بتقنية دايسوغي القديمة اليابانيون يحصلون على الخشب بدون قطع الأشجار !

206

ترجمة: آلاء فائق/
من خلال فن التقليم والحصاد الياباني القديم، والمعروف بـ”دايسوغي”، او خشب الأرز، “المنصة” أو “المسرح”، الذي بدأ في القرن الرابع عشر، تمكّن علماء يابانيون من تطوير طريقة فريدة لزيادة عدد أشجار الغابات في البلاد دون شغل مساحة إضافية من الأراضي وذلك بزراعة أشجار عمودية طويلة فوق جذوع الأشجار الموجودة فعلاً.
في وقت يزداد فيه الطلب على الأخشاب بالتوازي مع انحسار المساحات القابلة للزراعة حول العالم، فقد خطرت لليابانيين فكرة زراعة شجرة أم واحدة تنمو براعمها وجذوعها بفضل التقليم الدقيق الذي يتم إجراؤه كل عامين بشكل يجعلها ترتفع في السماء.
لا يوجد بالعالم سوى عدد قليل جداً من الأشجار، وبفضل خصائصها باحتجاز الكربون، فإن احتمال قطع الأشجار لا يبدو حكيماً، بالوقت نفسه، ستستمر الغابات بلا شك، ونحن كمجتمع سنظل بحاجة ماسة للخشب، فهذه ليست بالمشكلة الجديدة، فهي مشكلة عالجها اليابانيون منذ القرن الـ14، بسبب ولعهم بالهندسة المعمارية الخشبية، فكانت تقنية دايسوغي، التي اعتمدتها ولاية كيوتو اليابانية، لمواجهة النقص الحاد بالشتلات، فزرعت الأشجار على سفوح كيتاياما، قرب كيوتو.
كان هذا خلال فترة موروماتشي، المميزة بالتاريخ الياباني، التي امتدت من العام 1336 حتى العام 1573، وشهدت تلك الفترة احتفالات الشاي الشائعة، فكثر الطلب على بيوت الشاي، التي تم بناؤها على الطراز المعماري البسيط والأنيق “سوكيا-زوكوري” ما يتطلب جذوعاً ناعمة ومستقيمة، كما تم استخدام غالبية خشب تاروكي ببناء المقاهي اليابانية التقليدية بكيوتو.
الحاجة للأخشاب
هل يمكننا الحصول على الخشب دون قطع الأشجار؟ وفقاً للطريقة التي تختفي بها الغابات الاستوائية، الجواب بالتأكيد لا، لكن بالواقع، من الممكن، إذا لم تقتل الشجرة، ونتركها تتواصل بالنمو.
تعد الغابات عموماً، التي تشغل أكثر من 30 بالمئة من مساحة اليابسة بالعالم، مورداً طبيعياً للبيئة والبشرية على حد سواء، فهي فضلاً عن احتباسها كميات هائلة من الكربون، تجدها تحافظ على التوازن الطبيعي، تنقّي الماء والهواء، وتوفّر سبل عيش للناس بجميع أنحاء العالم.
لكن غابات بحجم 30 ملعباً لكرة القدم تفقد كل دقيقة على مستوى العالم، بسبب التوسع المستمر بأعمال الغابات وقطع الأشجار.
الثقافة اليابانية
ينظر العالم كلّه لليابان على أنها مكان لا تزال توجد فيه العديد من الخصائص اليابانية المحددة، وإذا سمحنا لجذورها بالزوال، فإن نفوذ اليابان على بقية العالم سوف يختفي أيضاً قريباً.
وإذا استمرت هذه الحال، فإن أولئك الذين يعتمدون على الغابات بمعيشتهم لن يفقدوا وظائفهم حسب، بل إن التنوع البيولوجي الذي تساعد الغابات بالحفاظ عليه سوف يختفي كذلك.
