تخادم “غير إنساني” بين الطبيب والصيدلاني

812

حسين محمد عبد فيحان/

إذا راجع المريضُ طبيباً مشهوراً في شارع مليء بالأطباء كشارع الكندي في الحارثية، فهو يعلم أن ذلك سيستنزف منه أموالاً طائلة قد لا يقدر عليها محدودو أو متوسطو الدخل, فابتداءً من كشفيات الأطباء مروراً بمختبرات المحللين ثم أشعة السونار أو الرنين والمفراس وانتهاءً بتسلم العلاج من الصيدليات، يتطلب كل ذلك مبالغ قد يعجز الراتب الشهري للموظف البسيط عن الإيفاء بها.

وهنا سؤالٌ يطرح وحوله علامات استفهام عدة: لماذا يترك المواطن المؤسسات الطبية والصحية الحكومية ويلجأ للعيادات الطبية الأهلية؟

استنزاف أموال

كثير من المواطنين الفقراء والبسطاء مادياً يؤكدون أن العيادات الطبية الخاصة والصيدليات الأهلية تستمر باستنزافهم والاتجار بتدهور أحوالهم الصحية, فالاتفاقيات السرية التي تجري بين الصيدلاني والطبيب المتخصص تجعل منهم ضحية دفع أضعاف السعر الحقيقي للدواء، فضلاً عن ارتفاع أسعار الكشفيات. وما يزيد من فداحة الأمر عدم وجود رقابة وتسعيرات خاصة من قبل نقابة الأطباء أوالصيادلة في العراق، فضلاً عن تراجع مستوى الخدمات الصحية والطبية في المستشفيات الحكومية.

تعامل غير إنساني

«أحمد حسن» مواطن من بغداد عمره 35 سنة يعمل كاسباً ويشكو من انزلاق غضروفي, التقيته في الحارثية بشارع الكندي، حيث مجمعات الأطباء الشهيرة فتحدث لي بالقول: إن كشفيات الأطباء هنا تبدأ من خمسة وعشرين ألف دينار كحدّ أدنى إلى خمسة وسبعين ألف دينار كحد أقصى، من دون احتساب أجور التحليلات المرضية والأشعة والسونار التي قد تصل في كثير من الأحيان إلى مائة ألف دينار. أما ثمن العلاج والدواء فإنه يبلغ أكثر من مائة ألف دائماً. بصورة عامة يحتاج المريض الذي يراجع عيادة في هذا الشارع مبلغاً يتراوح بين مئتين وثلاثمئة دولار.

كثير من أصحاب العيادات الطبية لا يتعاملون مع المريض بالطرق الإنسانية بل بالطرق التجارية، فهناك أطباء يعمدون إلى زيادة أسعار كشفياتهم فوق الحد المقرر من أجل السمعة وجذب الانتباه وإيهام المرضى بأنهم الأفضل من بين أقرانهم، وبالتالي جذب عدد أكبر من المراجعين.

تواطؤ

الحاجّة «أم حسين» 65 عاماً، متقاعدة، مريضة بداء السكري وارتفاع ضغط الدم، وجهت لها سؤالي بعد أن التقيتها عند باب إحدى العمارات الطبية في طريقها للصعود إلى طبيبها:

ـ هل تعتقدين أن هناك علاقة تواطؤ ما بين الطبيب والصيدلي؟

فأجابت: هذا واضح جداً، فالطبيب يرسلنا إلى صيدلية خاصة يتعامل معها ويكتب العلاج بطريقة رموز لا تمكن قراءتها إلا من قبل الصيدلي المتفق معه. جربت أكثر من مرة وأخذت ورقة العلاج معي إلى صيدليات في منطقتنا لأن أسعارها أنسب وأرخص من هنا بكثير, إلا أن أصحاب الصيدليات هناك لم يتمكنوا من فك رموز العلاج وقراءتها بصورة دقيقة, ما اضطرني للعودة إلى شارع الكندي في الحارثية وإلى الصيدلية التي تقع أسفل عيادة الطبيب.
وتضيف الحاجة «أم حسين»: الحال نفسها مع المختبر, فأوراق صاحب المختبر المكتوب فيها اسمه ومكانه موجودة في عيادة الطبيب, فقط يكتب عليها الطبيب اسم المريض ونوع التحليل ويطلب منه الذهاب للمختبر المحدد لا لغيره, وهذا الوضع يسري أيضاً مع عيادات الأشعة والسونار.

