تريليونات الدولارات مدفونة تحت الأرض.. هل يستطيع العراق تحقيق الرخاء الاقتصادي ؟

94

بغداد – علي كريم إذهيب/

يُصنف العراق، حسب الأبجديات الاقتصادية، بأن اقتصاده ريعي، الذي يعني اعتماده على مصدر مالي واحد في بناء الموازنة الاتحادية، بشقيها التشغيلي والاستثماري، إذ يعتمد العراق بنسبة تصل إلى 96 في المئة على الإيرادات المالية المتحققة من بيع النفط الخام في الأسواق العالمية بشكل يومي.

في آخر الاحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة النفط العراقية، التي اطلعت عليها مجلة “الشبكة العراقية”، فإن حدود التصدير اليومي من الذهب الأسود بلغت 3.423 مليون برميل يومياً في مارس/آذار 2024، في حين يبلغ حجم الإنتاج اليومي أكثر من 4 ملايين برميل يومياً، بينما يبلغ حجم الاحتياطي النفطي في العراق نحو 145.019 مليار برميل.
يجب مغادرة الريعية فوراً !
ومع وجود هذه الثروة الطبيعية الهائلة، إلا أن الدعوات الاقتصادية تذهب باتجاه مغادرة الريعية، كما يؤيدها الخبير الاقتصادي (حيدر الشاهين)، الذي قال لمجلة “الشبكة العراقية” إن “النفط الخام سلعة ناضبة غير مستقرة ولا يجب الاعتماد عليها في بناء الموازنة، إذ إنها تتعرض لتقلبات سعرية بشكل مستمر.”
يضيف مسترسلاً: “الأحداث العالمية والأزمات المفاجئة ضربت برياحها الاقتصاد العراقي الريعي، كما حدث في الأعوام 2008 (الأزمة العقارية) و 2014 (الأزمة السعرية العالمية عندما هوت أسعار النفط). وقتها كان الاقتصاد العراقي يقف على مسافة واحدة من إشهار إفلاسه وعجزه عن تسديد رواتب موظفي القطاع العام والمتقاعدين والديون الداخلية والخارجية التي كانت تصل إلى أكثر من 50 مليار دولار، إضافة إلى التعهدات والالتزامات الاجتماعية الدولية.”
كما أشار الشاهين إلى “أهمية تبني الحكومة العراقية سياسة الاستغلال الأمثل للثروات الطبيعية في العراق، ومغادرة (خانة) الريعية التي تهدد الشعب العراقي بالفقر المدقع في حال هبوط أسعار برميل النفط إلى أقل من 50 دولاراً أميركياً، لأن بغداد تبني توقعاتها السنوية لسعر برميل النفط الواحد على أكثر من 65 دولاراً.”
ثروات مهدورة!
وعلى الرغم من امتلاك العراق الثروة النفطية والاحتياطي الملياري من الذهب الأسود، إلا أن أرضه، تحتها و فوقها، تضم العديد من الثروات الطبيعية التي لو جرى استغلالها بالشكل الأمثل لوفرت مليارات الدولارات سنوياً للاقتصاد العراقي.”
الموارد الطبيعية في العراق هي النفط والغاز الطبيعي والفوسفات والكبريت. والزراعة: المنتجات – القمح والشعير والأرز والذرة والحمص والفول والتمر والقطن وعباد الشمس والماشية والأغنام والدجاج. والصناعة: أنواعها – البترول، الكيماويات، المنسوجات، مواد البناء، تصنيع الأغذية، الأسمدة، معالجة المعادن. وقطاعا السياحة الأثري والديني والنشاطات الثقافية الأخرى.
ومن هذه الثروات المهدورة الفوسفات، إذ يُصنف العراق ثانياً ضمن أكبر احتياطيات الفوسفات في العالم، إذ يقدر الاحتياطي في صحراء العراق الغربية بأكثر من 10 مليارات طن؛ وهذا يعني أنه يحتفظ بما نسبته 9% من إجمالي الاحتياطي العالمي من هذه المادة، حسب هيئة المسح الجيولوجي العراقية.
حول المردودات المالية من استثمار الفوسفات، يوضح المهندس الاستشاري (فؤاد الدجيلي) أن “الإنتاج وصل إلى أكثر من مليون طن سنوياً من الأسمدة في ثمانينيات القرن الماضي.” مشيراً إلى أنه لو جرى احتساب سعر طن الفوسفات الخام بـ 140 دولاراً، فإن ذلك سيدر على الموازنة أموالاً طائلة، على اعتبار تقدير الاحتياطي بنحو 10 مليارات طن، وبالسعر المتوسط، فإن المخزون الاحتياطي تصل قيمته إلى تريليون و400 مليار دولار.
