تجريم ضرب الأطفال أم اختطافهم قانونياً !

1٬234

#خليك_بالبيت

أمنة عبد النبي /

يزرعون برأسه ثقافة التبليغ الفوري للبوليس، إذا ما تعرض لأيِ ضربٍ أو حتى باللمس أو الصراخ من قبل والديه، ويلزمون المدارس والمستشفيات بالإبلاغ عن أية حالة تعنيف مشكوك بأمرها، وإذا ما ثبت بالدليل أن أحدهما الجاني، أو كلاهما، فيتم عزلهما ومقاضاتهما قانونياً بعد سحب الطفل للعيش مع عائلة سويدية!
“السوسيال” هي الدائرة الاجتماعية المتكفلة بحراسة حقوق الطفل وتجريم أبويه إذا ما عمد أحدهما لضربه أو إجباره على نوع معين من التربية، لدرجة أنها صارت تشكل رعباً حقيقاً للكثير من العائلات المغتربة التي تعتقد أن تلك الدائرة إنما أُسست لخطف الأطفال المولودين داخل أوروبا!

شيطنة عقول
“يختطفون عقول أطفالنا قانونياً بشيطنة الأدمغة، وإلا بماذا تبررين تلقينهم للصغار آليات الاتصال الفوري بالبوليس وتبليغه باحتجاز والديه، في حال صدَق أو كذَب بادعائه أن أحدهما ضربه أو صرخ بوجهه!”
بعصبية تحدث الأب الذي فُصل عنه أولاده الثلاثة بحكم قانوني إلى مكان يجهله، وألزم بتأهيل أعصابه عبر دورات اجتماعية تقيمها دائرة السوسيال السويدية، التي صنعت خصيصاً لهذا الغرض. يقول (م.العطيفي): جئت بعائلتي قبل ستة عشر عاماً، بداية لم أواجه أية مشكلة في طفولتهم، وإنما الصدام بدأ مع والدتهم التي ساندت أفكارهم السويدية وكأنها تثأر من عقليتي (القديمة) كما كانت تسميها، المشكلة الفعلية بدأت بعد دخولهم المدرسة، صرت أواجه منهم اعتراضات تطورت فيما بعد إلى قلّة أدب، انفعالي كان يزيد مع كل أمر أفرضه وأشعر في نهايته بالندم، لكني بالمحصلة أب يصعب عليه ترك الحرية لولده المراهق بترك المدرسة والسهر مع أصدقاء السوء حتى الصباح، أو أن تعود ابنته المراهقة متأخرة ليلاً، أتذكر في إحدى المرات التي فقدت فيها أعصابي، بعدما سألتها لماذا تأخرتِ، فأجابتني بوقاحة: أنا من يقرر لا أنت؟! جُنَّ جنوني هنا، فضربتها وأجلستها قسراً بلا حراك، خرجت بعدها لمدة ساعة من البيت، وحينما عدت فوجئت بسيارة البوليس تقتادني بكل هدوء كشخص يعاني خللاً عصبياً، بقيت يومين في الحجز، عدت بعدها للبيت الخالي من أصواتهم منذ سنتين، لتبدأ رحلة المحكمة!

ثأر وصراع
الحاملة للجنسية السويدية لما يقارب العشرين عاماً (ر. الفيلي) التي تنازلت طوعاً عن أطفالها لعائلة سويدية، تنكيلاً بزوجها الذي بعد أن حصل على الإقامة الدائمة ظنَّ أن بإمكانه التلاعب بأفكارهم وأخذهم للعيش في دولةٍ اخرى!
تقول العراقية المغتربة والأم لطفلين: السوسيال دائرة تحمي حقوقنا وتجرِّم التعنيف بحكم القانون ولا شأن لها بما حدث لنا، أطفالي ضحية صراعي مع زوجي الذي تزوجته قبل عشر سنوات عن طريق لمّ الشمل، وبعد سنتين من مجيئه هنا حصل على الإقامة الدائمة، فبدأت حياتي تتحول معه إلى جحيم بطيء، أنا متفهمة جيداً لطبيعة القانون هنا، لكن غباءه الذي صوّر له أن بإمكانه إقناع السوسيال بعدم أهليتي للأمومة كي يأخذ أطفالي للعيش في تركيا باعتبارها بلداً مسلماً وحيث يقيم أهله هناك، فباغتُّه بالحل الذي يهدم أفكاره الدنيئة بعد أن أدركت ما يخطط له بقلب أفكارهم، بلَّغت دائرة السوسيال على حقيقة حياتنا المشحونة بالمشاحنات والتعنيف الذي لا يصلح لتربية الأطفال، وبعد التحقيق المنفرد مع الأطفال واستنطاقهم، تأكدوا فصدر قرار بمنحِ حضانتهم لعائلة سويدية.