الطبيب يخاف الصحافة

حاولت لقاء أحد الأطباء الاختصاص (م.ع) ودخلت إلى غرفته بعد أن قلت لسكرتيره إني مريض ودفعت أجور الكشفية (25 ألف دينار) إلا أنه امتنع عن الحديث لي بعد أن عرف إني صحافي واتهمته بالتواطؤ والاتفاق مع صاحب الصيدلية المجاورة حسب معلوماتي التي حصلت عليها من مراجعين, فطردني وطلب مني بعصبية الخروج من عيادته فوراً.

كررت المشهد مع صاحب صيدلية في مجمّع طبي آخر، وقلت له أنت متفق مع الطبيب (ب. ر) وكانت النتيجة نفسها، لم يعطني أية إجابة وطلب مني مغادرة الصيدلية.

معلومة خطيرة جداً

لم أقف وأنا أبحث عن الحقيقة هنا, بل تجاوزت ذلك إلى صاحب إحدى العمارات التي فيها الكثير من عيادات الأطباء والصيدليات, وبعد أن عرف أني صحافي وتحدثت له بما جرى لي مع أحد الأطباء وإحدى الصيدليات, أدلى لي بمعلومة خطيرة، قائلاً أن هناك أصحاب صيدليات يدفعون الإيجار الشهري لعيادات أطباء معروفين بنفس المجمع الطبي مقابل أن يقوم ذلك الطبيب المعروف بتحويل مرضاه إلى تلك الصيدلية. قلت له: هل هذا موجود في عمارتك ومجمعك الطبي هذا؟ فقال لي: نعم.

نقابة الأطباء باردة

توجهت بعد ذلك بكل معلوماتي أعلاه إلى نقابة الأطباء ـ المركز العام في بغداد لطرح أسئلتي الكثيرة عن تجارة الأطباء هذه واتفاقاتهم المسبقة مع أصحاب الصيدليات والمختبرات والأشعة والسونار, فلم يُسمح لي بلقاء نقيب الأطباء الدكتور ناظم عبد الحميد، وقيل لي أول الأمر أنه مشغول، ثم قالوا إنه غير موجود، وبعد انتظاري لمدة ساعة جاءني شخص لم يعطني اسمه وهو عضو في مجلس النقابة ،كما عرفت لاحقاً, سألني: ماذا تريد؟ فأخبرته بكل أسئلتي ومعلوماتي عن اتفاقات الأطباء السرية مع أصحاب الصيدليات. فأجاب على جميع الأسئلة ببرود تامّ:
«إن أبواب النقابة مفتوحة أمام جميع المراجعين والمرضى عند شعورهم بأي تجاوز مادي عليهم من قبل الأطباء، لأن هناك تسعيرات خاصة لكشفيات الأطباء تم وضعها خلال المؤتمر العام للنقابة».»إن أبواب النقابة مفتوحة أمام جميع المراجعين والمرضى عند شعورهم بأي تجاوز مادي عليهم من قبل الأطباء، لأن هناك تسعيرات خاصة لكشفيات الأطباء تم وضعها خلال المؤتمر العام للنقابة».

وهي:

-خمسة عشر ألف دينار للطبيب المقيم العام.

– خمسة وعشرون ألف دينار للطبيب الاختصاص.

– أربعون ألف دينار للطبيب الاستشاري.

وإذا ثبت قصور الطبيب وجشعه فإنه سيحال الى لجنة الانضباط في النقابة وستتخذ بحقه الإجراءات القانونية وقد تغلق عيادته!!..
عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية ووزير الصحة الأسبق د. صالح الحسناوي التقيته وتحدثت معه عن تراجع مستوى النظام الصحي الحكومي الذي جعل المرضى والمراجعين لقمة سائغة لتجارة أصحاب العيادات والصيدليات الخاصة (الأهلية).. فأجاب:

نحن نريد أن نصلح النظام الصحي في العراق وإصلاحه يتطلب دراسات واضحة وتعاوناً وعقولاً مفتوحة من كل الأطراف من أجل أن نصل في النهاية الى خدمة المواطن وتوفير الخدمات الصحية له, لكن مع ظروف البلد الحالية وما يمر به من أزمة مالية بالتأكيد أن ذلك سينعكس على تقديم الخدمات الصحية والعلاجية للمواطنين.

وفي مقابل تلك الحالات التجارية الشائعة للأطباء والصيادلة في علاقتهم مع المرضى, يوجد العشرات بل المئات من الأطباء الإنسانيين في بغداد والمحافظات ممن يعاملون المرضى برأفة، ولايفرضون عليهم سوى القليل من أجور المعاينة، بل أن هناك أطباء يدفعون للمرضى الفقراء قيمة الأدوية.