلبة النوم فتخلق انطباعاً بالخمول وأن الشخص يتهرب من واجباته.

لكن من ناحية ثانية، ينظر إلى النوم في الاجتماعات على أنه علامة على الإرهاق بسبب العمل. وربما يمكن التماس العذر لمن ينامون بهذه الأوضاع من باب أن الاجتماعات في العادة طويلة ويكون فيها الجميع مستمعين لتقارير المسؤولين.

وفي الغالب، ينظر بالتقدير لتجشّم الشخص عناء الحضور أكثر مما يتم إنجازه عملياً داخل الاجتماع . كما قال لي أحدهم: “نحن اليابانيين نمتلك روح الألعاب الأولمبية، حيث تعتبر المشاركة هي المهمة”.