تعود إلى العصر الآشوري قلعة تلعفر.. تعرضت إلى التخريب من المغول حتى داعش

295

خالد إبراهيم /

تمثل قلعة تلعفر أحد المعالم التاريخية في مدينة تلعفر، وتقع وسط المدينة، إذ إن لها أهمية تاريخية وحضارية كبيرة، وتعد المدينة مثالاً رائعاً للتعايش السلمي والأخوي بحكم التنوع السكاني الذي يميزها ويجعلها باقة للطيف العراقي الجميل.
وللحديث عن تلعفر وتاريخها وأهميتها التقينا الأستاذ خليل البرزنجي، المتخصص في مجال الآثار والتنقيبات، الذي حدثنا قائلاً:-
“تلعفر مدينة ضاربة في القدم، فهي تعود إلى العصور الحجرية الحديثة، إذ إنها لا تعود فقط إلى العصر الآشوري، أي أنها قديمة جداً، وموقعها الجغرافي له أهمية قصوى من ناحية أنها تقع شمال غربي الموصل، كما أنها قريبة من سنجار ومحافظة دهوك أيضاً. وهذه المنطقة كانت من ضمن الإمبراطورية الآشورية، ومفرق طرق بين مسار نينوى، وإلى الشرق منها سورية، وإلى الغرب إيران، لذا فإن موقعها الجغرافي أضاف لها أهمية كبيرة جداً، أضف إلى ذلك خصوبة الأرض في هذه المنطقة، التي تضم مئات المواقع الأثرية فيما يحيطها من الجوانب، وهذه المواقع الأثرية هي مستوطنات نطلق عليها (متعددة الفترات السكنية)، إذ إنها متعددة الطوائف، أي يسكنها خليط من النسيج العراقي منذ أقدم الأزمان، ولها مواقف عبر التاريخ القديم، بل حتى التاريخ المعاصر.”
أهمية القلعة تاريخياً
تكتسب قلعة تلعفر أهمية تاريخية وحضارية كبيرة عبر الأزمان والعصور، حول هذا الموضوع يستطرق البرزنجي قائلاً:-
“القلعة فيها أربعة أبراج في زواياها ، أي أنها على شكل مربع، وبين هذه الأبراج هناك أيضاً أبراج ثانوية فيها قلاع كبيرة نوعاً ما، كانت تستخدم كمخازن للجنود، أي أن كل قلعة من هذه القلاع تسع عدداً كبيراً من المحاربين، وهي على شكل طوابق، فعندما كانت تتعرض للهجمات كان هناك فيها زخم بشري يدافع عن القلعة، إضافة الى ذلك فإن القلعة ترتفع إلى ٢٥ متراً وفيها (مزاغل) للرمي، من ضمن الاستحكامات الدفاعية، وهي موجودة في معظم القلاع في هذه الفترة.
تعرضت القلعة إلى الهدم لأكثر من مرة، الأولى كانت في عام ١٨٤١ على يد والي بغداد المدعو محمد باشا اينجة، وهو الوالي العثماني ضمن الفترة العثمانية، الذي قد قام باحتلال القلعة في العام المذكور وقام بهدمها، لكن بسبب أن أسوار القلعة كبيرة وعالية كان من غير السهل أن تهدم بسهولة. كما تعرضت القلعة للهدم في عام ١٩٢٠ على يد الإنكليز، الذين حاولوا أن يهدموا أسوار القلعة وفسح المجال لصعود السيارات إلى أعلى القلعة، وقد تهدم الباب وسقط على القنطرة. أما الهدم الثالث الذي تعرضت له القلعة فقد كان على يد الإرهابين الدواعش.”
وفي جذور القلعة نجد قطع البناء الآشورية، التي جرى ترميمها أكثر من مرة، بدءاً في زمن الرومان بالفترة البيزنطية، ثم تعاقبت عليها الترميمات وصولاً إلى الفترة الأموية، وآخر حاكم أموي تولى ذلك كان مروان بن محمد الثاني، الذي قام بترميمها وتجديدها، حتى أطلق بعضهم عليها قلعة مروان، وكان البعض يعتقد أنها بنيت في الفترة الأموية، لكنها أقدم من ذلك، وتعاقبت عليها الاحتلالات المغولية والجلائرية، في فترات مختلفة من تاريخ العراق.”
مدينة للتعايش الأخوي
وتعتبر تلعفر من المدن التي تشتهر بتنوع النسيج البشري الذي يسكنها من كافة الطوائف والقوميات، حول هذا الموضوع يستأنف البرزنجي قائلاً:-
“لقد تعرضت المدينة إلى أبشع تدمير على يد الإرهابيين الدواعش، لكن الآثار لا تموت، وكل من يحاول أن يهدم الآثار سوف يموت، أما الآثار فتبقى خالدة لا تموت، لأنها كالجذر الراسخ في الأرض، كلما حاولوا اقتلاعه سوف يظهر بشكل أكبر.”
وللحديث أكثر عن القلعة، التقينا أيضاً الأستاذ (أمين عمر حيدر) وهو رئيس منقبي آثار أقدم، الذي حدثنا قائلاً:-
“تقع القلعة في وسط قضاء تلعفر، على بعد ٧٠ كيلومتراً شمال غربي مدينة الموصل، وللقلعة أهمية كبيرة بسبب خصوبة الأراضي الزراعية المحيطة بها، ووفرة مياه عيونها ، واتخاذها كحصن منيع تجاه الأعداء، لوقوعها على طريق القوافل العام، الذي يربط العراق بالشام.”
تسمية المدينة
سميت المدينة تلعفر، أو تل يعفر، وأصبحت تلعفر لطلب الخدمة، وتسمى كذلك نسبة للون تربتها الحمراء، كما تسمى بـ (قلعة مروان)، نسبة إلى آخر خليفة أموي، وهو الخليفة مروان الثاني، كذلك ورد اسم تلعفر في التوراة، وفي العهد الآشوري سميت بـ (نمت عشتار) أي (بوابة الآلهة)، ويعود تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ، نحو ٦٠٠٠ سنة قبل الميلاد. في منتصف الألف الثاني أصبحت مع سنجار جزءاً من الدولة (الميثانية)، وفي العهد الآشوري نمت وتوسعت قلعتها التي بنيت من اللبن، وبعد سقوط نينوى أصبحت مسرحاً للحروب بين الحيثيين والرومان والفرس، وفي عام 18 هجري في صدر الإسلام فتحت منطقة تلعفر، وفي العهد الأموي توسعت القلعة، وكذلك في العصرين العباسي والعثماني.
حجم الأضرار في القلعة
تعرضت القلعة إلى الهدم مرات عديدة، كانت آخراها على أيدي الإرهابيين الدواعش. عن هذا الموضوع أردف الأستاذ أمين قائلاً:-
“قدرت نسبة الأضرار في القلعة بـ١٠٠٪ ، بحيث أن القلعة فقدت كامل العناصر المعمارية القديمة لها، من السور والبيوت القديمة، حتى أنها أصبحت مرتفعاً خالياً من جميع تفاصيل العناصر المعمارية.”