بعد اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025 معلمٌ سياحي وأثري

14

 

عامر جليل إبراهيم
تصوير: حسين طالب

هي أحد المعالم الأثرية التي تقع غربي بغداد في منطقة أبو غريب ناحية عكركوف. تبعد عن مركز العاصمة بمسافة 30 كم، وتعد من الزقورات الأثرية في العراق، إذ يبلغ ارتفاعها (من بعد التعرية) أكثر من 50 متراً. ويعود تاريخ تأسيسها إلى نحو 1500 عام قبل الميلاد، ضمن العهد البابلي الوسيط، حيث كانت واحدة من أهم مدن وادي الرافدين، تم تأسيسها على يد ملك الكيشيين (كوريكالزو)، وكانت مركزاً تجارياً لعدة قرون، تمر من خلاله القوافل التجارية.

ولأهمية المكان الأثرية والتاريخية، وضمن اختيار (بغداد عاصمة السياحة العربية 2025)، زار فريق مجلة “الشبكة العراقية” هذا الموقع المهم ضمن خططته للتعريف بالمواقع الأثرية.
قبل الحديث عن الزقورة، تاريخها وبانيها ومهمتها، لا بد من الإشارة إلى أن الموقع كان يضم منشآت سياحية، مطاعم ومقاهي ومتنزهات، وكان يضم أيضاً مكتب استعلامات يوزع مجاناً مطويات عن الزقورة، فضلاً عن الصناعات اليدوية التراثية العراقية. لكن بدا واضحاً أن الموقع ومنشآته يشكوان الآن الإهمال الكبير، الذي تسببت الظروف التي مر بها العراق، باقتصاره على السياحة الدينية تقريباً، على الرغم من أهميته الآثارية.
عاصمة الكيشيين
رافق فريق المجلة منقّب آثار أول يوسف مطلب عبد الله، الذي عرّفنا بالزقورة قائلاً:
“استناداً إلى اللقى والتنقيبات، فإن زقورة عقرقوف، أو كما نسميها باللهجة المحكية العراقية (عكركوف)، كانت عاصمة الكيشيين والحضارة الكيشية، أو العصر البابلي الوسيط، بدأت سنة 1595ق.م واستمر حكمهم نحو 400 سنة، أي حتى 1100 ق. م. ونفهم أن الكيشيين سكنوا بابل بعد سقوط الدولة البابلية، قادمين من شمال شرق العراق، من جبال زاكروس وطوروس عن طريق هجرات بشرية أو موجات تجارية، وعاشوا هناك ما يقرب من 100 سنة”.
المعبد العالي
المعروف أن أهم ما يميّز الحضارات العراقية القديمة، ولاسيما في الوسط والجنوب، هي الزقورة، أو كما يقول عبد الله (الصرح)، (المدرج أو المعبد العالي)، التي بدأ تشييده في عصر الملك (كوريكالزو الثاني) وأكمله (كوريكالزو الثالث). ويعتقد أن بناءها استمر لمدة خمس أو ست سنوات، وشارك في بنائها مئات العمال، وهي عبارة عن بناء من لبِن صلب غير مجوّف، يرصف بعضه مع بعض، ويثبت باللِّبن أيضاً (اللبن هو الطين الممزوج بالتبن). ولتقوية البناء المرتفع، وضعوا بين كل (8-9) صفوف من اللّبن طبقة من حصير البردي، وأخرى من القير، وتتكرّر، وهكذا وصولاً إلى الارتفاع المطلوب. وترتفع الزقورة حالياً 52 متراً عن مستوى سطح الأرض، ويعتقد أن ارتفاعها حين بنائها كان 60 أو 70 م، لكن بسبب تأثيرات الحرارة وعوامل التعرية وعدم وجود الصيانة الدورية لها، فإنها بدأت بالتآكل حتى وصلت إلى 52 م.
بناء فريد
وعن سبب اختيار الكيشيين لهذا الموقع لبناء الزقورة، يجيب عبد الله:
“إنَّه، وحسب رأي الآثاريين، فهذا المكان هو شبه جزيرة، وكان نهر عيسى، أو نهر الين، يحدّها من جهتها الشمالية الغربية، وكانت الهجمات الآشورية في ذلك الوقت تأتي من الجهة الشمالية، فأرادوا أن تكون لهم منطقة حصينة تساعدهم في صدّ الهجمات الآشورية”.
