تثلم كرامة الشباب وتعوّدهم على الكسل رواتب العاطلين عن العمل.. دعوة مبطّنة للبطالة

125

بغداد – طه حسين
رسوم : عامر آل جازع

أثار شمول الشباب القادرين على العمل بمنحة العاطلين عن العمل تساؤلات عما إذا كان هذا القرار قد خضع إلى دراسة جدية، ولاسيما أن بإمكان الدولة مضاعفة المبلغ الذي تقدمه كمنحة مجانية للشباب وتشغيلهم، لا بل إن الرواتب التي تمنح للعاطلين تفوق رواتب بعض العاملين والمتقاعدين،
هو أمر يستدعي الدراسة والتدقيق، ولاسيما أنه يقتل همّة الشباب ويثلم كرامتهم، وهم الذين ينبغي أن يكافحوا في الحياة للحصول على فرص عمل.
لاشك في أن غالبية الدول تسعى إلى أن يحظى مواطنوها بحياة رغيدة وآمنة تليق بهم كبشر، وهذا الأمر لا يتحقق إلا من خلال تأمين مردودات مالية تمكنهم من العيش بمستوى لائق في أجواء طبيعية من جميع النواحي الاقتصادية والصحية، ليتمكنوا من خلالها من تكوين أسرة والعيش ضمن الحدود التي تحفظ لهم استقرارهم وكرامتهم، فالجميع يعلم أن على المواطن واجبات مفروضة، وبالمقابل له حقوق يجب أن يحصل عليها، ومن ضمن تلك الحقوق توفير سكن لائق مزود بأبسط الخدمات الحياتية كالماء والكهرباء والخدمات الأخرى، إضافة إلى تأمين فرص العمل وغيرها من المقومات الأساسية للحياة.
يقول المواطن (حميد حسان) إن ابنه شمل برواتب العاطلين عن العمل، وبالفعل تسلم راتبه مرتين أو ثلاث مرات، لكنه قال لي إنه شعر بالإهانة وهو يقف إلى جانب العاجزين للحصول على منحة العاطلين، وليته حصل على أي عمل مقابل هذا المبلغ. وأكد حسان أنه منع ولده من تسلم هذه المنحة لأنها تثلم كرامته وتحوله إلى شاب متقاعس كسول، مطالباً الحكومة بتشغيل الشباب في أية أعمال لمصلحة الدولة والمجتمع.
رواتب غير مجزية
المواطن (راضي مشتت العوادي) ناشد في حديث لـ “مجلة الشبكة” الجهات المسؤولة في الحكومة إعادة النظر في المبالغ المخصصة كرواتب للأجور والعقود في غالبية الوزارات، التي تتراوح بين “200” إلى “250” ألف دينار كرواتب شهرية يتقاضاها المتعاقد لقاء خدمته في دائرته، وهي رواتب غير مجزية، ولا تتناسب مع الأوضاع الاقتصادية العامة للبلد، ولا يمكنها توفير أدنى احتياجات أو متطلبات أية أسرة عراقية في ظل الظروف الحالية التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في بدلات إيجار المنازل تصل إلى عدة اضعاف هذا الراتب، ناهيك عن الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية والأجهزة الكهربائية والمنزلية وغيرها.
ظلم وحيف
المواطن (أحمد سلمان العامري)، الموظف في إحدى وزارات الدولة، أكد في حديثه لـ “مجلة الشبكة” أن معظم موظفي الدوائر الحكومية يتعرضون إلى ظلم وحيف، ولاسيما أصحاب الدرجات الوظيفية الدنيا. لافتاً إلى أنه يتقاضى راتباً شهرياً لا يتعدى الـ “285” ألف دينار، على الرغم من أنه على الملاك الدائم، ومطالب بدوام رسمي يومي، ويقوم بتأدية واجباته الوظيفية المنوطة به، ويحاسب في حالة التأخير او الغياب عن العمل، في حين يصل ما خصصته وزارة العمل كراتب للعاطلين عن العمل إلى “275” ألف دينار، وهم غير مطالبين بأداء أية واجبات وظيفية.
دعوة للبطالة
الخبير في الشؤون الاقتصادية (ضرغام العبايجي) شدد في حديثه لـ “مجلة الشبكة” على أن الرواتب التي تمنحها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لشريحة العاطلين عن العمل هي دعوة للبطالة وقتل للأيدي العاملة، وذلك بسبب التفاوت الحاصل بين رواتب العاملين بالعقود والأجور اليومية في بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية وبين ما تتقاضاه شريحة العاطلين عن العمل من منح أو رواتب، على اعتبار ان استمرارها دون انقطاع لحين ايجاد فرصة عمل مناسبة للشخص العاطل عن العمل من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تتناسب مع مؤهلات ذلك الشخص. مشيراً إلى أن هذه الرواتب تسببت في عزوف كثير من الشباب عن العمل في دوائر الدولة بصفة عقود أو أجور يومية والاكتفاء برواتب الحماية الاجتماعية.
تشجيع القطاع الخاص
الباحث في الشؤون الاقتصادية الدكتور (أحمد الحسيني) دعا الجهات المسؤولة في الحكومة العراقية إلى إعادة دراسة مستوى الأجور لتوفير بيئة استثمارية جاذبة وتشجيع عمل القطاع الخاص لتخفيض نسبة البطالة. لافتاً إلى أنه بالإمكان معالجة هذه المشكلات من خلال إعادة النظر بمستوى الأجور المخصصة للعمال بصورة عامة، ولاسيما أن القطاع الحكومي متضخمٌ ويعاني من البطالة المقنعة، وفي نفس الوقت نرى أن هنالك نفوراً واضحاً في مجال العمل بالقطاع الخاص. داعياً إلى جعل مستوى الأجور في العراق تنافسياً لاجتذاب أكبر قدر ممكن من الشركات الاستثمارية، سواء الأجنبية أو المحلية. مشدداً على ضرورة تبني ستراتيجية تعملُ على امتصاص فائض قوة العمل عبر إقامة دورات تدريبية وتأهيلية لمن يرغب بالعمل في المجالات التي يتطلبها السوق.
مفارقة حقيقية
مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية الدكتور (مظهر محمد صالح) أوضح في حديث خاص لـ “مجلة الشبكة” أن التفاوت الحاصل في رواتب العاملين في القطاع العام وبين رواتب الرعاية الاجتماعية يمثل مفارقة حقيقية، إذ ليس من المناسب أن يكون راتب الشخص العاطل عن العمل أعلى من رواتب شريحة واسعة تعمل وتؤدي خدمات عامة للمواطنين. مؤكداً أنه من حق الشخص الذي يعمل في القطاع العام أن يحصل على راتب شهري يوفر له الحد الأدنى من المعيشة التي تحفظ له كرامته وتغنيه عن سؤال الآخرين وطلب المساعدة منهم.