تصادم ثقافي
“هل تصدقين أن العقلية المؤيدة والمتباهية بحرية الذَّكر، والتي تشعر بالعار أمام حرية الأنثى، هي المشاعة بين الكثير من العائلات الوافدة إلى أوروبا والتي تعاني من تصادم الثقافات.”
هذا التصريح المثير لحفيظة الكثيرين كان لـ (عبيراللامي) التي تعمل تربوية في مدينة غوتنبورغ، ثاني أكبر مدن السويد، مضيفة بامتعاض :كانت لدينا طالبة مراهقة من أفغانستان، بلَّغت السوسيال عن تعنيفها بالإجبار والضرب على ارتداء الحجاب المبكِّر، ما تسبب لها بأزمة نفسية وتراجع ملحوظ بمستواها العلمي، فسُحبت من العائلة بعد التحقق من الأمر، وبقيت عند عائلة سويدية قرابة سنة، شعَرت أثناءها بالاستقرار النفسي وبانتهاء الخطر، طلبت هي العودة لعائلتها، ولم تجد أية ممانعة من السوسيال، علماً أن السوسيال طوال فترة غيابها كان يقوم بتأهيل أبويها نفسياً واجتماعياً لتقبُّل الموضوع، وأن العائلة المُستضيفة للطفل المعنَّف كانت تحصل على راتب ما بين (2300-4600 دولار) شهرياً، لذلك أنا استغرب لمن يتهم السوسيال بخطف الأطفال، أو مباغتة الأبوين بسحب الطفل دون دلائل أو تحقيقات، هذا افتراء وكذب من يريد مواصلة منهجية الضرب والصراخ والتلقين القسري لموروثاته وأفكاره المرفوضة إنسانياً.

وقاحة وشذوذ
“غسل عقول الأطفال وتفكيكها، بوّابة السيطرة على الشعوب بطريقة ذكية وديمقراطية منمَّقة، لأن الضامن لعدم وجود ثورة هو عدم وجود أسرة، أوروبية كانت أم وافدة!”
كان هذا رأي المهندس العراقي المقيم في السويد (سلام التميمي)، ويردف قائلاً: دكتاتورية زرع الخوف في نفوس العائلات الأوروبية والوافدة، واحدة من أهم قوانين السوسيال التي صنعت خصيصاً إلى جانب تفكيك الأسرة والعادات العربية والتقاليد واختراق خصوصية العائلة عبر تدريب الطفل على إفشاء كل الأسرار، هذا التوجه السياسي المبطَّن يراد منه تصدير فوبيا الرضوخ المطلق، علماً أن غالبية الأطفال المسحوبين من عائلاتهم اتجهوا صوب المخدرات والانحرافات السلوكية، وبقيت النظرة العنصرية تجاههم قائمة كأجانب، ما حدا بكثير من العائلات الشرقية، وبعد انتهاء مدة القطيعة، أن يرفضوا استعادة أبنائهم لما لاحظوه من سلوكيات شاذة ووقحة، لذلك فإننا نقوم بتطبيق ومجاراة قوانينهم الخاصة بالتربية، لا لمبدأيتها وإنما لمجرد حماية أطفالنا منهم وليس حمايتهم من العنف.

حقائق ووثائق
دائرة الخطف الشرعي للأطفال الوافدين، المختصة بسحب صلاحيات الأبوين بحجّة التعنيف المفتعل، كما يسميها من اكتوى بنار طفله المغيَّب عنه لسنوات من قبل “السوسيال” أو مكتب الخدمات الاجتماعية!
( يوهان كلينغبوري) مدير مكتب “السوسيال” في بلدية فالكنبري، إحدى المدن السويدية، درأ تلك التهم بالقول: نتحرك في حالتين، إما أن تقَدَّم شكوى ضد العائلة من قبل طرف ثالث، كالجار أو المدرسة، أو في حال تقديم احد افراد العائلة، كالطفل أو أحد الوالدين، طلباً بفتح تحقيق وصولاً لقرار المحكمة. المجتمع السويدي لديه التزام دقيق بالقوانين المتَّبعة والمتعلقة بحقوق الاطفال، ونحن نساعد الوافدين الى السويد على فهم ثقافة البلاد وآليات التربية بشان المسموح والممنوع من خلال شرح عمل النظام التربوي في السويد، وهذا تحدٍ كبير لهم، لأن أسس تربية الأطفال في السويد تختلف بشكل جذري عنها في ثقافات أخرى، ولاسيما الشرقية والشرق أوسطية، لذلك فأن كثيراً من اللاجئين المنحدرين من تلك الأصول يواجهون صعوبات حقيقية في التكيف مع تلك الأسس والتماشي معها، أذ يبقون متمسكين بأعرافهم الموروثة التي يتقاطع بعضها مع حقوق الطفل، إذ من الصعب أن تجد قبولاً في مجتمع كالمجتمع السويدي الذي يكون الأطفال حيوياً جزءاً منه، فنضطر هنا بعد استكمال الإجراءات القانونية إلى سحب الأطفال المعنَّفين إلى حاضنة أسرية أمنة.
(أنا غارديستروم)، موظفة السوسيال في دائرة الوحدة الستراتيجية للقضايا الاجتماعية في ستوكهولم، تحدثت بإيجاز عن هذا المأزق الاجتماعي :السوسيال وجد لحماية الطفل ومساعدة أهله في الوقت نفسه، أما عن مسألة التبليغ فجميع المدارس والمستشفيات لديها أمر بالإبلاغ في حالة وجود عنف ضد أي طفل، أما التركيز على سحب الأطفال الوافدين فهذا كلام غير صحيح، فالقانون يستهدف من يريد أن يفرض طريقة تربية معيّنة على طفله بالتعنيف والقسر، ولا صحة لما يقال حول اعتراضنا على حرية الحجاب أو الديانة أو التمييز العنصري، الكل هنا يتمتع بحريته الشخصية.

النسخة الألكترونية من العدد 361

“أون لآين -4-”