ويعتقد الآثاريون أن زقورة عقرقوف تتكون من خمس طبقات، ووظيفتها الرئيسة كانت دينية، إذ كان نصب الإله في أعلى الزقورة، والصعود إلى أعلاها كان من خلال سلّمين جانبيين، أو من السلم الوسطي. وفضلاً عن هذه الوظيفة، فقد كان للزقورة دور مهم في درء الأخطار الخارجية والطبيعية، كخطر الفيضانات وهجمات الأعداء. ويشير عبد الله إلى بعض التفاصيل قائلاً: “إنّ الكيشيين استخدموا في بناء الزقورة طريقة فريدة من نوعها، لم تكن معروفة في العراق، وهي عبارة عن بناء صلب، وقام المهندس الكيشي بوضع فتحات مدروسة في بدن الزقورة لتكون (نافذة) لدخول الهواء وتخفيف اصطدام الرياح في بدن الزقورة، وامتصاص الرطوبة في فصل الشتاء وحين سقوط الأمطار، وعلى غرار الحضارة البابلية، بنيت الزقورة بشكل مربّع، ويواجه كل ضلع من أضلاعها الأربعة إحدى الجهات الأربع، ومساحة قاعدتها نحو 43× 46 متراً مربعاً، ويتوسطها سلّم رئيس، فضلاً عن سلّمين جانبيين”.
عمارة بابلية
وكانت ثلاثة معابد أرضية توجد قربها، استناداً إلى حديث عبد الله، لعبادة الإله البابلي (أللين)، سيد الهواء، وزوجته (نلن)، وابنهما (ننورثا). بنيت بأسلوب العمارة البابلية المعروفة في بناء المعابد، أي ساحة وسطية تحيط بها مجموعة من الغرف الخاصة بالكهنة وأخرى للخزن، وكان اختصاصها دينياً بحتاً، وليس دنيوياً. وكانت القرابين التي يأتي بها العامة تحفظ في المخازن الخاصة بمعبد الإله أللين، هذا الإله الذي كان يتوسط هذه المنطقة، وعلى يمينه يكون ابنه ننورثا، وعلى يساره زوجته، وهي أيضا شيّدت باللبن المجفّف بالشمس.
أعمال التنقيب
وأثناء تجوالنا في الموقع، كان معنا أيضاً منقب الآثار جمال سعران اسماعيل ليحدثنا قائلاً: جرت أعمال التنقيب عن هذه المعابد والزقورة في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي من قبل بعثة عراقية وأخرى ألمانية، كشفتا المعابد وقسماً من منطقة القصور الملكية، وكانت خارج المعابد آبار عدة لما كان يوصف بالماء المقدس، وما يزال بعض منها شاخصاً.
يضيف اسماعيل أن التنقيب بدأ في الزقورة في أربعينيات القرن الماضي من قبل البعثة البريطانية، وبمشاركة عالم الآثار طه باقر، وعلى إثرها أصبحت منطقة آثارية مهمة في بغداد، وجذبت العديد من البعثات الأجنبية، وآخر بعثة كانت في عام 2024 بقيادة عالم الآثار الإيطالي (ماركيتي)، وبإشراف من موظفي مراقبية آثار عكركوف، وسوف تعود هذه البعثة هذه السنة في موسم التنقيب.
ضرورة الاهتمام
يستمر إسماعيل بالقول: نتمنى أن يكون الاهتمام بهذا المعلم الأثري، لأهميته، ومساحته الكبيرة وموقعه في بغداد، فمن الممكن أن يكون معلماً سياحياً وأثرياً في نفس الوقت. مؤكداً أنه لا توجد سفرات وكروبات سياحية في الوقت الحاضر، لكن بعض العائلات تأتي أيام العطل الرسمية لتقضي أوقاتها فيها.
أمنية
وفي ختامنا لجولتنا الأثرية، نضيف أمنيتنا إلى أمنية إسماعيل، وهي الالتفات إلى هذا الموقع المهم والحيوي من قبل المختصين، وعرض حدائقه للاستثمار، الذي سيجعله منافساً لمتنزه الزوراء وغيره من المناطق الترفيهية في بغداد، خاصة بعد الترويج للزقورة ضمن فعاليات بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025.