تفوقت على المستورد وتميزت بصلابتها صناعة الزوارق.. حرفة تراثية تصارع التطور

337

صادق حسين العزاوي /

بالرغم من تدني مردودها المالي، ما زالت صناعة الزوارق صامدة بوجه التطور الكبير الحاصل في مختلف مجالات الحياة. تشتهر مدينة الكوفة بصناعة الزوارق، وهي مهنة متوارثة من الأجداد الى الأحفاد، وتسمى محلياً صناعة (البلم) أو (الكعد)، وتحظى هذه الصناعة برواج تجاري بين الصيادين في مختلف المحافظات.
وتعد مهنة صناعة الزوارق من المهن التي تميزت بها، منذ القدم، مدينة الكوفة، لوقوعها على ضفاف نهر الفرات والمعروف بـ (شط الكوفة)، التي تستخدم للصيد والنقل، ومازال هناك من يفضل استخدامها في النقل المائي.
يشرح نعمة السيد حسن الفحام، المنحدر من أسرة عريقة في هذه المهنة، سبب تميز مدينة الكوفة بهذه الصناعة رغم وجودها في عدد من المحافظات، مؤكداً أن “الكوفة تعد معقل هذه الصناعة في البلد، إذ ترفد السوق بمختلف أنواع الزوارق منذ أكثر من سبعين سنة، لما تتميز به هذه الزوارق من الجودة والمتانة والدقة في صناعتها وعبر عشرات السنين “..
مراحل صناعة الزورق
وأوضح الفحام أن “صناعة الزورق تبدأ بمرحلة تصميم الهيكل الأساسي (الشاصي) للزورق، إذ يحدد حجم وطول الزورق
وملامح صناعته، بشكل هندسي نظري دقيق ومتوازن، معتمدين على خبرتنا في صناعته.”
وتعتمد المادة الأساسية لصناعة الزورق على الأخشاب المحلية، مثل التوت والسدر والكالبتوز، فضلاً عن أخشاب الصاج والجاوي، التي تمتاز بصلابتها ومقاومتها للصدمات، وبعد أن تستكمل صناعة جميع أجزاء الزورق يطلى بمادة (الفايبر كلاس)، وسابقاً كان يطلى بمادة القير، أما في زوارق الثرثار فيغلف الهيكل بمادة القطن التي ترص بشكل دقيق بين لوحة خشبية وأخرى ثم يطلى .
تفوق على المستورد
ويفسر الشاب قاسم الفحام، الذي ينحدر من ذات العائلة، أسباب تفوق صناعة الزوارق في الكوفة وفشل المستورد في منافستها، إنما تعود لعوامل عدة، منها مقاومة هذه الزوارق وقوة ديمومتها ومتانتها، وبأنها تصنع حسب طلبات الزبون او الصياد، وإمكانية وسهولة صيانتها وتجديدها، كما أن اعتدال أسعارها دفع المهتمين باقتناء هذه الزوارق، من مختلف المحافظات، للقدوم الى الكوفة للحصول عليها .
مشيراً الى أن خريطة سوق صناعة الزوارق تمتد من البصرة والناصرية والعمارة والسماوة جنوباً مروراً بالأنبار والديوانية في الوسط الى ديالى وتكريت شمالاً وشرقاً.
حيث تصنع أنواع عديدة من هذه الزوارق، منها الصغير الذي يستخدم لصيد الطيور وهو زورق (الجلكة) وآخر يسمى (كروفي) يستعمل للصيد في النهر، وسمي بهذا الاسم نسبة الى عائلة كوفية عريقة (بيت كروف) تميزت بهذا النوع من الزوارق، وهناك زوارق الثرثار، التي تعمل في بحيرة الثرثار ويبلغ طولها (٨)م، كذلك هناك نوع يسمى (الريكة)، وأنواع أخرى .
حب وصبر
ويقول قاسم إن هناك عدداً من العائلات مازال أبناؤها يعملون في هذه المهنة مثل أحمد غزالة وحجي ماجد وحجي عماد أبو زهراء وحجي واثق.
وأشار الى أن العاملين في هذه الصناعة يواجهون معاناة تتمثل بقلة الأيدي العاملة وانحسارها بين عوائل محددة، إذ أن العمل في هذه المهنة يتطلب الكثير من الحب والصبر والقدرة على التفكير والمعالجة والهندسة النظرية، رغم وجود القوالب والقياسات .
وبيّن أن أقل عمر لأي زورق هو ثماني سنوات وممكن صيانته وتجديده، مضيفاً أن العمل في صناعة أصغر زورق قد يستغرق ثلاثة أيام صعوداً، وفي الزوارق الكبيرة قد يمتد العمل الى شهر، قبل أن تنقل الزوارق الى المحافظات بواسطة السيارات، أما سابقاً ولغاية الثمانينيات من القرن الماضي، فكانت زوارق عدة تربط وتوضع في النهر لتسير مع جريان النهر، وعندما تصل إلى كل مدينة يأخذ كل صاحب زورق زورقه. .
وأكد قاسم أن هذه المهنة تواجه تهديدات تتمثل بشح المياه الذي أثر كثيراً على الصيد في النهر وأيضاً دخول السمك المستورد وكثرة البحيرات لتربية الأسماك، ما قلل من عدد الصيادين، وبالتالي الإقبال على الزوارق .
لكن تبقى صناعة الزوارق في الكوفة شاهداً حضارياً على مهنية أبنائها الذين عشقوا الفرات، الذي يمثل لهم الكنز الكبير الذي مدّهم بالخيرات.