تربية الأبناء بين الأساليب القديمة والحديثة
ريا عاصي/
كان عمر ابني لا يتجاوز الثلاث سنوات ليلة أدركت أنه لا يعرف الفجر! حاولت ليلتها أن أتذكر في أي عمر عرفته؟ فجلسنا ننتظر الشروق معاً. وحين أطل علينا الفجر رأيته لأول مرة من خلال دهشة ابني بالاكتشاف. وبدأت أكتشف وأتربى معه من جديد.
“كانت التربية في السابق أسهل.” هذا ما سيقوله لك غالبية شباب اليوم، من الأهالي وذوي الأطفال الصغار دون سن البلوغ. وبهذه العبارة يحاول الجميع رفع الحيف وتعليق الأخطاء التي قاموا بها على شماعة الزمن والتكنلوجيا وغلاء المعيشة وصعوبة الحياة اليوم. لكن أيهما أفضل: التربية القديمة أم الحديثة؟ هذا السؤال وجهته مجلة “الشبكة العراقية” لمجموعة من الأهالي والأفراد في استطلاع لمعرفة اختياراتهم بينهما في تربيتهم لأولادهم.
مفهوم الاحترام
“لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم.” بهذا الحديث للإمام علي (عليه السلام)، بدأت حديثها معنا الدكتورة رغد السهيل، أستاذة جامعية متقاعدة، إذ تقول “لكل زمان ظروفه وأخلاقياته، ليس هناك أفضل أو أسوأ، العلة فقط بالمتغيرات الحياتية وتطور التكنلوجيا وعالم الإنترنت والقرية المفتوحة.”
أضافت السهيل: “بدون ضوابط، كل هذا يجعل التوازن في التربية أمراً صعباً للغاية، نحن الجيل الذي تربى على البساطة والكتاب والسينما، تلك ثقافتنا، حالياً الثقافة نجدها في وسائل التواصل، وألعاب الأطفال صارت تقنيات تكنولوجية، والعلاقات تغيرت وصارت عبر الرسائل المرسلة بين أفراد الأسرة في البيت الواحد.”
وعن تبدل المفاهيم والقيم تضيف السهيل: “مفهوم الاحترام تغير، كنا نقف للكبير، ولا نرد على أهلنا أو أساتذتنا، إن رفعوا صوتهم لا نجادلهم، حتى لو كانوا على خطأ نسكت احتراماً، الآن هذه المفاهيم تغيرت تماماً، وصرنا نفاجأ بردود الأفعال عند الجيل الجديد.”
أما الشاعر علاوي كاظم كشيش فكان رأيه: “التربية بالسلوك الإيجابي تنبع من الأم، ويكملها الأب. سياقنا التربوي الاجتماعي يجعل الآخر هو العدو، بسبب الاحتلالات والديكتاتوريات، لذا أصيب كثير من الأفراد بفايروس الكراهية والمضايقة من الآخر، وساعد تفاوت الفرص في كل الأمور على ذلك.”
يضيف كشيش: “وقفة بسيطة عند أي تقاطع مروري تنبئ بشكل واضح وصادق عن سلوكيات بغيضة تدل على خلل في تربية كثير من الأفراد. وهناك مجالات كثيرة غير هذا، مثل سلوك الموظف والطبيب والشرطي والمعلم والإعلامي. مع استثناء حالات إيجابية نادرة جداً.”
شاشات ذكية
السيدة رقية علاء، تدريسية وأم لثلاثة أبناء، حدثتنا قائلة: “كانت تربيتنا أفضل وأسهل، فنحن جيل كنا قد لعبنا في الشارع كرة القدم، وطيّرنا الطائرات الورقية، وركضنا في لعبة (الختيلان)، وقفزنا مع الحبل، وغيرها من الألعاب، أما اليوم فقد ترهلت أجسام أطفالنا، وامتزجت بالفراش، بعد أن ضعفت أبصارهم بسبب الشاشات الذكية التي أحالت عقولهم إلى الذكاء الاصطناعي وتركتهم دون أن يتخيلوا كيف يصنعون ميزان الطائرة الورقية يدوياً أو يلونوا وجوه ألعابهم. كنا نتجه لسؤال والدينا عن أي موقف أو ظاهرة نمر بها، وكنت أنبهر حين يصنع لنا أبي تلفوناً من أقداح اللبن البلاستيكية، ويمد الخيوط بينها، وأنبهر بالفقاعات التي تخرج من الملعقة، وأمي تنفخ عليها، وأجدهم سحرة مهرة، أنظر إليهم وكأنهم عمالقة يمكنهم صناعة وإيجاد كل الحلول والإجابات، أما اليوم فأنا أقف قليلة الحيلة عاجزة أمام ابني الذي يستشير غوغل في كل شيء، ويتابع فيديوهات اليوتيوب ليتعلم كيفية طبخ الأندومي بنكهات مختلفة.
