تعبّر عن واقعة الطف طقوس عاشوراء في السماوة… مواكب ومجالس وتشابيه

179

السماوة – يوسف المحسن/
يتسابق أبناء المثنى للمشاركة في طقوس عاشوراء تأكيداً لاستمرار السير على خطى الثبات على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف وآملاً بالحصول على شفاعة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)، ويقول المفكر الاسلامي الشيخ أسعد عبد الامير دويني: إنَّ أيام محرم الحرام على ما فيها من الحزن والآلام لكن تبقى أيام عطاء، عطاء الدم والشهادة والإصلاح وفي كل جوانب الحياة.
إن الدم الذي سُفك في كربلاء الشهادة كان له دور في نهضة الامّة وبقاء المبادئ التي بُعث بها النبي محمد (ص)، إنه موسم ديني وثقافي تثقيفي وفرصة عطاء لكل فرد من أفراد المجتمع.
وتتوقف بشكل كامل جميع تحضيرات الاعراس والمناسبات الأخرى وتنتشر الرايات السود فوق المنازل وعلى الابواب تعبيراً عن الوقوف مع مأساة بيت النبوة الذي تعرّض إلى الظلم في واقعة الطف وما تبعها, بينما يرتقي المنابر خطباء ومردّدون وشعراء لتسليط الضوء على جوانب من هذه الملحمة الانسانية الكبرى، ويضيف الشيخ دويني: “للمنبر الحسيني الدور الاساسي في تهيئة القلوب وعرض القضية الحسينية والمبادئ الحسينيّة التي أصبحت منارا للبشرية جمعاء، دور المنبر أيضا يتعدّى الوعظ الديني الى ما هو أوسع ليصل الى مرتبة إعادة ترتيب للنفوس والسلوكيّات والعلاقة مع القيم العليا ومدى الامتثال للتعاليم السماوية والارشادات المحمدية”.
وعن المجالس الحسينيّة يقول الشيخ احسان السماوي: “في مدينة السماوة بعد صلاة العشاء تنتظم المجالس الحسينية في المساجد والحسينيات والمواكب حيث تُلقى المحاضرات الدينية من الدعاة والخطباء ورجال الدين والعلماء التي تسلّط الضوء على الجوانب المختلفة من مبادئ الثورة الحسينيّة”.
خيام صغيرة وحبّ كبير
خيام صغيرة ومسقوفات أصغر من الاخشاب والجريد يتّخذ منها الأطفال في شهر محرّم الحرام منطلقاً للتعبير عن المساهمة في إحياء الشعائر الحسينيّة، رافد وكرار وحسين أطفال من محلّة الغربي في مدينة السماوة قاموا وقبل أسبوع من انطلاق فعاليّات إحياء الشعائر بجمع أخشاب وأقمشة فائضة وشيّدوا موكب العزاء الذي توسّط رصيف الشارع، الموكب يعتمدونه مع معزين صغار آخرين مكاناً للتجمّع قبل التوجه إلى شارع المواكب الحسينيّة (باتا) وسط المدينة للمشاركة في مسيرات العزاء، ويقول علي كامل وهو معلّم يشارك بشكل سنوي في إحياء الشعائر الحسينيّة: إنَّ الاطفال والجيل الجديد لا تقتصر مشاركتهم على مواكب العزاء وإنّما يساهمون بخدمة المعزّين والمؤدين للشعائر الحسينيّة عبر توزيع الأطعمة والمشروبات وأعمال التنظيف وفرش ورفع أرضيات المجالس وهي جهود تطوّعيّة تأتي تقرّباً إلى الله سبحانه وتعالى من خلال خدمة المؤدين للشعائر الحسينيّة، ويضيف كامل: “إن معادلة (كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء) هي تجسيد فكري ومشاعر واقعية تحوّلت الى منار متّصل ومتواصل لكل الصابرين المؤمنين والأحرار ولعظم هذا التجسيد فقد استحال الى نور يمتلك الأثر والفاعلية والتأثير في وجدان وسلوك المسلمين والمؤمنين والأحرار سواء كانوا صغاراً ام كبارا”.
المسرح الحسيني (التشابيه)
وشهدت الأيام التسعة الأولى من محرم الحرام تكثيف التدريبات لتقديم واقعة الطف (التشابيه) وهي عمل مسرحي كبير في الهواء الطلق يمثل إعادة تشكيل لمعركة الطف على الأرض أمام جماهير غفيرة هي جزء من العرض المسرحي في ساحة عامة وفي وقت وزمان المعركة، إذ تنتهي ظهرا باستشهاد الإمام الحسين (ع) والشروع بإحراق الخيم الخاصة بمعسكره، وعن ذلك يقول محمد شيّال وهو واحد من المعزّين الذي يسند له في كل عام دور عابس بن شبيب الشاكري (رض): إنَّ تدريب الفرسان والمقاتلين من معسكر الإمام الحسين (ع) والمعسكر المقابل استعدادا ليوم العاشر من محرم يترافق مع عملية تدريب الملقنين والرواة لتقديم عمل ملحمي إيماني يصور واقعة كربلاء ويقدم بقالب أدائي تمثيلي يتفاعل معه المتابعون لثماني ساعات متواصلة، ويضيف شيّال: “ينتمي الممثلون المتطوّعون الى المجتمع ومن شرائحه المختلفة والبعض منهم قادم من بلاد بعيدة للمشاركة في هذه الملحمة التي تمثل أكبر عمل ملحمي منظم يُقدّم بشكل سنوي، إذ يتداخل فعل التقرب إلى الله سبحانه وتعالى مع فعل التطهير النفسي الذي يسعى له الانسان كي يشعر بأنّه جزء من مجتمع واحد وأنه ينتمي الى الحسين الشهيد (ع) فكرا وفعلا”.
وفي العام الماضي شهدت ساحة الواقعة في المدينة حضور أكثر من أربعين الف معزٍّ من الرجال والنساء والشباب والأطفال للمشاركة في تقديم الواقعة، واقعة يكون فيها الجمهور جزءاً من العرض المسرحي الشعبي الكبير الذي جلبت لأجله الاكسسوارات والثياب والجمال والخيول في تجسيد واضح على سمو العمل الجمعي والتطوعي حين يرتبط بالنهج الديني.
وطوال عام كامل في انتظار عودة الذكرى الاليمة والمناسبة الاسلامية وما تجلبه معها من المحاضرات الدينية والمجالس الحسينية وفعاليّات عاشورائيّة فإن تأثير العشق الحسيني يبقى عالقا في الذاكرة وموجها للسلوك الإيماني عند المعزّين، ويتجدد هذا التأثير مع عودة هذه المنابر الى الانعقاد، والجميع يؤكّد أنَّ الطقس العاشورائي انعكاس للعشق الحسيني, فالسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أصحاب الحسين.