أضاف الدجيلي لمجلة “الشبكة العراقية” أن “استخراج مادة الفوسفات بمعدل 100 مليون طن سنوياً وبسعر بيع 140 دولاراً للطن الواحد سيوفر 14 مليار دولار، وهو ما يشكل 9-12% من حجم موازنة للعراق.”
إضافة إلى الفوسفات، هناك الثروة التي كان دعمها الحكومي خجولاً سابقاً، لكنه بدأ يتصاعد حالياً، بحسب الباحثة الاقتصادية (زينب فاضل)، إلا وهي هي السياحة بشقيها، الأثري والديني. تقول الباحثة زينب في حديثها مع مجلة “الشبكة العراقية” إن “القطاع السياحي يظل رافداً مالياَ مُهماً في معادلة بناء الدولة العراقية وموازناتها المالية، لما يزخر به العراق من مقومات سياحية فريدة، في مختلف القطاعات السياحية، بدءاً من السياحتين الدينية والثقافية، ومناطق الجذب السياحي المميزة، حيث الأهوار الواسعة والصحارى، فضلاً عن الآثار المختلفة المرتبطة بأقدم الإمبراطوريات وأطلال المدن القديمة.”
تتوقع فاضل أن “المردودات المالية من استغلال السياحة بالشكل الأمثل قد توفر نحو 25 مليار دولار سنوياً، ما يشكل 18% من حجم موازنة للعراق، لتكون ساندة للموارد المالية الأخرى التي تبني من خلالها الموازنة.”
المصانع الإنتاجية المعطلة
في أرقام لوزارة الصناعة والمعادن العراقية، اطلعت عليها مجلة “الشبكة العراقية” عن عديد المصانع في العراق، العاملة منها والعاطلة، يبلغ العدد الكلي للمصانع التابعة لشركات القطاع العام في العراق نحو 227 مصنعاً، في حين يبلغ عديد العامل منها 144 فقط، ووفقا لتلك البيانات فإن هناك نحو 18 ألفاً و167 مشروعاً صناعياً متوقفة عن العمل لأسباب مختلفة.
في حين، وضعت الوزارة خطة لتأهيل وتشغيل المصانع الـ 83 المتوقفة، منها 17 بخطة قصيرة الأمد تستغرق عاماً واحداً، و24 بخطة متوسطة الأمد (3 سنوات)، و42 معملاً بخطة طويلة الأمد (5 سنوات).
وبلغة الأرقام، يوضح الاستشاري في التنمية الصناعية والاستثمار (عامر عيسى الجواهري) لمجلة “الشبكة العراقية” أن مساهمة الصناعة في حجم الناتج الإجمالي للعراق بلغت 6% عام 1979 و10% عام 1985. أما في عام 1988 فبلغت 13.9%، وفي الأعوام ما بعد حرب الخليج الثانية عام 1990 بلغت 3.8%، حتى 2001 حين بلغت 1.5%، ووصلت إلى 2.7% عام 2011، في حين انتكست عام 2018 إلى نحو 0.9% من إجمالي الناتج المحلي للعراق.”
وأشار الجواهري إلى أن “الاستثمارات المطلوبة لتحقيق معدل النمو المستهدف في الخطة قدرت بنحو 186.7 مليار دولار، منها 111.7 مليار دولار من الموازنات التخطيطية السنوية، أما المتبقي فمن استثمارات القطاع الخاص.”
في هذه الأثناء، تقول عضو لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية في البرلمان العراقي (زينب جمعة الموسوي) إنها تؤيد “ذهاب الحكومة العراقية لاستغلال الثروات الطبيعية المهدورة في العراق.” مشيرة، خلال حديثها مع مجلة “الشبكة العراقية”، إلى أن “هذه الثروات الطبيعية، التي تقدر بتريليونات الدولارات، تؤهل العراق لأن يكون لديه اقتصاد قوي من خلال تبني أهداف ستراتيجية، مثل سرعة وزيادة الإنتاج والتصدير، وكفاءة إدارة وإنفاق العائدات، والنجاح بالاستثمار في البنية التحتية، وصولاً إلى تحقيق الرخاء الشعبي، ما ينعكس إيجاباً على واقع المواطن العراقي.”