أصول دايسوغي في اليابان وأوروبا
في كيوتو باليابان، وهي بيئة جبلية شديدة الانحدار حيث تصعب زراعة الأشجار وتنميتها، لم يكن هناك إمدادات كافية من الأخشاب لاستخدامها بالتصنيع وبناء المنازل.
ونظراً لغياب الموارد الطبيعية، طوّر السكان المحليون أسلوباً جديداً تأثر بالكامل تقريباً بتقنيات تقليم البونساي Bonsai (فن ياباني يعنى بغرس الأشجار أو الشجيرات في أصوص).
بالمقابل كانت لهذه الطريقة القديمة، المعروفة باليابان أصولٌ أيضاً في روما القديمة، إذ كانت تُعرف باسم التقليم، وكذلك في أوروبا ككل، لا سيما في بريطانيا، وكانت تُعرف هناك باسم التقطيع.
بالإضافة إلى السماح بتحسين متانة وقيمة الأخشاب المجمعة لكل هكتار، تسمح تقنية دايسوغي أيضاً بإنشاء نظام غابة كامل من شجرة واحدة، مما يسرع دورة النمو ويزيد كمية الأخشاب المنتجة.
من الأفضل وصف الطريقة بأنها استخدام الأشجار الموجودة بالفعل لزراعة أشجار جديدة، إن الهيكل المفتوح الذي يشبه النخيل مع الأشجار العمودية التي تنبت منه هو النتيجة النهائية لهذه التقنية، التي تمنع أيضاً قطع الشجرة الأم، مما يسمح بحصاد مستدام للخشب من شجرة واحدة.
يمكن لشجرة واحدة أن توفّر عشرات أو حتى مئات الجذوع عند قطعها كل 20 عاماً أو أكثر، لمدة 200 إلى 300 عام، تنتج شركة دايسوغي الأخشاب قبل أن تفقد الإنتاج.
ووفقاً للأسطورة، فإن شجرة الأرز الأصلية التي تظهر هذه الطفرة لا تزال حية في كيتاياما، بعد قرون من ولادتها، إذ تُعرف باسم شيروسوجي، وتترجم بـ”منصة الأرز”، ونمت بعض الأشجار ليصل قطرها إلى 15 متراً عند القاعدة.
تعدّ تقنية دايسوغي اليابانية طريقة ذكية لزراعة المزيد من الأخشاب بمساحة أقل، نظراً للمطالبات، فإن الخشب المصنوع باستخدام هذه التقنية أكثر كثافة وقوة بنسبة 200 بالمئة ويتمتع بمرونة أكبر بنسبة 140 بالمئة من خشب الأرز العادي، مما يجعله المادة المثالية للعوارض الخشبية وأخشاب السقف، كما تفيد هذه الطريقة عمال الغابات بحصد أخشاب بسرعة أكبر، كما تساعد في منع إزالة الغابات.
استفادة بعد 20 عاماً
وتقدر اليابان أن الأشجار المزروعة بهذه الطريقة يمكن الاستفادة من أخشابها بعد 20 عاماً أو تركها تنمو لمئات السنين الإضافية.
على الرغم من التوقف عن استخدام تقنية Daisugi في القرن السادس عشر إلا أن هذه الأشجار التي يبلغ قطر جذعها أحياناً 15 متراً لا يزال من الممكن رؤيتها في أجزاء من اليابان.
تحديث التقنيات القديمة
لدى شركات دايسوغي الكثير لتقدمه، ولكن لديها أيضاً الكثير من العيوب، ويعد الالتزام بتحديث التقنيات القديمة من أجل تلبية المتطلبات الجديدة أحد أكبر التحديات.
لقد انبهرنا جميعاً بنعمة التصاميم المعمارية اليابانية التقليدية واستخدامها الماهر للخشب، لقد احتاجوا لذلك النوع من البراعة الفنية المكرسة التي يستغرق إبداعها قروناً.
عن مجلة/لمبون مكزين