تقف الأمهات اليوم وبقربهن الآباء عاجزين عن إقناع أولادهم بالكف عن متابعة النت أو اللعب مع أقربائهم أو متابعة مسلسل، بعضهم مع بعض، كما أن برامج التنمية الحديثة أسبغتنا العديد من القصص النفسية وجرح المشاعر، وغيرها من النصائح التي ما عادت تجدي أمام جيل مراهق يتابع الأغاني باللغة الكورية، ويلعب ألعاب القتال باللغة الإنكليزية ويفهم كيفية قرصنة موقع ليفك رمزاً في لعبة.”
السيدة سهى المحمدي، أم لابنتين، تجد أن التربية الحديثة غير جيدة، إذ تقول: “كل شيء زاد عن حده انقلب ضده. التربية الحديثة تعتمد على الفضفضة الذاتية، إذ يتحدث المراهق عن مشاعره أكثر من اللازم، ليصل إلى درجة أنه لا يشعر بمن حوله، كونه تربى على الفردية التي لا تتيح له مشاركة الآخرين، ما ينتج عنه جيل بلا إحساس وعديم الشعور بالمسؤولية.”
السيدة رسل، طالبة دكتوراه وأم لابنتين، تقول: “لقد تربيت تربية صارمة، فجدتي لأمي هي من ربتني، لأن والدتي موظفة، لكنني اليوم أشكر جدتي لأنها حصنتني بجميع القيم الحياتية الحقة، وأحسد والدتي لأن زمنها، بالرغم من عدم توفر دور الحضانة في كل مكان، إلا أنها وجدت الحل بقرب أهلها، أما اليوم فنحن وحيدات في هذا العالم الصعب، فالطرق والمسافات حالت دون مساعدة الجدات للأحفاد.”
ضبط النفس
على عكسهم، كانت السيدة صبا سهيل سامي مع التربية الحديثة، إذ تقول: “بالنسبة لي ولتجربتي، فإن التربية الحديثة هي الأنجح والأفضل، إذ اتبعت مع ابني وابنتي أسلوب الصداقة والاستماع لهما ومشاركتهما كل شيء، وخسرت العديد من الجولات في إقناع ابنتي بتغيير رأيها، كونها دوماً تمتلك حجة الإقناع، وبذلك ربيت طفلين قويي الإرادة، مستقلين، معتمدين على نفسيهما.”
أما المخرجة أريج السلطاني، فكان رأيها أن “غالبية العائلات قديماً كانوا لا يبالون برعاية نفسية الطفل، فتجد الأهل يتشاجرون ويصرخون، ومن ثم يدخلون أطفالهم ضمن مشكلاتهم، ويقمعونهم، ولا يعطونهم حرية الاختيار، لذلك أجد التربية الحديثة هي الحل للخلاص من الأمراض النفسية المتأتية بسبب الكبت النفسي والقمع.”
وتعتقد السيدة زينب الفكيكي أن “أساس التربية الصحيحة عدم الخوف والشعور بالأمان لبناء كيان أسرة قائم على الحوار الحر وإبداء الرأي والكف عن القمع.” أيدتها في ذلك السيدة بان قيس كبة بقولها “أتمنى على الأهالي تربية حيوان أليف في المنزل ليتسنى للطفل الاعتناء بمخلوق آخر وتربيته، وبذلك نضمن طفولة حساسة وشعوراً بالمسؤولية.”
أما الأخ علي الراوي فقد ختم حوارنا وتساؤلنا قائلاً: “فقط نحتاج إلى أن نركز على تصرفاتنا والبيئة التي نوفرها لأطفالنا لكي يستطيعوا أن يكبروا على فطرتهم دون أن ننقل لهم عقدنا ومشكلاتنا.”
وأنتم أيهما تفضلون؟