تل حفيظ بين الحقيقة والأسطورة

115

ميسان/ عبد الحسين بريسم – تصوير / إحسان الجيزاني
تزخر ميسان بما يؤكد قدمها في التاريخ وذلك من خلال استنطاق تلولها الشاخصة التي توارث سكان ميسان تسميتها بـ”الـ (يشن”) وهي جمع آيشن وتعني بالسومرية التل، ومن هذه التلول تل حفيظ. “الشبكة العراقية” ذهبت في مهمة البحث عن هذا الآيشن الذي كثرت الحكايات والقصص عنه وهو يقبع بين الحقيقة والخيال.

أسطورة حفيظ
أسطورة تناقلتها أجيال السومريين من أبناء الأهوار من جيل الى آخر، و(آيشن حفيظ) تل عال كبير يقع في الأهوار البعيدة التابعة للعمارة. لم يصله أي بشر ولم تُعرف عنه الإ قصص بعض الصيادين الذين عثروا عليه بالصدفة وهي لا تصدق.. ويقال بأنّه جنة من الأعناب والأرطاب والبساتين، وفيه زورقٌ من ذهب يحرسه (الطنطل) المسمّى باسمه، والويل الويل لمن يصل اليه او يتقرّب منه. وأهل الأهوار يعدّونه المكان المخيف جدا، وكثيرا ما تكون أهازيجهم بمدح رؤساء عشائرهم به؛ فيقولون: “حفيظ الشافك ماتت جنحانه” أو “انت حفيظ المايندار”.
أما الرحالة البريطاني (ولفريد ثيسجر) فقد أحضر مجموعة من شباب الأهوار الأشداء وأحضر كذلك زوارق عدة وأخذ يفتش عنه ولم يعثر عليه فقال: “إن حفيظ اسم على مسمى ولا وجود له وهو أسطورة تناقلتها أجيال السومريين من سكان الأهوار لإثارة الرعب بين الناس”.
آيشن الخرافة
يقول الكاتب (محمد الغراوي) عن تل حفيظ: هو تل خرافي موجود في عقول أجدادنا وجدّاتنا فقط، حاله حال ما يسمّى بالطنطل او السعلوة او السعلاة.. تدور حوله الكثير من الخرافات والأساطير، وطبعا هناك فرق بين الخرافة والأسطورة، هذا التل يقال إنّه كان مخزناً لكنوز النبي سليمان عليه السلام، وللحفاظ عليه من السرقة جعل الجن حراساً عليه. وهذا الرأي باطل لأن النبي سليمان (ع) لم تشر الروايات التاريخية او الدينية الى أنه جاء او مرّ بالبطائح او المذار او الأهوار.. وكان الآباء والأمهات يخيفون أبناءهم بهذا التل لكيلا يذهبوا بعيدا في الأهوار.. وأغلب الظن أنه من مخترعات البريطانيين حتى لا يصل السكان او الباحثون والمنقبون للتلال او الآيشنات الأثرية في الأهوار، كما حصل مع الوحش ذي العين الواحدة الذي انتشر في الأهوار (حكى لي جدي رحمه الله عنه) وتبيّن فيما بعد أنّه غواص انكليزي يبحث عن اللقى والكنوز الأثرية في مناطق الأهوار.
حكايات لا تنتهي
تقول (نوال جويد)، المختصة بعالم الأهوار والريف في الجنوب: إن أحد معالم الأهوار ذلك العالم الساحر (آيشن) وهي كلمة سومرية تعني المرتفع أو التل الذي يكون بارزاً للعيان في الهور، وكانت تستخدم في فترات كمقابر للأطفال.. هذه القصص والأساطير تدور حول أماكن يضم أكثرها لقى آثارية وأواني فخارية وخزفية مزجّجة إضافة الى قصص حول كنوز ومجوهرات يعود تاريخ بعضها إلى عصر الوركاء.
وأهم هذه اليشن هي:
1 – حفيظ
هو (آيشن) يقع في ناحية الخير على أطراف قضاء المجر الكبير، تقول الأساطير والحكايات الشعبية التي تناقلها أهالي الأهوار إن هناك ثلاثة أخوة، (عكر) و(ابو شذر) وأخوهما الثالث حفيظ، ولكل منهم مملكة غنية ومزدهرة، طغوا في الأرض فقلبت بهم وأغرقوا بطوفان عظيم، أما آيشن (حفيظ) فهو جزيرة صغيرة فيها الكثير من الكنوز والذهب والأحجار الكريمة وفيها من الأشجار المثمرة ما لذّ وطاب، تحرسها المخلوقات (الماورائية) ومنها الطنطل، ويسكنه (الجن) وفق الرواية الشعبية ولا يستطيع أحد الوصول إليه، لأن من يصل الى حفيظ يموت، وهناك نار وإضاءة كبيرة تظهر فيه، ولاسيما في ليالي الخميس وأيام الجمع، ويرى الزائر فيه أشباحاً يختلفون عن البشر في الطول والشكل ومن يقترب يجدونه ميتاً في الصباح وأن هناك الكثير من المغامرين وصلوا إليه ولكنهم لم يرجعوا أبداً.
2 ـ أبو الذهب
أما (آيشن أبو الذهب) الموجود في أهوار الحويزة والسلام والمجر، فله حكايات لا تقل غرابة عن هور حفيظ، إذ تروى عنه حكاية زورق الذهب، في ليلة الجمعة يخرج من هذا الآيشن زورق من ذهب يبقى ظاهراً للعيان طوال الليل حتى صلاة الفجر وبعدها يختفي.
3 ـ أم الحناء
ويعدّ أغرب آيشن، إذ يقال إنّه حتى في السنوات التي جفّفت فيها الأهوار يشاهد الناس أقواما تدل مظاهرهم على أنهم من الحضارات القديمة تنقلهم الى العين أشعة الصباح الأولى وكأنّهم في عرض سينمائي، قوم يقومون بأعمالهم المعتادة، وكأنهم أحياء فعلاً، وبعد ما ترتفع الشمس يغيب المشهد.
4 – أم الهند
وهذه الأسطورة تتعلّق بعالم الموت والعقاب والثواب، فهذا الآيشن وفق الأسطورة هو نافذة على هذا العالم، إذ يؤكد السكان أنّهم يسمعون استغاثة الموتى الذين ارتكبوا آثاماً في حياتهم وظلموا من حولهم.
وهنالك آيشن مهم يسمّى تل عزيزة يقع بين الحلفاية والكحلاء في وسط الهور جرى الحفر فيه بطريقة عشوائية وتعرض الى النهب والسلب في أحداث 2003.
وهناك آيشن أزيل بسبب تعارضه مع مجرى مائي، وهو صغير جداً في ناحية سيد أحمد الرفاعي في ميسان، وقبل الإزالة جرى تنقيبه من قبل دائرة الآثار والمفاجأة أنّه على الرغم من صغر حجمه إلا أنّه كان عبارة عن قاعة للمناسبات الدينية، بنيت في العصر العباسي وكان بمنتهى الروعة من حيث العمارة الهندسية الصحيحة.