تحت تل النبي يونس في الموصل.. اكتشاف أربعة ثيران آشورية تعود للقرن الثامن قبل الميلاد

1٬166

سها الشيخلي /

لا أرض كأرض العراق تضم بين ظهرانيها كنوزا أثرية لأولى الحضارات في العالم وأعظمها على وجه الأرض، بقيت شاهدة حتى يومنا هذا تروي عظمة وروعة وندرة النفائس فيها. ورغم النزيف الأثري الذي تعرضت له وما رافقه من تدمير ونهب وتهريب، ما عده المختصون والآثاريون تدميرا لتراث وذاكرة المجتمع العراقي التاريخية والثقافية، إلا أن ارض الرافدين ما زالت معطاء تحوي آثارا تمثل العهود والفترات التاريخية لحضارات كثيرة وكبيرة. وقد تداول اخيرا ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، صورا لثور مجنح أثري، كان قد اكتشف داخل نفق بعمق 40 مترا تحت تلة النبي يونس، المعلم الأثري البارز الذي دمره تنظيم “داعش” الإرهابي، في ايسر الموصل. والثور المجنح منحوتة رافدينية قديمة (اكتشفت عام 1941). ويسمى أيضاً (شيدو لاموسو). كما ورد في الكتابات الآشورية. وأصل كلمة (لاماسو)، هو من لامو في اللغة السومرية. وكان هذا الاسم يستعمل لأنثى من الجن مهمتها حماية المدن والقصور ودور العبادة.

في تحقيقها هذا، سعت مجلة (الشبكة) الى تسليط الضوء على هذا الاكتشاف المهم، والتقت بوكيل وزارة الثقافة لشؤون السياحة والاثار الدكتور قيس حسين رشيد الذي حدثنا عن الاكتشاف الجديد لعدد من الثيران وليس ثوراً واحداً قائلاً:

ان ما تم اكتشافه في الأنفاق مؤخرا ليس ثورا واحدا، بل اربعة ثيران مجنحة، وقد ظهرت في الأنفاق التي حفرها داعش تحت تل النبي يونس عليه السلام في مدينة نينوى التاريخية، وهذه الثيران تعود الى قصر الملك (اسرحدون) أي ان المكتشفات تعود الى القرن الثامن قبل الميلاد، والعمل مازال جاريا، ونتوقع ان هذا القصر مهم جدا وفيه ثيران مجنحة ومنحوتات أخرى، والخبر المهم، ان هيئة الاثار ووزارة الثقافة تعاقدت مع بعثة المانية للكشف عن هذا القصر، وبعد ذلك سوف يسمح للوقف السني باعادة بناء جامع النبي يونس الذي خربته عصابات داعش الارهابية، لكن الان لدينا طلب منه بالتوقف عن بناء الجامع حتى تنتهي الكوادر الاثارية من التنقيب، وتفهموا مشكورين موقفنا، وهم الان في انتظار ان نكشف عن كل القصر الاشوري العائد للمك اسرحدون.

حجر الحلان

*ما المواد التي صنعت منها هذه الثيران المجنحة؟

ـ هذه الثيران المكتشفة مصنوعة من حجر الحلان الذي عرفت به مدينة نينوى منذ أزمان غابرة وما زالت، لكن للأسف، قرب هذه الثيران الاربعة من سطح الارض وتحملها لثقل بناء الجامع (لأنها تحت الجامع مباشرة) قد تضررت، فضلا عن تسرب المياه السطحية اليها، لهذا فإن البعثة الألمانية سوف تجلب خبير صيانة ليعالج الأضرار التي تعرضت لها تلك الثيران .

الثور والأسد

ويضيف الدكتور رشيد قائلا: كما عرفت حضارة بابل بأسدها، عرفت آشور بثورها المجنح، فالبابليون استخدموا الأسد في منحوتاتهم بينما استخدم الآشوريون الثور، والحضارتان مختلفتان كليا الواحدة عن الاخرى، كما الأدب والعقائد الدينية مختلفة ايضا، لهذا فكل دولة لها رموزها.

ويؤكد رشيد ان الثيران المجنحة المكتشفة سوف لن تنقل الى المتحف الوطني في بغداد بعد صيانتها، وهذا القصر اذا ما تم الكشف عنه بشكل كامل سيبقى مقصدا كاملا للسائحين لكي يشاهدوا الثور المجنح في موقعه الحقيقي، ولا يرمز الثور المجنح الى الإله آشور كما يعتقد، بل ان الإله آشور يرمز له بالنسر مفرد الجناحين، وهو موجود بالمنحوتات والاختام الأسطوانية، والثور المجنح هو لطرد الأرواح الشريرة ولإظهار مهابة الدولة الآشورية، ويعد من اهم الرموز الرافدينية، لذلك استخدم الآشوريون الثور المجنح كرمز للقوة العسكرية الآشورية، حيث كانت الدولة مترامية الأطراف شملت كلا من سوريا ولبنان وفلسطين وبلاد الأناضول، بل حتى الخليج كان تحت نفوذها، فدولة آشور كانت كبيرة مترامية الأطراف.

النحات الآشوري

وفيما يخص فن النحت الآشوري، يذكر استاذ التاريخ القديم الدكتور غسان التميمي ان النحات الآشوري كانت له رؤية فنية واسعة، وكان يتحسس علم المنظور والأبعاد، وهو ما تحقق في القطع النحتية الكبيرة التي تم وضعها في مداخل المباني وقصور الملوك، وكان قوامها مخلوقات مركبة عرفت باسم (الامواسو او الثور المجنح) وتتكون من مقومات قوى بشرية وحيوانية نجح النحات الآشوري بدمجها بشكل متناسق، وكانت هذه المنحوتات الكبيرة والمتكونة من رأس انسان وجسم حيوان تعطي فكرة عن تطور فن النحت في تلك العصور، وما زال النحت الآشوري يدرَّس في كل مدارس الفن في ارقى جامعات العالم ، وقد ورد ذكر الاماسو في كتابات الملك الآشوري سنحاريب حيث يقول: جلبت رجالا اسرى من المدن التي غزوتها وبنوا لي قصرا يقف على بوابته اثنان من الثيران المجنحة لحراسته.

أغنى آثار العالم

ويضيف التميمي ان معالم الحضارة الآشورية بقيت طي النسيان حتى عام 1808 م حينما اكتشف القنصل البريطاني في الموصل (ديج) مدينة نينوى، عندما كان يخرج للصيد وراى نساء يخبزن الخبز بتنانير محلاة بقطع من القاشان وعرف بحسه ان هذا القاشان غير اعتيادي فسأل النساء عن مصدره، فأشرن الى احد الأماكن، ولما وصل هذا المكان اكتشف (مدينة آشور) وعلى اثر ذلك جاءت بعثات تنقيبية وتم العثور على 25 الف رقم طيني وضعت على جوانبها الثيران المجنحة لحمايتها والتي شكلت اغنى آثار العالم.